محمد محمود الزبيري ثائر الشعراء وشاعر الثورة والثوار وسياسي يمني ولد في حي" بستان السلطان " بصنعاء وهو أحد الأحياء التاريخية في صنعاء القديمة عام 1910م ، وهو من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى ، ويشتغل بعض أفرادها بالقضاء والبعض الآخر بالتجارة ، وقد ابتعدت به موهبته عن اهتمامات أسرته وأنشأته منذ الطفولة الباكرة نشأة روحية متصوفة غير ميال إلى القضاء أو التجارة . ذهب إلى مصر لإكمال تعليمه ، فالتحق بدار العلوم ، ثم عاد إلى اليمن عام 1941م وأنشأ حزب الأحرار عام 1944م ، ثم غير اسم الحزب بعد عامين إلى الجمعية اليمنية الكبرى ، وأصبح رئيس تنظيم الاتحاد اليمني في الفترة من 1953 وحتى 1962. عاش الزبيري فترة حرجة من تاريخ اليمن، وهي فترة المملكة المتوكلية اليمنية 1918 - 1962، التي كثرت فيها الصِّراعات والثورات ، وحينما شبت ثورة الدستور عام 1948م في اليمن عاد من عدن إلى صنعاء وزيراً للمعارف ، وعندما فشلت طورد ، ورفضت الدول العربية استضافته فاتجه إلى باكستان ، وحينما شبت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م في اليمن عاد وزيراً للتربية والتعليم في صنعاء. عاش الزبيري مرحلة ثورة مضادة كتلك التي يقودها السيسي في مصر ، فأبدع قصيدته الرائعة " رثاء شعب " والتي تتناغم بشكل كامل مع الحالة المصرية . في بعض أبيات القصيدة يتحدث الزبيري عن انتصار الثورة اليمينية علي نظام فاسد وتعريته لدرجة أنها أصابت آخرين ممن لا تقصدهم الثورة بالرعب ، فإذا برجال هذا النظام الفاسد يجتمعون مع حلفائهم ويجمعون أمرهم علي القضاء علي الثورة والانتقام ممن قام بها ، فيقول في هذا الإطار : - أعوامُنا في النضال المرِّ جاثيةٌ تبكي النضالَ وتبكي خطبَ أهليهِ بالأمسِ كانتْ على الطغيانِ شامخةٌ تجلوه عاراً على الدنيا وتُخْزيهِ وارتاعَ منها طغاةٌ ما لها صلةٌ بِهم ولا كانَ فيهم من تُناويهِ لكنهم أَنِسوها شعلةً كشَفَتْ من كانَ عُرياناً منهم في مخازيهِ فأجمعوا أمرَهم للغدرِ وانتدبوا لكيدِنا كلَّ مأجورٍ ومشبوهِ واسْتكلبتْ ضدّنا آلافُ ألْسِنَةٍ تَسُومُنا كلَّ تجريحٍ وتَشْويهِ من كلِّ مرتزقٍ لو نال رشوتَنا أنالنا كلَّ تبجيلٍ وتنويهِ وكلِّ طاغيةٍ لو نرتضي معهُ خِيَانَةَ الشعبِ جاءتْنا تهانيهِ وكلِّ أعمًى أردنا أن نردّ لهُ عينيه فانفجرتْ فينا لياليهِ وكلِّ بوقٍ أصمِّ الحسِّ لو نَبَحَتْ فيه الكلابُ لزكّاها مُزَكيّهِ وألبّوا الشعبَ ضدَّ الشعبِ واندرأوا عليه من كلّ تضليلٍ وتمويهِ ثم يوجه الزبيري الخطاب لأبناء الشعب اليمني ممن التفوا حول قادة الانقلاب والثورة المضادة ، وكأنه يخاطب من التف حول السيسي والعسكر ، فيقول لهم في تعجب وحسرة واستنكار : - يا شَعْبَنا نصفَ قرنٍ في عبادتهمْ لم يقبلوا منكَ قُرباناً تُؤدّيهِ رضيتَهُمْ أنتَ أرباباً وعشتَ لهم تُنيلُهم كلَّ تقديسٍ، وتَأليهِ لم ترتفع من حَضيض الرقِّ مرتبةٌ ولم تذق راحةً مما تقاسيهِ ولا استطاعت دموعٌ منكَ طائلةٌ تطهيرَ طاغيةٍ من سكْرَةِ التّيهِ ولا أصَخْتَ إلينا معشراً وقفوا حياتَهم لكَ في نُصحٍ وتوجيهِ نبني لك الشرفَ العالي فتهدِمُه ونَسْحَقُ الصَّنَمَ الطاغي فتبْنيهِ نَقْضي على خصمكَ الأفعى فتبعثُهُ حيّاً ونُشْعُلُ مصباحاً فتُطْفِيهِ قَضَيْتَ عُمْرَكَ ملدوغاً وهأنذا أرى بحضنكَ ثُعباناً تُربّيهِ تشكو لهُ ما تُلاقي وَهْو مُبتَعَثُ الشكْوى وأصلُ البَلا فيما تُلاقيهِ أحْلى أمانيهِ في الدنيا دموعُكَ تجريها ورأسُكَ تحت النّيرِ تُحْنيهِ وجرحُكَ الفاغر الملسوعُ يحقِنُهُ سُمّاً ويعطيه طِبّاً لا يداويهِ فلا تُضِعْ عُمْرَ الأجيالِ في ضِعَةِ الشكوى فيكفيكَ ماضيه ويكفيهِ فما صُراخُكَ في الأبوابِ يعطِّفُهُ ولا سُجُودُكَ في الأعتاب يُرضيهِ لا عنقُكَ الراكعُ المذبوحُ يُشْبِعُهُ بطشاً ولا دمُكَ المسفوحُ يُرويهِ ثم يناشد الزبيري أبناء الشعب الذين ركنوا إلي الثورة المضادة وقادتها من النظام الفاسد البائد أن يعودا إلي رشدهم وأن يعودوا إلي الطريق الصحيح فينضموا إلي الثوار الأحرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم لإنقاذ الشعب من نظام فاسد استعبدهم وأذلهم ونهب أموالهم واستأثر لنفسه وأتباعه وأعوانه بكل ثروات الشعب واعتبرها غنيمة له ، فيقول : فامْدُدْ يديكَ إلى الأحرارِ متّخذاً منهمْ ملاذَكَ من رقٍّ تُعانيهِ ماتوا لأجلكَ ثم انبثَّ من دَمِهِمْ جيلٌ تؤججُهُ الذكرى، وتُذكيهِ يعيشُ في النكبةِ الكبرى ويجعَلُها درساً إلى مُقْبِل الأجيالِ يُمليهِ لا يقبلُ الأرضَ لو تُعطى له ثمناً عن نهجه في نضالٍ أو مَباديهِ ويلفت الزبيري الانتباه إلي أن الأحرار أنفسهم ظلوا حينا من الدهر في ذات الخضوع إلي أن أفاقتهم صدمة الدماء التي أصابت إخوانهم ، فتحرروا من الأغلال والقيود والأطواق التي أحاطت بأعناقهم ليثورا ضد الظلم والفساد فيقول : قد كان يخلُبُهُ لفظٌ يفُوه به طاغٍ ويخدعُهُ وعدٌ ويُغْويهِ وكان يُعْجبه لصٌّ يجودُ لهُ بلقمةٍ سَلّها بالأمْسِ من فِيهِ وكان يحتسِبُ التمساحَ راهِبَهُ القِدّيسَ من طولِ دمعٍ كان يجريهِ وكان يَبذُلُ دنياه لحاكِمِهِ لأنه كان بالأُخرى يُمنّيهِ وكان يرتاعُ من سوطٍ يلوحُ له ظنّاً بأن سلامَ الرقّ يُنجيهِ واليومَ قد شبَّ عن طوقٍ وأنضجَهُ دمٌ وهزّتْه في عنفٍ معانيهِ ثم يسخر الزبيري من هؤلاء الطغاة الذين تصوروا أنهم بالقتل والاعتقال والتعذيب قد زرعوا الخوف في نفوس الشعب وقضوا علي معنوياته وأخرسوا لسانه وأغلقوا فمه وورثوا أمواله وممتلكاته ، يسخر منهم لأنه يعلم أن الشعب يستدرجهم من حيث لا يعلمون إلي نهايتهم وإلي الهاوية التي سيدفنهم فيها فيقول : رأى الطغاةُ أن الخوفَ يقتلهُ وفاتَهُم أن عنفَ الحقدِ يُحييهِ قالوا انتهى الشعبُ إنا سوف نقذفهُ إلى جهنّمَ تمحوه وتُلغيه ِ فلينطفئْ كلُّ ومضٍ من مشاعرهِ ولينسحقْ كلُّ نبضٍ من أمانيهِ وليختنقْ صوتُهُ في ضجّة اللهبِ الأَعْمى وتحترقِ الأنفاسُ في فِيهِ لِنْشربَ الماءَ دَمّاً من مذابِحِهِ ولنحتسِ الخمرَ دمعاً من مآقيهِ ولنفرحَ الفرحةَ الكبرى بمأتمهِ ولنضحكَ اليومَ هُزْءاً من بواكيهِ ولنمتلكْ كلَّ ما قد كان يملكهُ فنحن أولى به من كلّ أهليهِ وَلْينسَه الناسُ حتى لا يقولَ فَمٌ في الأرض ذلك شعبٌ مات نرثيهِ ويحَ الخياناتِ مَن خانت ومن قتلتْ عربيدُها الفظُّ يُرديها وتُرديهِ الشعبُ أعظمُ بطشاً يومَ صحوتهِ من قاتليه وأدهى من دواهيهِ يغفو لكي تخدعَ الطغيانَ غفوتُهُ وكي يُجَنَّ جنوناً من مخازيهِ وكي يسيرَ حثيثاً صوبَ مصرعهِ وكي يخر َّوشيكاً في مهاويهِ استشهد الثائر الشاعر والشاعر الثائر برصاصة غادرة وانتقل إلي رحمة الله عز وجل في أول إبريل عام 1965 ، أي منذ خمسين عام ، ومع ذلك فإن قصيدته " رثاء شعب " تخاطب الشعب المصري اليوم وكأنها من مواليد اللحظة والحالة المصرية ، رحم الله عز وجل الزبيري . ليتنا نستفيد من أبيات الزبيري ، ففيها دروس من التاريخ ، وحكمة من المجاهدين الذين ضحوا بكل شيئ من أجل حرية بلاهم ، فهو رحمه الله عز وجل الذي قال : "إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين على الأقل يرضون بالجوع حتى الموت ، وبالسجن حتى نهاية العمر ، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها ، ويتقدمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت ".