145 ألف للطب و75 للهندسة.. المصروفات الدراسية لكليات جامعة المنصورة الجديدة    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    سعر الذهب اليوم الخميس 31 يوليو 2025.. عيار 21 بكام الآن في الصاغة؟    مصر توقع اتفاقية جديدة لتعزيز أنشطة استكشاف الغاز في البحر المتوسط    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: إعلان حركة رؤساء مباحث الثغر.. وزوج يطعن زوجته بالمحكمة لرفعها قضية خلع ضده    بعد المشاركة في تظاهرات بتل أبيب ضد مصر.. كمال الخطيب يغلق التعليقات على «إكس»    الخارجية: لا توجد دولة بالعالم قدمت تضحيات للقضية الفلسطينية مثلما قدمت مصر    منظمة التحرير الفلسطينية تطالب بإنهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة    البرتغال تدرس "الاعتراف بدولة فلسطين"    سانشو يخطط للعودة إلى بوروسيا دورتموند    نيكولاس جاكسون يدخل دائرة اهتمامات برشلونة    هويلوند: مستمر مع مانشستر يونايتد وجاهز للمنافسة مع أى لاعب    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة على طريق أسوان الصحراوي الغربي    دخلا العناية المركزة معًا.. زوج بالبحيرة يلحق بزوجته بعد 3 أيام من وفاتها    إزالة إشغالات وأكشاك مخالفة وعربات كارو ورفع تراكمات قمامة خلال حملة موسعة في القليوبية    قرارات تكليف لقيادات جديدة بكليات جامعة بنها    ترفض الانكسار.. مي فاروق تطرح أغنية «أنا اللي مشيت» من ألبوم «تاريخي»    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    «انصحوهم بالحسنى».. أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقيموا الصلاة (فيديو)    «صحة شمال سيناء»: زيارات مفاجئة للمستشفيات للارتقاء بصحة المواطنين    جامعة بنها تعقد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشري    ب مكونات منزلية.. وصفة سحرية لتنظيف القولون وتعزيز صحة الجهاز الهضمي    دياز: كومباني أخبرني بأنني سألعب على الجناح الأيسر.. وهذه تفاصيل محادثتي مع فيرتز    جثمت على صدره.. الإعدام لربة منزل قتلت طفلها انتقامًا بالبحيرة    اسكواش - دون خسارة أي مباراة.. مصر إلى نهائي بطولة العالم للناشئات    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    رئيس جامعة دمياط يترأس اجتماع مجلس الجامعة بجلسته رقم 233    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    عودة نوستالجيا 90/80 اليوم وغدا على مسرح محمد عبدالوهاب    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    وزارة الداخلية تضبط طفلا يقود سيارة ميكروباص فى الشرقية    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    واشنطن تبلغ مجلس الأمن بتطلع ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا 8 أغسطس    وزير الخارجية اللبناني يبحث مع مسئولة أممية سبل تحقيق التهدئة في المنطقة    الخميس 7 أغسطس.. مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات "مهرجان الصيف الدولى"    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    القنوات الناقلة لمباراة برشلونة وسيول الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    محافظ المنيا: تشغيل عدد من المجمعات الحكومية بالقرى يوم السبت 2 أغسطس لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    حنان مطاوع تودع لطفي لبيب: مع السلامة يا ألطف خلق الله    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعرف على أسباب ضرب السيسى ليبيا الآن
نشر في الشعب يوم 17 - 02 - 2015


(1) حقائق مُهمة ينبغي أن تعرفها!
أ – عملية خطف الأقباط المصريين لم تتم في الأيام الحالية، ربما سمع عنها الكثيرون الآن بعد انتشار صورتهم بالملابس البرتقالية كأسرى على أحد شواطئ ليبيا، لكنها تمت على مرحلتين، الأولى في الثلاثين من ديسمبر للعام 2014 حيث خُطف 7 من المصريين الأقباط وهم من مركز سمالوط بمحافظة المنيا في طريق عودتهم لمصر في مدينة (سرت) شرقي ليبيا، ثم 14 آخرون في الثالث من يناير الماضي من قلب أماكن سكناهم في نفس المدينة (سرت) أيضًا، أي أن المصريين أمضوا في الأسر ما بين ال(42 : 45) يومًا!
ب - لم تكن هذه الحادثة الأولى، فقبل خطف السبعة بنحو أسبوع تم قتل طبيب مصري وزوجته في قلب بيته في منطقة جارف، جارف في (سرت) أيضًا بالمناسبة، وخطفت ابنتهما والتي تم العثور على جثتها بعدها بأيام قليلة، وفي 24 من فبراير للعام الماضي تم خطف سبعة مصريين من منزلهم ثم إعدامهم (رصاصة في كل رأس) وألقيت جثثهم في إحدى ضواحي بني غازي لتعثر عليها السلطات الليبية حينها، بينما صرحت وزارة الخارجية أنها لن تعلق، وسوف تصدر بيانًا بهذا الشأن لاحقًا كما نشرت الBBC البريطانية في وقتها!
ج - سنعود للمصريين الذين ذبحهم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم (داعش) في التو واللحظة، لكن هناك قصة في منتهى الأهمية أولًا.
في الجمعة، الرابع والعشرين من يناير لعام 2014 كان شعبان هدية المعروف باسم (أبو عبيدة الزاوي) رئيس غرفة عمليات ثوار ليبيا التابعة (صوريًا) لرئاسة أركان الجيش الليبي في الإسكندرية، السلطات المصرية التي رصدت تحركاته اعتقلته، والاعتقال تم بلا أي أسباب معلنة على الرغم من أن أبو عبيدة تقنيًا تابع للسلك الدبلوماسي الليبي الرسمي وليس من ميليشيات ضد الحكومة الليبية!
وكالة الأنباء الليبية الرسمية حينها صرحت بأن (رئاسة المؤتمر الوطني العام) أصدرت تعليماتها للحكومة الليبية ولرئيس جهاز المخابرات العامة وللسفير الليبي لدى مصر بضرورة اتخاذ كل الإجراءات العاجلة للإفراج الفوري عن أبو عبيدة، وأدانت الرئاسة نفسها الاعتقال، لكن غرفة عمليات الثوار كان لها رأي آخر!
في نفس اليوم، مساءً، خطفت مجموعة مسلحة الملحق الإداري للسفارة المصرية في ليبيا، ثم في يوم السبت أكملوا العمليات باختطاف الملحق الثقافي وثلاثة موظفين في المركز الثقافي بالسفارة ليكتمل العدد (خمسة) دبلوماسيين مخطوفين في غضون 24 ساعة فقط من اعتقال أبو عبيدة!
طالبت المجموعة الخاطفة بإطلاق سراح فوري لأبو عبيدة مقابل الإفراج عن الدبلوماسيين الخمسة، بينما نفت غرفة عمليات الثوار أن تكون ضليعة بالعملية. على الفور تحركت القاهرة لتنسق مع الجانب الليبي، بعد 48 ساعة فقط، وفي الاثنين السابع والعشرين من يناير أفرجت وزارة الداخلية المصرية عن أبو عبيدة لتطلق المجموعة المسلحة (المجهولة) سراح الدبلوماسيين الخمسة وليعودوا سالمين لمصر، ثم ستصدر القاهرة قرارًا بإجلاء جميع العاملين الدبلوماسيين المصريين (الرسميين) في ليبيا بعد هذا الاختطاف.
د – الآن عودة لقتلى ليبيا من المصريين، بعد أن تم اكتمال العدد عشرين بالاختطاف الثاني في 3 يناير الماضي، أمر عبد الفتاح السيسي بإنشاء خلية أزمة تضم ممثلين لكافة الأجهزة المعنية وعلى رأسها (رئاسة الجمهورية/ وزارة الدفاع/ وزارة الخارجية) لبحث كيفية الإفراج عن العشرين مصريًا، على مدار شهر ونصف تقريبًا، كل ما فعلته خلية الأزمة هو إجراء محادثات مع شيوخ القبائل الليبية، والسلطات الليبية الرسمية، ووزراء خارجية أوروبيين، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لأن سامح شكري وزير الخارجية والقائم على الاتصالات السيادية أكد أن الإرهاب خطر يواجه الجميع!
في نفس الوقت، وبالتحديد في 19 يناير الماضي، وبعد أكثر من أسبوعين على الاختطاف، نظم العشرات من أهالي المختطفين وقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية مطالبين بسرعة التحرك للإفراج عن ذويهم، فيما أكد بعضهم أن الخارجية لم تبذل أي مساعٍ أو جهود بناءة لاستعادة أبنائهم!
بعد الكثير من الاجتماعات، والكثير من الاتصالات، والكثير من اللجان المنبثقة من خلية الأزمة المصرية، والكثير من محلب رئيس الوزراء المصري الذي قال لشقيق أحد المختطفين أنه مستعد لتسليم نفسه ليعودوا جميعًا، وفي الجمعة الماضية (الثالث عشر من فبراير) صرح العمدة (أحمد طرام) مستشار الرئاسة المصرية لشئون القبائل في برنامج الحياة اليوم أن قبائل ليبيا أكدوا من قبل أن المختطفين على قيد الحياة ولم يعدموا، وأنه خلال 48 ساعة سيسمع أهالي المصريين أخبارًا سارة عن أبنائهم المختطفين في أيدي العصابات المسلحة!
بعد 48 ساعة بالضبط، تم إعدام الجميع!
(2) ما الذي يحدث في ليبيا؟
بعد شهور من الصراع الدموي والذي انتهى بإسقاط نظام القذافي بدعم دولي لإنهائه منذ ثلاث سنوات، انقسم الداخل الليبي بعد فترة فوضى عارمة لقسمين مباشرين، قسم الدولة (المفترضة) بحكومتها الانتقالية وتمثيلها الدبلوماسي وتحالفاتها الداخلية القبلية والدولية، وقسم الجماعات المسلحة التي لا يجمعها ضابط من أي نوع وتعمل وفقًا لأهداف وغايات مختلفة.
الجماعات المسلحة خارج سيطرة الدولة تمامًا وتحكم فعليًا مناطق صراع بسيطرة تامة منها في ليبيا، وهي ثلاثة أنواع، أولها الجماعات المكانية التي تتبع لمدينة ما أو قبيلة ما، ثانيها الجماعات الفكرية والتي تنطلق من خلفية عقائدية أو أيديولوجية معينة، وثالثها جماعات أخرى بنسبة أقل تتبع أشخاصًا معينين لهم نفوذ داخلي في ليبيا.
الآن، هناك 23 كيانًا مسلحًا في ليبيا، منهم أحد عشر كيانًا مع المؤتمر الوطني العام (حكومة طرابلس) أهمهم (قوات فجر ليبيا/ تنظيم أنصار الشريعة/ ثوار مصراتة/ كتيبة الفاروق/ مجلس شورى ثوار بني غازي)، ومن هؤلاء من لا يدعم المؤتمر الوطني العام (كتنظيم أنصار الشريعة مثلًا) ولكنه يقاتل قوات حفتر، واثنا عشر كيانًا مع مجلس النواب بمدينة طبرق وفيها رئيس الوزراء الليبي المعترف به دوليًا (عبد الله الثني) وهي التي فيها قوات رئاسة الأركان التي يدعمها (خليفة حفتر)، الاسم الشهير المتهم بالانقلاب على شرعية ما بعد الثورة، والذي يدعمه النظام الحاكم في مصر بشكل غير مباشر.
من أهم من يقف مع مجلس نواب طبرق من الفصائل المسلحة (قوات رئاسة أركان الجيش/ قوات حرس المنشآت النفطية/ كتائب الزنتان/ درع الغربية/ صحوات المناطق/ قوات الصاعقة/ كتيبة حسن الجويفي/ كتيبة محمد المقريف)، لكن السيطرة الأكبر على موارد البلاد ومقراتها ومدنها للمؤتمر الوطني العام بينما تتمركز حكومة الثني في أقصى شرق ليبيا في (طبرق)، المؤتمر الوطني العام يسيطر بلا اعتراف دولي، وتحالف الثني يقاتل باعتراف دولي ودعم من الجارة الأهم “مصر”.
بجانب كل هؤلاء، دخل الساحة الليبية منذ فترة أسطورة الرعب التي يروج لها العالم وهي (تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش)، وهو التنظيم الوحيد الذي تتفق أغلب هذه الفصائل المتصارعة على أنه بات خطرًا واضحًا يتمدد في ليبيا بانتظام، بينما بايعه بعض أعضاء هذه التنظيمات مثل البعض من تنظيم (أنصار الشريعة)، وداعش بالأساس موجودة في درنة على ساحل البحر المتوسط وبعض المناطق في بني غازي.
معنى ذلك أن في ليبيا الآن حكومتين منفصلتين، إحداهما (حكومة المؤتمر الوطني العام) بقيادة عمر الحاسي، وأخرى وهي (حكومة البيضاء) بقيادة عبد الله الثني قبل أن تنقل عملها لطبرق بعد أن خيرها تنظيم مجلس ثوار ليبيا بين مغادرة المدينة وبين القتل، والوضع، بلا أي شك يُدفع في اتجاه تقسيم ليبيا وبدء عهد (دويلات ليبيا الانفصالية).
(3) ما هي مكونات التحالف الإقليمي في ليبيا؟!
في أكتوبر الماضي نشرت الواشنطن بوست مقالًا بعنوان (هل ليبيا حربٌ بالوكالة؟) تطرقت فيه لتشكيل التحالف الإقليمي الذي يحاول فرض السيطرة على المشهد الليبي المعقد والمتداخل بشدة، هذا التحالف يشكله ثلاثة لاعبين رئيسيين هم (مصر/ الإمارات/ الجزائر).
مصر، وفي عهد ما بعد صعود الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم؛ أصبحت تنظر إلى ليبيا على أنها خطر داهم يهدد مؤسسات وبنية الدولة المصرية بسبب سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة على المشهد هناك، فضلًا عن تصدير التوتر من النقاط الحدودية شديدة الهشاشة في الغرب مع ليبيا، وهو ما حدث فعلًا في عملية مقتل ال21 جنديًا في العام الماضي على الحدود المصرية الليبية في ظروف ملتبسة لم يعرف أحد وجه صحتها بدقة حتى الآن.
الإمارات ترى في صعود التيار الإسلامي في ليبيا خطرًا داهمًا عليها فيما بعد، وتخشى الإخوان المسلمين كالعادة مع أنهم في حقبة ما بعد القذافي اتخذوا – تبعًا لأيديولوجيتهم – مسارًا سلميًا مؤمنين بأن خير الطرق للنهضة هو التغيير السلمي حتى مع طبيعة ليبيا الداخلية العنيفة، لكنها ترى تصاعدًا في النفوذ القطري المتغلغل في نظام ما بعد القذافي، أما الجزائر فهي تخشى بشدة تصاعد الجماعات الإسلامية المسلحة وسيطرتها مما يؤدي إلى تصدير التوتر للداخل الجزائري، مع مساهمة ذلك فيما بعد في تفكيك القبضة الأمنية الحديدية التي يبسط بها الجيش الجزائري يده على مقاليد الحكم هناك!
المشكلة، أن حفتر لم يكن على مستوى التطلعات، وفشل بشدة في إثارة إعجاب التحالف الإقليمي غير المباشر، مما أدى لإهمال دعمه خصوصًا من جانب الجارة الأهم (مصر)، فالجماعات الإسلامية تنتشر بالطول والعرض في ليبيا، ومجلس نواب طبرق ينزوي باستمرار ولو نُقِلَ عنه الدعمُ والاعترافُ الدوليان لانتهى تمامًا، وداعش تصعد باستمرار وتشكل ثقبًا أسود يتوسع بانتظام وبثقة في ليبيا.
تبدو هنا الضربة العسكرية الجوية المصرية بداية مفهومة لما سيحدث فيما بعد على الأغلب، ومحاولة التدخل لمعادلة كفة الميزان مرة أخرى وتنفيذ الرؤية المصرية الإماراتية الجزائرية المشتركة هناك، ومنع تصاعد نفوذ جماعات الإسلام السياسي، والأهم السيطرة على (داعش) قبل أن تتمدد أكثر في ليبيا وتؤسس لولاية شمال أفريقيا كما أعلنت من قبل!
من سيسيطر عسكريًا على ليبيا بالطبع ستكون له السيطرة الكبرى على منابع النفط، ثروة البلاد الأولى، مما يؤدي إلى الاعتراف الدولي به آجلًا إن لم يكن عاجلًا، ومن يدعم المسيطر المفترض هناك سيكون له النفوذ الأكبر في الداخل الليبي مما يؤدي لوجود أوراق لعب بيده يضغط بها أيضًا على الجارتين المباشرتين (مصر والجزائر) إن لم ينجح التحالف الإقليمي غير المباشر في بسط سيطرته في ليبيا عن طريق من يدعمهم في الداخل!
(4) هل هذه هي الضربة الجوية الأولي لمصر في ليبيا؟
في الثلاثاء، السادس والعشرين من أغسطس لعام 2014 أقرت الولايات المتحدة لأول مرة بأن مصر والإمارات العربية المتحدة نفذتا ضربات جوية مشتركة على أهداف عسكرية لفصائل إسلامية في ليبيا، وكان التصريح رسميًا على مستوى عالٍ وقام به الأميرال (جون كيربي) أحد المتحدثين باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، قبلها صرح مسئولون أمريكيون لوكالة فرانس برس أن مقاتلات إماراتية شنت هجومًا جويًا مرتين على مواقع لميليشيات إسلامية مسلحة في طرابلس انطلاقًا من قواعد جوية عسكرية مصرية، وأكدت الأمرَ في نفس السياق صحيفةُ نيويورك تايمز حينها وأضافت على لسان مصدرين من مصادرها الرسمية الأمريكية أن الطائرات الإماراتية قادها طيارون أمريكيون!
الضربة الثانية كانت فجر اليوم، حيث صرحت القوات المسلحة المصرية بأن القوات الجوية قامت بضربات انتقامية سريعة على بعض معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخيرة تابعة ل(داعش) في درنة، وأنها عادت بعد الضربات لقواعدها بلا خسائر، وتناثرت أخبار أن الضربة تسببت في وقوع 40 قتيلًا من تنظيم الدولة الإسلامية المسيطر على درنة!
من جانبه أعلن مجلس شورى مجاهدي (درنة) وضواحيها أن الضربات الجوية أوقعت عددًا كبيرًا من المدنيين قتلى بينهم أطفال ونساء، وقالت مصادر أخرى أن القتلى 7 مدنيين و17 جريحًا، وطمأن البيانُ المصريين الموجودين بدرنة بأنهم في حسن ضيافة وأمان كما عهدوا منذ عقود، وأن الرد على حفتر ومن ورائه السيسي سيكون قاسيًا وفي الزمان والمكان المناسبين بحسب البيان.
وتطرق بيان المجلس للتحريض الإعلامي المصري في العام الماضي على التدخل العسكري في ليبيا، وهو أمر صحيح بالفعل، حيث طالب أحمد موسى ومصطفى بكري وتوفيق عكاشة في العام المنصرم بضرورة تدخل الجيش المصري لضرب الجماعات المسلحة في ليبيا بشكل مباشر، وهو ما أكده أكثر عماد الدين أديب – المقرب من السلطات المصرية – في مقال له في نفس الفترة داعيًا قوات التدخل السريع المصرية لأعمال استباقية لضرب الإرهاب في ليبيا والسودان وغزة!
(5) لماذا قصف درنة تحديدًا؟
درنة هي معقل المعارضة الإسلامية في عهد القذافي، بعدها، تحولت لنقطة تجمع والتقاء أعضاء الكثير من الجماعات الإسلامية المسلحة في ليبيا، وهي أول مدينة ليبية تبايع تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) علانية، حيث شهدت أول استعراض عسكري لقافلة سيارات تابعة للتنظيم الدولي في ديسمبر من العام الماضي، وتمثل نقطة انطلاق وتوزيع رئيسية لمقاتلي داعش في ليبيا.
والمدينة قريبة من طبرق ومن البيضاء، والمدينتان تعتبران مقرات مجلس النواب الطبرقي والحكومة المعترف بها دوليًا بقيادة الثني والمتحالفة مع حفتر، لذلك فدرنة بشكل واضح تدخل في المناطق الرئيسية والحيوية التي يسيطر عليها جماعات إسلامية مسلحة معادية للتحالف الإقليمي الذي تقوده مصر بشكل غير مباشر!
تضرب رئاسة الأركان العامة في ليبيا حصارًا على المدينة، طوق أمني يجلب اشتباكات مستمرة ومتجددة بين التنظيمات المسلحة التي تسيطر على المدينة وبين قوات مجلس نواب طبرق، آخرها كانت في يناير الماضي حيث حاولت عناصر مقاتلة من تنظيمات درنة المجتمعة تحت اسم (مجلس شورى مجاهدي درنة) اختراق الطوق الأمني لتنشأ معركة تسببت في مقتل ثلاثة عشر شخصًا على الأقل وإصابة خمسة عشر آخرين من الطرفين، ثم أخرى في أول الشهر الجاري كانت نتيجتها أحد عشر جنديًا قتيلًا من قوات رئاسة الأركان على يد (داعش) كما صرح حينها محمد بزازة المتحدث باسم الحكومة الليبية.
درنة هي من الأماكن الرئيسية الآن لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا على الرغم من وجوده في سرت (مكان اختطاف المصريين) ووجوده في بني غازي وطرابلس بشكل أقل.
(6) لماذا يدعم حفتر التدخل العسكري المصري؟!
بعد قيام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بذبح المصريين الأقباط هناك، خرج اللواء (خليفة حفتر) داعيًا القوات العسكرية المصرية بالدخول وتوجيه ضربة للتنظيمات المتشددة المسئولة عن مقتل هذا العدد من المصريين، وأضاف أنه يدعم التدخل العسكري المصري إن تم بكل قوته، وأن هذه التنظيمات المتشددة مدعومة من تركيا وقطر والسودان وهدفها في النهاية ضرب مصر بالإرهاب بشكل مباشر، ولا يجب أن تكون الحدود عائقًا أمام أي عمل لضرب هذه المجموعات الإرهابية؛ فأي مدينة ليبية كأي مدينة مصرية ولذلك نؤيد التدخل العسكري المصري بقوة!
في 16 مايو من العام الماضي أطلق اللواء المتقاعد (خليفة حفتر) – قائد التدخل الليبي الكارثي الشهير في تشاد والعائد إلى ليبيا في 2011 في محاولة فاشلة لتولي مقاليد قيادة الجيش – عملية (كرامة ليبيا) في مدينة بني غازي بهدف معلن وهو (القضاء على التشكيلات المسلحة) وهدف فعلي وهو (تدمير كتائب أنصار الشريعة) المسيطرة على بني غازي، العاصمة الفعلية والاقتصادية لليبيا، والمهمة نفطيًا. حينها خرج رئيس الوزراء المؤقت عبد الله الثني يشجب ما حدث وأن أي عملية بدون إذن رئاسة أركان الجيش الليبي مرفوضة تمامًا، وقال أن المجموعات التي يقودها حفتر خارجة على شرعية الدولة الليبية!
الموقف الليبي الرسمي سيتغير تمامًا بعد أربعة أشهر فقط، ليخرج عبد الله الثني بنفسه ويؤيد ما فعله حفتر ومبديًا ترحيبه بأي مجموعات مدنية مسلحة تقاتل بجانب الجيش الليبي. عملية حفتر بالطبع كانت تعتمد في أساسها على مجموعات مدنية مسلحة وهم من عرفوا بعد ذلك ب(الصحوات)، وفي يناير الماضي وقع رئيس مجلس النواب المنحل في طبرق قراره بإعادة خليفة حفتر للخدمة في الجيش الليبي برتبة عسكرية عاملة مع 129 من الضباط المتقاعدين!
الوضع العسكري في ليبيا – ما قبل قتل المصريين – كان يميل باستمرار لصالح المؤتمر الوطني العام ومن يقاتلون معه أو من يقاتلون حفتر عمومًا، حتى ولو لم يكن بينهم اتحاد بشكل ما، وعملية الكرامة بشكل عملي تقريبًا انتهت على الأرض منذ زمن، ويبدو التدخل العسكري المصري لو تم قبلة حياة حقيقية لحفتر وقواته في مواجهة التنظيمات الإسلامية المسلحة باختلاف توجهاتها
المصدر : ساسة بوست.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.