نادرًا جدًا ما تجد أحدًا يتحدث عن "أحمد الشقيري" وقلة هم الذين يتذكرونه قبل وبعد وعندما تحين ذكراه لا ندري لماذا مع أن "الشقيري" كان وسيبقى واحدًا من أهم القادة السياسيين الفلسطينيين بعد النكبة، وسيظل اسمه مرتبطا بتأسيس أول كيان وطني للفلسطينيين بعد النكبة وقبل النكسة فالشقيري الخطيب والمحامي والقانوني والأديب والكاتب السياسي والدبلوماسي المجرب والمحنك ظل وفيا لفلسطين الكاملة منذ بدء نضاله مطلع شبابه وحتى موته في سنة 1980. ميلاده ولد السياسي والدبلوماسي الفلسطيني "أحمد الشقيري" في بلدة "تبنين" جنوبلبنان عام 1908؛ حيث كان والده الشيخ أسعد الشقيري منفيا هناك، ثم انتقل مع أمه للعيش في طولكرم بعد وفاة ابيه ومن بعدها إلى عكا للدراسة بالمدرسة الأميرية عام 1916، والتي تلقى تعليمه الأولى فيها ومنها إلى القدس التي أتم فيها دراسته الثانوية عام 1926. التحق "الشقيري" بعد ذلك بالجامعة الأمريكية في بيروت وتوثقت صلته بحركة القوميين العرب، وكان عضوا فاعلاً في نادي العروة الوثقى لكن بقاءه في الجامعة لم يدم طويلاً فقد طردته الجامعة في العام التالي؛ بسبب قيادته مظاهرة ضخمة بالجامعة احتجاجًا على الوجود الفرنسي في لبنان واتخذت السلطات الفرنسية قرارًا عام 1927 بإبعاده عن لبنان. عودة بعد هجرة عاد "الشقيري" إلى القدس والتحق بمعهد الحقوق وعمل في الوقت نفسه محررًا بصحيفة مرآة الشرق، وبعد تخرجه أتيحت له الفرصة ليتمرن في مكتب المحامي عوني عبد الهادي أحد مؤسسي حزب الاستقلال في فلسطين، وفي ذلك المكتب تعرف على رموز الثورة السورية الذين لجؤوا إلى فلسطين وتأثر بهم. شارك "الشقيري" في أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى 1936، ونشط في الدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين أمام المحاكم البريطانية، وكانت لكتاباته أثر في تأجيج المشاعر الوطنية . وبعد أن تقرر تأسيس المكاتب العربية في عدد من العواصم الأجنبية عين "أحمد الشقيري" مديرًا لمكتب الإعلام العربي في واشنطن ثم انتقل بعد ذلك مديرًا لمكتب الإعلام العربي المركزي في القدس، وظل يرأس هذا المكتب حتى عام 1948؛ حيث اضطر إلى الهجرة بعدها إلى لبنان والاستقرار في بيروت. "الشقيري".. سياسي بطعم الثورة لكونه يحمل الجنسية السورية ولخبراته الواسعة اختير من قبل الحكومة السورية ليكون عضوًا في بعثتها لدى الأممالمتحدة عام 1950، وعاد بعدها إلى القاهرة وشغل منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية وبقي في ذلك المنصب حتى عام 1957 . كما اختير في المملكة العربية السعودية ليشغل منصب وزير الدولة لشؤون الأممالمتحدة ثم عين سفيرًا دائمًا للسعودية في الأممالمتحدة وكان نشاط "الشقيري" أثناء فترة عمله بالأممالمتحدة مركزًا حول الدفاع عن القضية الفلسطينية وقضايا المغرب العربي. بعد وفاة أحمد حلمي عبد الباقي ممثل فلسطين لدى جامعة الدول العربية اختير الشقيري ليشغل ذلك المنصب من قبل الرؤساء والملوك العرب في الجامعة العربية. منظمة التحرير الفلسطينية وفي مؤتمر القمة العربي بالقاهرة عام 1964 الذي دعا إليه جمال عبد الناصر أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية وكلف المؤتمر ممثل فلسطين "أحمد الشقيري" بالاتصال بالفلسطينيين وكتابة تقرير عن ذلك يقدم لمؤتمر القمة العربي التالي فقام "أحمد الشقيري" بجولة زار خلالها الدول العربية واتصل بالفلسطينيين فيها وأثناء جولته تم وضع مشروعي الميثاق القومي والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتقرر عقد مؤتمر فلسطيني بشكل عام وقام الشقيري باختيار اللجان التحضيرية للمؤتمر التي وضعت بدورها قوائم بأسماء المرشحين لعضوية المؤتمر الفلسطيني الأول الذي أطلق عليه اسم المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد انتخب هذا المؤتمر أحمد الشقيري رئيسًا له وأعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية وصادق على الميثاق القومي والنظام الأساسي للمنظمة وانتخب الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة وكلف المؤتمر الشقيري باختيار أعضاء اللجنة الدائمة الخمسة عشر. وفي مؤتمر القمة العربي الثاني في 5 سبتمبر 1964 قدم الشقيري تقريرًا عن إنشاء المنظمة أكد فيه على النواحي العسكرية والتنظيمية لتحقيق تحرير فلسطين والتعبئة، ووافق المؤتمر على ما أنجزه الشقيري وأقر تقديم الدعم المالي للمنظمة. تفرغ الشقيري للجنة التنفيذية للمنظمة في القدس، ووضع أسس العمل والأنظمة في المنظمة، وأشرف على إنشاء الدوائر الخاصة بها، وتأسيس مكاتب لها في الدول العربية والأجنبية، وأشرف على بناء الجهاز العسكري تحت اسم جيش التحرير الفلسطيني. راحة بعد عناء بعد عدوان يونيو سنة 1967 حدث تغير كبير على الساحتين العربية والفلسطينية وبرزت الفصائل الوطنية والقومية واليسارية الفلسطينية ومنها حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واختلفت الفصائل مع توجهات وسياسة الشقيري وكذلك قام تباين في وجهات النظر بين بعض أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيسها فوجد المناضل أحمد الشقيري في ديسمبر سنة 1967 أن استمراره بالعمل في هكذا أجواء أصبح صعبًا فتقدم باستقالته إلى الشعب العربي الفلسطيني فسارعت اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى قبول تلك الاستقالة. وبعد ذلك كرس الشقيري نفسه للكتابة، وأقام في منزله في القاهرة لمدة سنة ثم انتقل عائدا إلى منزله في بيروت، ورفض كافة العروض التي قدمت له لاستلام مناصب وأعمال ومهام رسمية وظل الشقيري يؤكد دائمًا في خطبه وأحاديثه وحواراته وكتاباته على أن المساومات السياسية لن تحرر فلسطين وأن الكفاح المسلح هو وحده طريق التحرير. وأكد على وجوب مواجهة ومحاربة الإمبريالية الأمريكية باعتبارها الرئة التي يتنفس منها الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وكان يؤكد على ضرورة استعمال سلاح النفط في المعركة القومية المصيرية كما قال الشقيري عن اتفاقية كامب ديفيد بين السادات وبيجن إنها خيانة عظمى.. وفاته بعد مضي عدة أشهر في تونس أصابه المرض، ونقل إلى مدينة الحسين الطبية في عمان وتوفي في مثل هذا اليوم 25 فبراير عام 1980 عن عمر يناهز ال72 عامًا ودفن في مقبرة الصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح التي تضم عددًا من قادة الفتوحات الإسلامية في غور الأردن على بعد ثلاثة كيلومترات من حدود فلسطينالمحتلة بناء على وصيته قبل موته.