مترجم عنHow to Get Egypt's Generals Back on Our Side رغم التحركات والإجراءات التي انتهجتها السلطات المصرية في سيناء من أجل تهدئة الأوضاع هناك، بما في ذلك من حرق للأراضي وتهجير لقرى بأكملها، وغيرها من الإجراءات التي تنافي المبادئ الأساسية لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، إلاّ أن الأوضاع على الأرض لا يبدو أنها تشهد تغيرًا جذريًّا. وبخلاف ما حدث في العراق، التي قامت فيها الولاياتالمتحدة بنشر 3000 جندي، بالإضافة إلي غارات جوية لا تهدأ ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام»، أو ما يعرف اختصارًا باسم «داعش»، فإن طبيعة الدعم الأمريكي لمصر في معركتها ضد الجهاديين ينبغي أن يتخطي ما حدث في التجربة العراقية؛ ليتجاوز الدعم العسكري إلي دعم مالي من جهة، وتعزيز للثقة بين الجانبين من جهة أخرى. كانت العقود الماضية قد شهدت حثّ المسؤولين الأمريكيين للسلطات المصرية بضرورة تغيير العقيدة العسكرية للمنظومة الأمنية في مصر حتي تكون قادرة على التعاطي مع ما أسمته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) "تهديدات القرن الحادي والعشرين"، مثل الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك فإن جهود الإدارة الأمريكية في هذا الصدد لم تصل إلى حد بعيد حتى الآن. تكشف التقارير الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى حد كبير كيف كان المسؤولين المصريين يقفون حجر عثرة أمام نظرائهم الأمريكيين للمضي قدمًا في هذه المسألة، ويبدو أن المؤسسة العسكرية في مصر لا تفضل أن تخوض حروبًا جديدةً، وتسعى لأن تكون حرب أكتوبر التي خاضتها منذ واحد وأربعين عامًا آخر حروبها. وفي الوقت الذي بلغت فيه المساعدات الأمريكية لمصر حد "السخاء" كما يصفها البعض، فإنه بات من الصعب أن نستوعب حقيقة أن الجنرالات المصريين لا يثقون في واشنطن، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، أنفق دافعو الضرائب الأمريكية 40 مليار دولار على وزارة الدفاع المصرية. وبينما قامت السلطات المصرية بنشر 35 ألف جندي في المملكة العربية السعودية في عام 1990 للمشاركة في عمليات درع الصحراء وعاصفة الصحراء، قامت إدارة الرئيس الأمريكي "جورش بوش الأب" والدول العربية الدائنة لمصر بإسقاط 20 مليار دولارًا من الديون المصرية، هذا بالإضافة إلي إسقاط 10 مليار دولار أخرى من الديون المستحقة لدول نادي باريس، ناهيك عن إسقاط خمسين بالمائة من قيمة الديون المصرية المستحقة للدول الأوربية وكندا واليابان، كما ساندت الولاياتالمتحدة الجهود المصرية لمكافحة الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي. حتى في المناسبة الوحيدة التي سعت فيها الولاياتالمتحدة لمعاقبة مصر، فإنها فعلت ذلك بطريقة لا تمّس الأمن المصري، وكانت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد علّقت تسليم شحنات عسكرية لمصر تشمل 20 طائرة F16 و 10 طائرات أباتشي و 20 صاروخ هاربون، وذلك في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، ورغم أن الإدارة قامت فيما بعد بإرسال طائرات الأباتشي وأبقت على صواريخ الهاربين وطائرات F16، إلا أن ذلك التجميد لم يكن له سوى تأثير هامشي على قدرة المصريين على محاربة الجهاديين في سيناء، وفي حال كانت تلك الأسلحة ضرورية لحسم عمليات مكافحة الإرهاب، فإن المخزون المصري منها لا يزال متعافيًا؛ حيث يمتلك الجيش المصري 220 من طائرات F16 وأسطول كبير من الدبابات المقاتلة. وعلي الرغم من الدعم الأمريكي سالف الذكر، فإن الجيش المصري لا تزال لديه أسبابًا وجيهةً لفقد الثقة في الولاياتالمتحدة لسببين رئيسيين يتعلقان بضعف المساعدات العسكرية والتفوق العسكري الإسرائيلي. ما تزال المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر ضعيفة مقارنة بالتغيرات الاقتصادية منذ عام 1978، خاصةً وأن القيمة المالية لتلك المساعدات التي تبلغ1.3مليار دولار لم تشهد أي زيادة أو تغيير منذ بدايتها، ونتيجة للتضخم الذي يشهده الاقتصاد، فإن القيمة المالية الحالية لتلك المساعدات لا تتجاوز نصف قيمتها الحقيقية، من ناحية أخرى، فإن المسؤولين المصريين ينتابهم مشاعر حذر وترقب إزاء التفوق العسكري الإسرائيلي الذي تدعمه واشنطن، وذلك علي الرغم من أن مستوى التعاون الاستراتيجي المصري الإسرائيلي الحالي هو الأفضل مقارنة بالفترات السابقة، فطائرات F16 على سبيل المثال التي تقدمها الولاياتالمتحدة لإسرائيل تفوق قدراتها التكنولوجية نظيرتها في مصر. وبعيدًا عن المساعدات العسكرية، فإن جنرالات الجيش المصري لا يستسيغون توجيه اللوم لهم من قبل الأمريكيين، حتى قبل ثورة يناير 2011 التي أطاحت بحكم المخلوع مبارك الذي امتد لعقود، فيما يتعلق بالحكم الاستبدادي في مصر. بدءًا من ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بدأت النخبة المصرية تساورها الشكوك حيال استمرار الولاياتالمتحدة في الالتزام بنهجها السابق في مصر، ومع قبول الولاياتالمتحدة بالنتائج التي حققتها جماعة الإخوان المسلمين في الاستحقاقات الانتخابية التي أعقبت الثورة، تأكدت تلك الشكوك لدي هذه النخبة، وجاء قرار الإدارة الامريكية بتعليق المساعدات العسكرية بعد الإطاحة بمرسي من قبل عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب ليعزز من مواقف الجنرالات في مصر تجاه واشنطن بطريقة أشد من السابق. لا يريد الجنرالات المصريين الاعتراف بدورهم الرئيسي في الدفاع عن نظام غير ديمقراطي وفي المقابل، فإن التغير الذي تشهده العلاقات المصرية الأمريكية، يقود وزارة الدفاع المصرية للتنسيق الدفاعي بطريقة أكثر إحكامًا مع الاحتلال الإسرائيلي والإماراتيين، فضلًا عن مغازلة الروس التي تثير قلق الأمريكيين. ستستمر العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة في التغير، خاصة وأن المنطق الذي كان يقود العلاقات فيما بينهما على مدار العقود الثلاث الماضية لم يعد قويًا كما كان فالقمع الذي ينتهجه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي يفضي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين البلدين، في وقت يشهد العديد من المسائل الأمنية التي تؤثر على مصلحة البلدين، بما في ذلك استمرار معدلات الحركة في قناة السويس دون عوائق، وقمع الجماعات الجهادية في سيناء والحفاظ علي السلام والأمن مع الاحتلال الإسرائيلي. وبينما تتطلب كافة هذه القضايا توافر الثقة بين واشنطن والقاهرة، فإن السبيل الوحيد لإقناع المصريين بأن الولاياتالمتحدة تقف بحزم إلى جانبهم في معركتهم ضد الإرهاب يظل رهينًا لدعم مالي إضافي يتخطى المساعدات العسكرية المعهودة بين الطرفين. ولكي تضمن الإدارة الأمريكية أن تتعاطى مصر مع مشكلة الإرهاب على حد زعمهم بطريقة أكثر فاعلية، فإن عليها أن تقوم بضخ المزيد من الأموال بجانب المساعدات العسكرية التي يتم توجيه جزء منها لدعم مكافحة الإرهاب. وعليه يتوجب علي الإدارة الأمريكية تخصيص مساعدات إضافية لدعم الجهود المصرية لمواجهة الإرهاب بما في ذلك الدعم التقني والتدريبي والاستشاري، وهو ما من شأنه أن يبدد مخاوف الجنرالات في مصر تجاه الدعم العسكري للجيش. غير أنه لا يزال من الصعب لدي البعض أن يتقبل منح المزيد من الملايين إلى النظام المصري الحالي الذي يتبنى سياسات قمعية أفضت إلى سجن عشرات الآلاف، وتقييد حرية الإعلام وقتل قرابة 2500 شخص تحت مزاعم مكافحة الإرهاب، إن تقديم المزيد من الدعم للجيش المصري سيكون حينئذ أسوأ من عودة العلاقات الأمريكية المصرية إلى طبيعتها في عهد المخلوع مبارك، ناهيك عما ستبدو عليه الأمور من أن الولاياتالمتحدة تكافئ قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي على نهجه القمعي في مصر. نقلا عن "ساسة بوست"