- ليبيا تحولت لساحة اختبار لدول الخليج.. وقطروالإمارات تحالفا مع الأطلسي في دعم الثوار الليبيين - محاكمة 130 معارضًا بتهمة الانتماء إلى منظمة غير مشروعة والاستيلاء على السلطة - إسقاط الجنسية وإغلاق الجمعيات الحقوقية والمحاكمات الهزلية وسيلة السلطة للتعامل مع معارضيها الجزر الصغيرة تحولت إلى إمارات محدودة غامر بها أصحابها في مشاريع فاشلة أصبحت تهدد كيانهم وتدمر استقرارهم بعد أن اقتربت منهم رياح التغيير العربي، ورغم أن الإمارات كانت مملكة اقتصادية تتمتع بالتوازن والاستقرار إلا أنها اهتزت في السنوات الأخيرة بعد المغامرات المجنونة لمشايخها في التدخل في شؤون الغير ليسقطوا وسط البارود في ليبيا. التاريخ يقول إن أحد المبادئ الرئيسية لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، الذي صاغ الإمارات من أصل سبع مشيخات، كان تقديم بلاده الصغيرة والضعيفة كصديق لجميع العرب. تطور اتحاد الإمارات الذي أقامه زايد كهجين غير عادي، شاملا مدنا متنوعة مثل دبي الليبرالية وبجوارها الشارقة المحافظة دينيا. أصبح اقتصادها أحد أقوى الاقتصادات في العالم العربي، وثاني أكبر اقتصاد عربي بعد الاقتصاد السعودي، رغم أن عدد سكانها سدس سكان المملكة، ويتواصل تطوره بسرعة فائقة. هل كان زايد الذي وافته المنية عام 2004، تاركا السلطة في يد ابنه الطموح، من شأنه أن يورط بلاده في السياسة الليبية المشتبكة بعد الثورة، على بعد آلاف الكيلومترات غربا؟ أمر يستحق التأمل. مؤخرا، كشف مسؤولون أمريكيون أن الإمارات ومصر تدخلتا في المستنقع الليبي، فشنتا عملية جوية مشتركة ضد الميليشيات الإسلامية التي كانت على وشك السيطرة على مطار طرابلس. وكما قال موقع الجمهور إن الأنباء التي تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة - التي تبدو إحدى الجزر القليلة الهادئة في منطقة مضطربة - شاركت في عمليات عسكرية خارج حدودها هي إحدى الانعطافات الأكثر إدهاشا بانتفاضات الربيع العربي. السعودية والإمارات.. ودعم الانقلاب السعودية والإمارات هما الداعمان الرئيسان للانقلاب العسكري الذي وقع العام الماضي بمصر وأطاح بأول رئيس للبلاد منتخب ديمقراطيًّا، الرئيس محمد مرسي. لكن يبقى الإسلاميون قوة بجميع أنحاء العالم العربي ولا يزالون يحتفظون بدعم قطر وتركيا. نتيجة لذلك، نادرا ما كانت العلاقات بين دول الخليج متوترة جدا كما هي الآن. في الواقع، كانت هناك مفاجأة أخرى للربيع العربي هي قلق قادة الإمارات من مدى قوة الإسلاميين المرتبطين بالإخوان في الجبهة الداخلية. القبضة الأمنية تحكم كانت النتيجة حملة قمع كبيرة ضد الحريات: حاكمت الحكومة 130 من المشتبه بكونهم إسلاميين؛ بتهمة الانتماء إلى منظمة غير مشروعة والتآمر للاستيلاء على السلطة، وألغت جنسية بعض الإماراتيين، وزادت رصد وسائل الإعلام الاجتماعي، وأغلقت مراكز الدراسات الأجنبية، وأقرت قانونا جديدا كاسحا لمكافحة الإرهاب تخشى الجماعات الحقوقية من أنه سيساعد على تضييق الخناق أكثر على المعارضة السلمية. التدخل المصري الإماراتي في ليبيا مثال آخر على الجرأة المكتشفة حديثا لدى دول الخليج، والتي تظهر حاليا احتراما ثانويا فقط للاعتبارات الأمريكية. وهذا يمثل تغييرًا كبيرًا في السياسة شرق الأوسطية: فمنذ حققت دول الخليج استقلالها عن بريطانيا، سعت لبلورة صورة عن بلادها باعتبارها خالية من المتاعب، يوتوبيا غير مسيسة، مؤمّنة بثروة متأتية من موارد الطاقة. احترام ثانوي للاعتبارات الأمريكية بدأ التوسع الإيراني في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في 2003 يعكر صفو المياه الهادئة، وأنفقت الإمارات والسعودية نفقات عسكرية ضخمة لردع الهجمات الإيرانية المحتملة في حالة حدوث عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي ضد إيران، كما تقول مجلة فورن بولسي. بيد أن التجهيزات الفاخرة التي حصلت عليها دول الخليج على ما يبدو وجدت في عصر الانتفاضات أغراضا أخرى. ويجري الآن استخدامها لإخماد المعارضة الداخلية، كما هو الحال في البحرين أو السعودية، أو لتحقيق مصالح إقليمية لهذه الدول. بتفاقم حدة الخلاف مع جيرانها الخليجيين، أعلنت قطر في شهر مارس الماضي مشتريات دفاعية هائلة بلغت 23 مليار دولار، بما في ذلك طلبات شراء ضخمة لطائرات مروحية هجومية من شركتي بوينج وإيرباص. هل تعود قطر إلى الحظيرة؟ سيكولوجية الغارة على طرابلس تقترح تقريبا أن مصر والإمارات ترغب حقا بقصف الدوحة، كما تقول المجلة ذاتها. كانت هناك جهود لإعادة قطر إلى الحظيرة.. في وقت سابق من هذا العام، سحبت الإمارات، جنبا إلى جنب مع السعودية والبحرين، سفراءها من الدوحة وقدمت لقطر إنذارا بقطع العلاقات مع الإخوان المسلمين. وكان وفد سعودي رفيع المستوى، يتكون من وزير الخارجية سعود الفيصل، وزير الداخلية محمد بن نايف، ورئيس المخابرات خالد بن بندر، قد زار الدوحة مؤخرا في محاولة أخيرة على ما يبدو لإقناع القطريين لتغيير مسارهم - لكن دون كبير جدوى. كانت ليبيا بالفعل ساحة اختبار لدول الخليج لاستعراض العضلات قبل الغارات الجوية الأخيرة. في استجابتها الأولية للانتفاضات العربية، عملت قطروالإمارات العربية المتحدة مع حلف شمال الأطلسي في الحملة الجوية لدعم الثوار الليبيين الذين أطاحوا نهاية المطاف نظام معمر القذافي في 2011. لكن تورط الإمارات في ذلك الوقت كان محدودا، وتؤطره الحكومة في خطاب المواطنة العالمية الحسنة. دبي.. المدينة المتحررة إسرافا وفجورا من ناحية أخرى، واصلت قطر توفير الدعم المعنوي للجماعات الإسلامية الليبية. ينكر المسؤولون الإماراتيون أي دور في الغارات الجوية على طرابلس، ويتمسكون بإصرار أن بلادهم واحة استقرار، وأنها لن تخاطر بإفساد الأمور من خلال التدخل في المناخات الأجنبية. "ستبقى الإمارات نموذجا لدولة عربية طورت بنجاح وأمسكت بالمستقبل"، كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في سلسلة من التغريدات، التي هاجمت أيضا الإخوان المسلمين كإرهابيين، وكذلك وسائل الإعلام القطرية لنشرها قصة ليبيا، رغم الإنكارات، نوقشت الحكمة من الهجوم المفترض للإمارات بشكل ساخن. كتب المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله في تبادل ساخن للتغريدات مع سفير قطري سابق أن التدخل كان خطوة لمنع ظهور دولة إسلامية أخرى، وهذه المرة على حدود مصر. ليس كل الإماراتيين داعمين جدا للغارات على ليبيا، لكن معلقا آخر قال "إنه الجنون الكلي، إنه بالتأكيد ليس قرارا يمكن أن يجمع عليه حكام الإمارات الأخرى". خوف الإماراتيين من الضعف والهشاشة تضاءل على مر السنين؛ حيث تحولت بلادهم إلى أحد أقوى الاقتصادات في المنطقة. تنظيم القاعدة لم يستهدف بلادهم - أو بشكل أكثر تحديدا، دبي، مدينتها المتحررة إسرافا وفجورا، والتي تبدو دائما هدفا واضحا. الشيوخ في خطر قدرة الشيوخ على البقاء أصدقاء مع القادة الإقليميين عبر مختلف ألوان الطيف السياسي (الإمارات اعترفت بحكومة طالبان في أفغانستان) يبدو أنها توفر لهم شكلا من الحماية. مع ذلك، التغيرات التي تعصف بالشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة أجبرت الإماراتيين على الانحياز في الصراع الإقليمي الكبير. من وجهة نظر الإمارات وحلفائها المصريين، قطر مصدر المشكلات التي تعزز القوى التي تزعزع استقرار أنظمتهم السياسية الخامدة، سواء بطريق الانتخابات أو العنف. في الصحافة ووسائل الإعلام الاجتماعي والتصريحات العامة، يكيل حكام الخليج لبعضهم اتهامات متبادلة بالتدخل خارج حدودهم الإقليمية. برفع مستوى الرهان، يضخم الشيوخ فقط مخاوفهم وربما يفاقمون الانقسامات التي تعكر حاليا أوضاع الخليج. لكن هذه ليست رؤية زايد.