رصدت مؤسسات مالية وبحثية، الآثار الاقتصادية الأولية لعاصفة الحزم، التى تقودها السعودية، والتي تمثلت في تأكيد مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، الخميس، أن السعودية بدأت السحب من احتياطاتها من النقد الأجنبي للمرة الأولى منذ 2009؛ لتغطية عجز قياسي متوقع في موازنة الدولة ناتج عن انهيار أسعار النفط، ومتوقع تزايده بسبب نفقات الحرب في اليمن. وتعمل مؤسسة النقد كصندوق سيادي للثروة السعودية، وغالبية الأصول لديها مقومة بالدولارات خصوصا سندات الخزانة الأمريكية. وقالت مؤسسات نقدية أجنبية، إن الحرب سيكون لها تكلفتها الاقتصادية المباشرة المتمثلة في الخسائر الناتجة في المعدات والأرواح، واستنزاف الموارد المالية على شراء السلاح، وتجهيز القوات والطلعات الجوية، وأنه برغم أن السعودية لديها رصيد يمكن التعويل عليه من احتياطيات النقد الأجنبي يقدر بنحو 750 مليار دولار، إلا أن تداعيات الحرب ومداها، وأزمة انهيار أسعار النفط قد تؤثر على هذا الاحتياطي بشكل ملموس، حيث سحبت المملكة نحو 100 مليار منذ أكتوبر 2014 وحتى الآن. وزاد الإنفاق على التسليح في عام 2014 بنحو 170 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكانت السعودية والإمارات تتصدران حجم الإنفاق على التسليح بين دول المنطقة، فالسعودية وحدها بلغ حجم الإنفاق على التسلح نحو 57 مليار دولار عام 2014، وفي ظل استمرار الحرب سيزداد هذا المبلغ بشكل ملحوظ. وسجلت الاحتياطيات الأجنبية الصافية للمملكة مستوى قياسيا مرتفعا بلغ 737 مليار دولار في أغسطس الماضي، وقال خبراء إن دخول دول الخليج وبخاصة السعودية في حرب طويلة، سيؤدي بلا شك لاستنزاف هذا الاحتياطي، وقد يؤدي إلى تسييل بعض الأصول السعودية بالخارج. ووفقا لإحصاءات شهرية من مؤسسة النقد العربي السعودية نقلتها وكالة «رويترز»، فإن الأصول الأجنبية الصافية لدى المركزي السعودي انخفضت، في فبراير الماضي، بمقدار 1.4% عن مستواها قبل عام لتصل إلى 2.650 تريليون ريال (707 مليارات دولار)، وهذا هو أول هبوط على أساس سنوي منذ فبراير 2010، عندما تضررت السعودية من الأزمة المالية العالمية. وهو ما يعني أن عشرات المليارات من الدولارات الخاصة بالمملكة سُحبت من بنوك وأسواق مالية غربية، غالبيتها أمريكية، هذا العام مع سعي أكبر مصدر للنفط في العالم للتغلب على انخفاض حاد في الإيرادات. وبرغم أن العاصفة الخليجية نجحت في رفع أسعار النفط 4% ليصل إلى 60 دولارًا، فقد قالت مؤسسة (كابيتال إيكنوميكس) ومقرها لندن، في تقرير، إنه: "عند الأسعار الحالية للنفط التي تقل عن 60 دولارا للبرميل، فإنه من شبه المؤكد أن تواجه السعودية عجزًا مزدوجا في الموازنة والحساب الجاري". وأضافت: "لكن الحكومة تواصل مقاومة ضغوط من أعضاء آخرين في أوبك لخفض إنتاج النفط من أجل دعم الأسعار، وبدلا من ذلك فإن السلطات بدأت السحب من احتياطيات النقد الأجنبي لدعم الإنفاق". وبسبب هبوط أسعار النفط، تتوقع الحكومة السعودية عجزا قياسيا في الموازنة قدره 38.7 مليار دولار للعام 2015، ويصر مسئولون على أنهم لن يخفضوا الإنفاق بشكل حاد بسبب الحاجة إلى الحفاظ على نمو الاقتصاد ودعم مدفوعات الرعاية الاجتماعية، وهي ضرورية للحفاظ على الاستقرار السياسي. احتياطي النقد السعودي يفوق 21 دولة عربية ويقول خبراء، إنه لولا احتياطي النقد السعودي لانهار الاقتصاد بفعل انخفاض أسعار النفط وبفعل تكاليف الحرب اليمنية، حيث ارتفع حجم احتياطي السعودية من النقد الأجنبي والذهب في شهر ديسمبر الماضي 2014 إلى 216.1 مليار ريال، بزيادة قدرها 21.4 مليار ريال عن الفترة نفسها من العام الماضي. ووفقا للإحصاءات الشهرية لمؤسسة النقد العربي السعودي والمعلنة على موقعها الإلكتروني، فقد ارتفع رصيد المملكة من النقد الأجنبي والذهب بنسبة 12% في ديسمبر الماضي (216.132 مليون ريال) عن مستوياتها في ديسمبر 2013، عندما سجل 194.684 مليون ريال. ويزيد احتياطي السعودية من النقد الأجنبي عن احتياطيات 21 دولة عربية مجتمعة، بما فيها دول الخليج التي تتوافر لديها أموال ضخمة بالعملات الأجنبية ناتجة عن صادراتها من النفط والغاز. ورغم الانخفاض الذي تتعرض له أسعار النفط، تحرص المملكة على تدعيم احتياطي النقد الأجنبي والذهب، حيث إن زيادة الاحتياطيات خاصة بالنقد الأجنبي والذهب، يعززان الثقة العالمية، ويضمنان وجود غطاء كاف لواردات المملكة. وتتوزع الأصول الاحتياطية الأجنبية لدى السعودية بين ودائع في بنوك أمريكية وأوروبية واستثمارات في أذون خزانة وسندات صادرة عن حكومات الدول الثماني الصناعية الكبرى، وهي: الولاياتالمتحدةالأمريكية، واليابان، وألمانيا، وروسيا الاتحادية، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا. ويشمل الاحتياطي إجمالي الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد العربي السعودي، الذهب، وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج. خبراء وتقول الدكتورة «يمنى الحماقى»، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس: إن التكلفة الاقتصادية المباشرة لهذه العملية ستكون مؤثرة على الدول الخليجية صاحبة المصلحة المباشرة والأساسية لتكاليف هذه العمليات العسكرية؛ بسبب تكاليف الحرب والسلاح وعدم الاستقرار وتضرر النمو الاقتصادي. وعن الآثار الاقتصادية السلبية للعملية، يقول الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: إن العملية العسكرية سيكون لها آثار على دول الخليج، كما أنها ستسهم في تصنيف المنطقة على أنها منطقة مضطربة، فضلا عن خروج عدد لا بأس به من الخليجيين إلى دول أكثر استقرارا مخافة التداعيات السلبية للحرب. ولكنه يقول: «نحن لا نعرف بعد تداعيات آلة الحرب، فهل سيستهدف الحوثيون منابع النفط السعودية تحديدا بشكل خاص وباقي دول الخليج بشكل عام؟ هذا ما ستسفر عنه الأحداث خلال الأيام القادمة". وأشار إلى أن التكاليف الاقتصادية غير المباشرة ستكون مؤثرة بشكل سلبي على المدى القصير، من خلال التأثير على تداولات البورصة وانخفاض أسواق المال العربية، ولكن سيكون لها أثر إيجابي على المدى البعيد بالتأكيد على قدرة دول المنطقة على حماية مصالحها وصد أي عدوان أو محاولة للنيل من استقرارها. ويري الخبراء أن الآثار بعيدة المدى سوف تتحدد بعدما نعرف هل السعودية والدول الحليفة ستكتفي بضربتها الأولى فقط، أي الحصار والسعي لحل سياسي، أم أن الأمور سوف تمتد إلى حرب طويلة، سواء من خلال الضربات الجوية والحسم البري، أو لجوء الحوثيين لحرب العصابات. ويحذر الخبراء من السيناريو الأسوأ، وهو دخول إيران في حرب مباشرة مع التحالف الخليجي، مما قد يعرض اقتصاد الطرفين لتكرار سيناريو أزمة الخليج الأولى، التي دارت رحاها بين العراقوإيران، وكانت دول الخليج تدعم العراق بشكل كبير، مما أدى إلى استنزاف ثروات النفط للطرفين. ويقول الخبراء، إن هذه السيناريوهات المحتملة سيكون لها دلالاتها على أسعار النفط خلال الفترة القادمة، وبخاصة إذا ما استهدفت آبار النفط ومؤسساته سواء في السعودية أو إيران، وفي حالة تحقق هذا السيناريو فإن أسعار النفط ستشتعل بلا شك في السوق.