أصبحت الأمور واضحة لكل ذي عينين ، فلم تكن تفجيرات العريش الأخيرة إلا سيناريو فاشل لتحقيق من خلاله عدة أهداف وما أعلنه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأننا بحاجة إلى إنشاء منطقة عازلة في سيناء. هي لحظة حرجة بكل تأكيد تمر بها منطقة الشرق الأوسط. هو الخيط الذي جُرّ بعنف من بعد ثورات وعمليات ديمقراطية جاءت بالإسلاميين. الخيط جُرّ على آخره. انقلاب في مصر تبعته سلسلة من الإجراءات الدولية لاحكام السيطرة على المنطقة برمتها. إجراءات عنفية لا تقبل حلول وسط. ربما كان القرار واضحا من البداية لدى المنظومة الدولية المعادية للتيار السني. لا سايكس بيكو جديدة. لا حدود جغرافية جديدة. ولكن جملة من الاجراءات التي تحكم بها قبضتها وتسيطر بها وترضي بها الأطراف الإقليمية وتقضي على التيار السني السياسي. وهي سياسة المناطق العازلة. في التعريف تكون المنطقة العازلة مساحة معينة – تكون عادة- من الإقليم الأرضي لدولة ما تحددها الأممالمتحدة او أطراف دولية بغرض السيطرة عليها عسكريا وفرض الحماية والوصاية الامنية عليها تحت مسمى حماية السلم والامن الدولي ومن ثم تحقيق اهداف عسكرية وسياسية انطلاقا من هذه المنطقة العازلة مثل حماية المدنيين من الصراع. قد يندرج قرار إنشاء منطقة عازلة تحت ما يسمى بالفصل السابع، وهو بند في ميثاق الاممالمتحدة يعطي أطراف دولية معينة القوة القانونية والعسكرية للتدخل باستعمال القوة المسلحة بهدف حماية السلم والأمن الدولي، ويكون ذلك عن طريق حماية تلك المساحة البرية من الإعتداءات الأرضية والقصف الجوي ، أو قد تقوم به قوات عسكرية من دول معنية بالصراع، أو قد تستصدر قرار من الجمعية العامة للامم المتحدة بإنشاء المنطقة العازلة بعد صدور توصية بذلك من مجلس الامن. عادة ما يكون الهدف المعلن لاقامة المنطقة العازلة هو حماية المدنيين ، ولكن قد يكون انشائها هو محاولة لاستخدام القوة العسكرية القانونية لتحقيق أهداف سياسية وأمنية علي الأرض تتوافق مع مصالح القوة الدولية التي تسعي من أجل فرض هذه المنطقة. نحن هنا أمام تطورات على الأرض من شأنها تؤكد وجد خطة حقيقية لإنشاء العديد من المناطق العازلة في المنطقة العربية، منها المنطقة العازلة المقترحة بين “سوريا وتركيا”، ومنها الموجودة فعليا بين غزة والأراضي المحتلة، ومنطقتان أخريتان يتم السعي لتدشنيهما الآن، الأولى بين سيناءوغزة، والأخرى بين مصر والوسط والغرب الليبي. فضلا عن مناطق أخرى متواجدة في دول عربية تم التفاهم حولها بين الدولة الإيرانية ومملكة السعودية والولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني ودولة الإمارات مثل مناطق شمال اليمن، وشمال العراق والشرق السعودي. والجنوب اللبناني. ليست الولاياتالمتحدة بحاجة في المنطقة إلى خلق جغرافيات جديدة بقدر أنها بحاجة لتأمين الحماية الكافية للكيان المحتل في فلسطين، ومصالحها في دول النفط الخليجي، ووقف تمدد الكيان السني السياسي الرافض للتبعية وممثله الإخوان المسلمين خاصة في مصر. فضلا عن حركات التحرر الثوري السنية المسلحة في سورياوالعراق وليبيا واليمن. لم يكن مفاجئا أن تجتمع ثلاث كتل رافضة للنموضج السياسي السني المتمثل في جماعة الإخوان للإجهاز على مشروعه كالولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني وإيران ككتل لها توجهاتها الدينية، ولكن الجديد هو توجه دولتا السعودية والإمارات السنيتان، والأولى التي تواجه خط رانفصال شرقها الشيعي عنها، والثانية التي تواجه احتلال شيعيا إيرانيا لثلاث جزر لها. الخطة تحتاج لإقليات عرقية وطائفية “علويين ودروز وشيعة أكراد…”. الأخطر في القضية هي تلك المناطق الواقعة في قلب الأمة العربية والإسلامية، خصوصا سورياوغزةوسيناء وليبيا. نحن أمام ترتيبات لتجزير مناطق محددة في المنطقة، وعزلها شمالا وشرقا وجنوبا وغربا. زفي الحالة المصرية على نحو خاص تمثل أهمية خاصة. ولكن تختلف الطريقة وطبيعة المنطقة العازلة، في الشرق بين غزةوسيناء، والأخرى بين الغرب المصري والوسط والشرق الليبي. الحالة الأولى للمنطقة العازلة بين سيناءوغزة بدأت منذ فترة إبان حكم مبارك وخصوصا عقب العدوان الصهويني على قطاع غزة في العام 2008، ببناء جدار عازل ثم غلق عديد من الأنفاق، ثم عاود السيسي وبكل عنف مواصلة هذا المخطط ببدء بناء منطقة عازلة تمدد لعشرة كيلومترات من حدود رفح الفلسطينية لحدود مدينة العريش، وارتفاع وتيرة عمليات التهجير الواسعة لسكان المناطق الحدودية مع القطاع، وهدم مئات الانفاق. وعلى الناحية الأخرى مع ليبيا، كانت عملية اللواء حفتر لمواجهة إسلاميي ليبيا بمعاونة السيسي ودولة الإمارات وبات الشرق الليبي الموالي لحفتر والنظام المصري والإماراتي تقريبا بعيدا عن السلطة المركزية في وسطه وغربه. فيما يمكن وصفه بمنطقة عازلة داخل دولة أخرى. وعليه فإن الحالة الغزية هي الحالة الأكثر رغبة لدى السيسي في تنفيذ نتائج “بيان عن معلم” لمنطقته العازلة التي بدأها منذ انقلاب على الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013. وبالعودة إلى غزة، فإن السيسي لديه عداء واضح مع حركة حماس، خصوصا في ظل التنكيل الذي يقوم به لعناصر جماعة الإخوان في مصر، ومتانة العلاقات العسكرية المصرية الإسرائيلية، وهو ما عبرت عنه تصريحات رسمية وشبة رسمية من القاهرة وتل أبيب دخول قوات مصرية خاصة لغزة هو أمر محفوف بالمخاطر، فالقوات المصرية ليس لديها خبرة بجغرافية غزة التي ستشهد بهذا الغزو حرب شوارع وهو ما تتقنه المقاومة بكفاءة وتفتقده القوات النظامية، فضلا عن ترسانة الأنفاق التي لاتزال موجود رغم عمليات هدم الأنفاق وغمرها بالمياه التي قامت بها قوات الجيش المصري. بالتأكيد أن مبرر دخول قوات مصرية إلى غزة هو الأزمة التي يبحث لها السيسي عن مخرج، ولعل سلسلة الاعتداءات المتكررة على القوات المتواجدة بسيناء وآخرها حادث “كرم القوادسة” الذي راح ضحيته أكثر من 50 مجندا بين قتيل وجريح، سيكون هو المدخل، خصوصا مع تهديد السيسي باتخاذ مواقف وقرارات متشدد في مواجهة قطاع غزة والمنطقة العازلة بين غزةوسيناء، وسيسانده في ذلك الأبواق الإعلامية الداخلية والتوجهات الدولية. ولكن في هذا القرار بضرب واحتلال غزة صعوبات متعددة، عسكرية وشعبية إذ ستتحول القوات المصرية في حال إقدامها على ضرب غزة واحتلالها إلى قوة احتلال، ومن ثم سيشتعل الداخل المصري والعربي. في حال مواجهة المقاومة لقوات مصرية، “باعتبار أن الأخيرة باتت قوة احتلال” فربما ستواجه المقاومة مشكلة تتركز في تغير مسرح العمليات من شمال وشرق غزة لجنوبه في رفح، وتغير إحداثيات صواريخه الموجهة للكيان الصهيوني، فضلا عن عدم إمكانية توافر معلومات عن المواقع العسكرية في سيناء. وعدم توافر معلومات دقيقة من الجانب المصري عن القوة العسكرية للمقاومة ومدى صواريخه ومجموعات الأنفاق التابعة للمقاومة في المنطقة الحدودية بين سيناءوغزة. ولمنع أي تعاون ربما بين المقاومة وأهالي سيناء خصوصا وأن بينهما صلات دم وقرابة وعلاقات نضالية طويلة ضد المحتل الصهيوني كان قرار فرض الطوارئ وحظر التجول في شمال سيناء. على كل المنطقة على موعد مع حرب وتغيرات سياسية وعسكرية ستظهر سريعا. المصدر: المرصد العربي للحقوق والحريات