تزايد حالات الانتحار من بين الظواهر الغريبة التي شهدتها مصر منذ أحداث 3 يوليو 2013 . حيث يقع المواطن المصري فريسة لاخفاق الحكومة في التفاعل مع ازمات المواطنين التي تتلخص في الثلاثية الشهيرة :"جهل..فقر..مرض"، والتي يعتبرها المتخصصون وأساتذة علم النفس الاجتماعي أهم الدوافع لإقدام المصريين على الانتحار. وتشير الاحصاءات الى ان مناطق صعيد مصر استحوذت على أعلي نسبة من الانتحار خلال شهر سبتمبر الجاري لدرجة ان محافظة المنيا التي تبعد نحو 140 كيلو مترا عن القاهرة ويطلق عليها المصريون "عروس الصعيد" حظيت وحدها بما نسبته 50 بالمائة من حالات الانتحار على مستوي الجمهورية حيث شهدت 6 حالات انتحار من بينهم 3 سيدات وطفلة، من بين 12 حالة فى كافة المحافظات خلال شهر سبتمبر فقط. ففي الخامس من الشهر الجاري، انتحر طالب يُدعى ممدوح فراج (17 عامًا) بمركز مطاي بالمنيا، عندما أطلق الرصاص على نفسه، لتكرار رسوبه في الثانوية العامة. وبعد هذه الحادثة بيومين، وفي 7 سبتمبر، انتحرت طفلة تُدعى رحمة علاء (13 عامًا)، بمركز المنيا، شنقًا بحبل يتدلى من شجرة أمام منزلها، بسبب شعورها بالتجاهل والرفض من زوجة أبيها. وبحسب تحريات النيابة، فقد كانت هذه المحاولة الثانية لرحمة بعدما أقدمت في الأول من سبتمبر الجاري، على محاولة الانتحار عن طريق تناول جرعة كبيرة من الأدوية، إلا أنه تم إنقاذها من الموت. وفي 18 سبتمبر، أقدمت ربة منزل على الانتحار شنقًا بمدينة العدوة بالمنيا لقيام زوجها بحرمانها من رؤية أولادها وخلافاتها المتكررة مع الزوج. وبحسب مصادر أمنية، فإن منى فوزى (30 عامًا)، انتحرت داخل غرفة منزل والدها، بتعليق غطاء رأس من القماش في سقف الغرفة واستخدمته في الانتحار. وفي 20 من الشهر نفسه، شهد مركز مغاغة بالمنيا حالة انتحار لسيدة تُدعى (أوعاد) 25 عامًا، بتناولها جرعة كبيرة من مبيد زراعي لتنهي حياتها، بسبب مشاجرة وقعت بينها وبين والدها لتأخرها في العودة للمنزل، أثناء زيارتها لإحدى صديقاتها. ولم يكد يمر 4 أيام، حتى تكرر الأمر بانتحار سيدة تُدعى (صفاء حمدي) 32 عاماً، ربة منزل ومقيمة في مركز بني مزار، عن طريق إلقاء نفسها أمام القطار، بعد مشاجرة مع زوجها بسبب الفقر، وسوء الظروف المعيشية، وعدم مقدرته على توفير أبسط احتياجاتها في الحياة. وفي 25 سبتمبر أنهى شاب يدعى علي محمد أحمد (27 عاماً)، مقيم بمركز أبو قرقاص بالمنيا حياته بطلق ناري في الفم، ليلقى مصرعه منتحراً، حزناً على فراق والده الذي توفي قبل أسبوع من انتحاره. وفي وسط الدلتا، وفي 5 سبتمبر، انتحر شاب يعاني من مرض نفسي بمركز تلا بمحافظة المنوفية عن طريق قطع شرايين يده اليمنى بشفرة حلاقة داخل حجرة منزله، وكشفت تحريات النيابة أن مصطفى محمود (28 عامًا)، قام بقطع شرايين يده اليمنى بشفرة حلاقة؛ حيث يعاني من مرض نفسي، وسبق له محاولة الانتحار العام الماضي. وفي السويس شمال شرق مصر، انتحر شاب في 17 سبتمبر عن طريق إلقاء نفسه من الدور الخامس لمسكنه، بسبب ظروفه المالية والبطالة، وعدم قدرته على إطعام أطفاله، وقال مصدر أمني إن الشاب يُدعى أحمد محمد السيد (24 عامًا)، وألقى نفسه من شرفة منزله بعدما تغيرت ظروفه المادية وفقد عمله، ولم يعد قادراً على توفير النفقات اللازمة لمعيشته وعلاج حالته النفسية.. وفي 22 من الشهر نفسه، انتحر سامي صلاح محمد (40 عامًا)، يعمل في مسجد بمركز دكرنس في محافظة الدقهلية فى دلتا النيل، من دون معرفة أسباب للواقعة. وقالت أسرته إنها وجدته داخل حجرة منزله منتحراً عن طريق حبل علقه في سقف الحجرة. وفي 24 سبتمبر استيقظ المصريون على صور لمواطن يُدعى (فرج رزق فرج)، 48 عاماً، ويعمل سائقاً، وقد انتحر شنقاً بلوحة إعلانية على الطريق الصحراوي السريع بين القاهرة والإسماعيلية (شمال شرق البلاد)، وكشفت تحقيقات النيابة العامة المصرية أن خلافات زوجية شديدة جراء مصروفات المدرسة، كانت الباعث وراء إقدامه على الانتحار. يأتي ذلك رغم أن منظمة الصحة العالمية قالت في تقرير لها إن معدلات الانتحار التقديرية في إقليم شرق المتوسط "أقل بكثير من الأقاليم الأخرى". وأشارت في تقريرها، الصادر في 4 سبتمبر الجاري إلى أن أكثر من 800 ألف شخص يقضون كل عام منتحرين، مما يعني أن حالة انتحار واحدة تقع كل 40 ثانية تقريبًا. وحول تفسيره لتلك الظاهرة، قال الداعية الدكتور محمد الصغير الوكيل السابق لوزارة الأوقاف المصرية إن لجوء سلطة الانقلاب العسكري للتضييق على الدعوة في المساجد وإغلاق القنوات الفضائية الدينية حتي تلك التي كانت تعمل في مجال الدعوة الاسلامية الصرفة بعيدا عن السياسة، أدي بعد عام واحد الى تزايد حالات الانتحار بين الناس نتيجة لضعف الوازع الديني لديهم. وأضاف الصغير في تصريح لموقع "الجزيرة مباشر مصر" على الانترنت مساء اليوم الجمعة الى ان كل تلك الحالات من الانتحار تقع في رقبة عبد الفتاح السيسي ونظامه الانقلابي، وانه سوف يسأل أمام الله تعالي عنها لأن مصر لم تشهد على مدار تاريخها الحديث مثل هذا التوجه في إبعاد الدين عن حياة الناس مثلما تشهد حاليا في ظل سلطة الانقلاب العسكري منذ 3 يوليو عام 2013. من ناحيته، أرجع الدكتور محمد علي عبد الظاهر ( طبيب نفسي) تزايد ظواهر الانتحار فى المجتمع المصري فى الفترة الأخيرة الى ما وصفه باشتداد الخناق على معيشة المواطن المصري العادي وتزايد مشاكله الحياتية التى لا يستطيع التعامل معه فيلجأ للهروب منها بالانتحار، وكذلك ضعف الوازع الديني. وطالب عبد الظاهر السلطات المصرية للانتباه لخطورة تلك الظاهرة على المجتمع المصري وتماسكه وقوته، مشيرا الى ان ارتفاع حالات الانتحار يصيب المجتمعات ذات الرفاهية العالية مثل الدول الاسكندنافية كالنرويج والسويد وفنلندا وغيرها، كما يصير مألوفا فى المجتمعات التي تعاني من تراجع متزايد في مستويات معيشة مواطنيها. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد وصل تعداد سكان مصر خلال فبراير الماضي، إلى 94 مليون نسمة، منهم 86 مليوناً بالداخل، بينما وصل عدد المغتربين منهم في الخارج وفقاً لإحصاءات وزارة الخارجية المصرية 8 ملايين. وعدد قوة العمل يبلغ 27.2 مليون فرد، وتصل نسبة البطالة بينهم 13.4 في المئة. وتشير تقديرات أخري الى ان الملايين من المصريين انتقلوا من الطبقة الوسطي خلال السنوات الماضية ليقبعوا تحت خط الفقر، وان مستويات المعيشة تتراجع بدرجة كبيرة، وترتفع معدلات البطالة بين الشباب لتصل الى أكثر من ربع قوة العمل فى الدولة، وتنتشر العديد من الأمراض الاجتماعية مثل الادمان والسرقة وانتشار الرشوة والمحسوبية واتساع الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء فى مصر، وتزايد معدلات الانتحار.