عندما انخفض قائد الطائرة الزراعية فوق محصول عائلة "أبو محارب" الزراعي قرب الحدود وأطلق العنان لكمية كبيرة من الرذاذ المجهول لم يفهم المزارع عصام أن آمال تعويض خسارة الحرب الماضية وتسديد الديون قد تبخّرت!. ومع انتهاء نوبة العمل المسائية للمزارعين كانت طائرات الاحتلال الزراعية ترش مساحات واسعة جنوب وشمال موقع "كسوفيم" العسكري بمبيدات مجهولة لم ينتبه المزارعون في البداية لخطورتها. في اليوم التالي تفقد عصام ثمار "البطيخ - الفلفل - الفقوس - الكوسا - الملوخية" فوجدها قد ذبلت وتبدل لونها فعلم أن ما رشته الطائرة أباد المحصول على مسافة 500 متر غرب الحدود فيما حملت الرياح الشرقية المبيدات فأتلفت ما زرعوه على مسافة 700 متر أخرى. وكررت طائرات الاحتلال الأسبوع الجاري رش المزروعات في المنطقة الحدودية غبر طلعات في الصباح والمساء فأتلفت عشرات الدونمات المزروعة بخضروات ومحاصيل كثيرة فيما لم تقدر حتى اللحظة وزارة الزراعة قيمة الخسائر. خسارة كبيرة يربط المزارع عصام أبو محارب كوفية بيضاء فوق رأسه للاحتماء من حرارة الشمس وهو يتحرك بين ثماره النافقة والمخزن الزراعي خلف منزله الذي لا تفصله عن خط الحدود سوى مساحات زراعية اعتاد أن يزرعها هو وأشقاؤه. ويضيف: "علينا ديون من خسائر الحرب 30000 شيقل بعد أن جرفوا بئر وشبكات المياه ومخزن الأدوات الزراعية وهدموا عدة منازل لنا، واليوم أتت طائرات الاحتلال فأبادت محصولنا الذي نعلق عليه آمالنا بعشرات الدونمات ونحن نعيل 60 فرد من زراعتنا". يؤيد عصام شقيقه الأكبر مروان الذي وصل للتو بعد جولة حوار مع عماله الذين شاهدوا ما وقع، مشيرًا إلى أنه لا يفارق أرضه من طلوع الشمس حتى غروبها وأن الطائرات رشت مبيدات كريهة الرائحة حين حلقت طائرة المستوطنة الحدودية التي يعرفها جيداً على ارتفاع 10 أمتار فوق المحصول. يلوح مروان براحتيه مناشدًا وزارة الزراعة وكافة المسئولين بإنقاذ مزارعي الحدود مما يسميه حملات التهجير التي يتعمد الاحتلال شنها على مزارع الحدود قائلاً إن المطلوب هو دعم صموده!.
براعم الأشجار ويتابع: "استعنت بأحد الأصدقاء وركبت معه دراجة نارية متوجهًا إلى مزرعة عبد الله أبو مغصيب هناك بدت الأرض انخفاضًا، فيما بدت الأبراج العسكرية الثابتة ومنطاد التجسس أكثر وضوحًا". يفضّل عبد الله الجلوس تحت شجرة الزيتون قبل البدء بالحديث عن خسارته، مشيرًا أنه تفاجأ بذبول براعم أشجار اللوز والعنب ونفوق محصول الكوسا واللوبيا والبامية وتبدله للون الأحمر. ويضيف: "لم يبيدوا الأشجار والمحاصيل في مسافة 300 متر المحرّمة علينا بل وصلوا 500 متر وحملت الرياح المبيدات فأتلفت ما زرعناه على مسافة 700 متر وعلاوة على نفوق المحاصيل مضطرين لانتظار أكثر من شهر حتى تنمو براعم الأشجار من جديد". ديون دائمة بعد وداع المزارع أبو مغصيب وجدت في طريق عودتي الشاب أحمد أبو صواوين الذي كان قافلاً من نوبة العمل الصباحية بعد أن اضطر لزيادة كمية الري أملاً في إنعاش محصول "الكوسا والفول" الذي نالت منه مبيدات الاحتلال. ولج أحمد إلى ديوان العائلة قبل سرد مأساة المحصول التي لا يفصلها عن معاناة تدمير الاحتلال لبيته واغتيال شقيقه وأسر آخر في الحرب الأخيرة أقل من عام.
كعادتهم في تلك المنطقة لا يفتتحون الحديث قبل ضيافة القهوة المعدة على موقد الحطب حيث يشير أن المبيدات أتلفت محصول "الكوسا والبامية والفول" فيما أتت المبيدات على أشتال خضروات كثيرة . ويتابع: "اضطررنا لحصاد الفول قبل موعده وفقدنا كمية كبيرة من محصول منوع على مساحة تقارب 20 دونمًا وهذه المرة الثانية التي نخسر فيها الموسم لذا سنظل مدينين لتجار الأدوية الزراعية، وسنطعم محصولنا للماشية. ويعلّق المهندس الزراعي أحمد عبد الهادي مدير وزارة الزراعة في دير البلح على الحادثة بأنها المرة الثانية التي يستخدم فيها الاحتلال طائرات زراعية لرش مزروعات المواطنين على الحدود بالمبيدات الكيماوية. ويضيف: "حدث ذلك في يناير الماضي بعد الحرب وهي على الأرجح أنها مبيدات تشبه مبيدات الأعشاب وقد أتلفت محاصيل وخضروات وأشجار على مساحة 90 دونما في قرية وادي السلقا وحده، إضافة لمساحات واسعة شرق بلدة القرارة". ويؤكد عبد الهادي أن الاحتلال يتعمد تفريغ الحدود من الزراعة في كافة الشريط الحدودي بقطاع غزة، وأن مؤسسات حقوقية وإنسانية عديدة وثقت الأمر مؤخراً منها الصليب الأحمر والهيئة الدنمركية لحقوق الإنسان ومؤسسات محلية وأجنبية. ويقول سكان الحدود إن الاحتلال الذي دأب على تجريف الحدود بشكل متواصل وإبادة النباتات والمزروعات بحجج أمنية؛ بدأ يستخدم أسلوبًا جديدًا بدل التجريف يقتل فيه النباتات ويهجّر المزارعين دون استخدام الآليات العسكرية.