قالت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية في تقريرها الاخير حول توقيع "جدعون ساعر" وزير داخلية الاحتلال الاسرائيلي على قرار يتيح تسجيل الآرامية في خانة القومية بدلا من العربية لدى الفلسطينيين من أبناء الطوائف المسيحية المختلفة داخل الأراضي التي احتلت عام 1948، إن "هذا القرار يتعلق بغالبية الفلسطينيين المسيحيين داخل أراضي ال48، وأن توجهات بهذا الخصوص كانت لدى وزارة الداخلية منذ عام 2010". ومن جهته، علل وزير الداخلية الإسرائيلي غدعون ساعر (ليكود) إصدار هذه التعليمات بقبوله مؤخراً عدة طلبات بهذا الشأن، واستند إلى ثلاث وجهات نظر من مؤسسات أكاديمية أشارت فيها إلى قرار المحكمة العليا بشأن الادعاء ب»وجود قومية آرامية”. يبدو أن "إسرائيل" رأت بعد فشلها في خيار الحرب العسكري على غزة أن تمارس استراتيحية جديدة طالما مارستها على مدار العقود الماضية، وهي زرع بدور الفتنة والتفرقة والشقاق بين الشعب الفلسطيني الواحد على أسس عنصرية أو طائقية وبذلك تتمكن من كسر شوكة الوحدة التي تصبو لها دوماً حركة “حماس” وجميع حركات المقاومة الذين برعوا في تحقيق نصراً مؤزراً لشعبهم من خلال وحدتهم لحماية وطنهم. سبق هذا القرار الإسرائيلي العنصري قراراً أخر يكشف أبعاد ذلك القرار العنصري وهو إعلان إسرائيل إقامة “منتدى مسيحي” لتجنيد المسيحيين في الجيش الإسرائيلي، وقد قوبل بإنتقادات عديدة مما دفع اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي بفلسطين إصدار بيانا أعلنوا فيه عن ‘إطلاق حملة لمناهضة التجنيد في الجيش الإسرائيلي والخدمة المدنية الإسرائيلية، تحت عنوان ” لن أخدم جيش”واصفيم حملة التجنيد بأنها تحمل أبعادا كارثية على نسيج مجتمعنا، وبمثابة خدمة للحركة الصهيونية. كما ندد الأعضاء العرب في الكنيست (11 عضوا) ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني داخل إسرائيل بالقانون الطائفي والعنصري، وأكدوا رفضهم المطلق لهذا التوجه. ويأتي اليوم قرار تسجيل الآرمية للمسيحيين ليكون بمثابة مقدمة للمشروع الحكومي الأوسع الذي يسعى إلى سلخ الفلسطينيين المسيحيين عن شعبهم بداعي أنهم ليسوا عرباً، بحسب ما يدّعي مقدم مشروع القانون النائب اليميني المتطرف يريف ليفين. قرار تسجيل الآرمية من شأنه أن يًسقط كلمة “عرب” من تعريف المسيحيين والدروز،وهو التشريع الاول في تاريخ الكنيست الذي يتم فيه الفصل وتحويل المسيحية الى طائفة لها تمثيل. لكن الهدف الحقيقي وراء القانون كما أقره “عميرام ليفين” قائد المنطقة الشمالية بجيش الاحتلال في حديث لصحيفة “معاريف”: هو منح تمثيل منفصل للمواطنين المسيحيين “لفصلهم عن العرب المسلمين”، مضيفاً أنه يحرص عمداً على عدم اعتبار المسيحيين عرباً “لأنهم ليسوا عرباً” لاسيما وأن يقول “العرب في نظره هم مسلمون يسعون الى القضاء على الدولة من داخلها”. وقد أثارت تصريحات “ليفين” استياءاً كبيراً في الداخل الفلسطيني فيما سارع مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأراضي المقدسة” في إصدار بيانا يندد فيه بالمؤامرة الإسرائيلية الجديدة، ودعا الى صدها، وقال مجلس الكنائس في بيانه ، “ان كانت هذه المحاولة لفصل المسيحيين الفلسطينيين عن الفلسطينيين عامة، هي للدفاع عن المسيحيين أو لحمايتهم، كما تدعي بعض القيادات الإسرائيلية، فنحن نقول: ردوا لنا أولاً بيوتنا وأراضينا وقرانا التي صادرتموها. وثانيا، أفضل حماية لنا هي إبقاؤنا في شعبنا. وثالثا: أفضل حماية لنا ولكم هي أن تدخلوا بمسار جدي في طريق السلام… فأنتم الرافضون للسلام، وإن أردتم أنتم البقاء في الحرب، فلا تزجّوا بنا في طريق ليست طريقنا”. وأوضح بيان مجلس الكنائس، “أما لبعض الفلسطينيين المسيحيين في إسرائيل المؤيدين لمثل هذه الفكرة، أي إحياء الأصول الآرامية والدخول في الجندية، فنقول لهم: ارتدعوا، وعودوا إلى رشدكم، ولا يجوز أن تضروا شعبكم لمنافع شخصية آنية. أنتم، بموقفكم لا تفيدون لا أنفسكم ولا إسرائيل. إسرائيل بحاجة إلى المسيحي الذي قال له السيد المسيح: “طوبى لصانعي السلام”، وليس طوبى لمن يشوّه ذاته وهويته، ويعادي شعبه، ويصبح جنديا للقتال”. وبشأن ردود الأفعال حول ذلك القرار العنصري، قال عضو الكنيست، من التجمع الديمقراطي، باسل غطاس “إن القرار مخطط سياسي صهيوني، يستهدف الهوية العربية الفلسطينية عبر ضرب النسيج الاجتماعي للفلسطينيين، والتعامل معهم كمجموعة من الطوائف لا يربطها لغة وتاريخ وذاكرة جماعية”. إلى ذلك، علق النائب مسعود غنايم على قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية بشأن كتابة كلمة آرامي إلى جانب كلمة مسيحيفي بطاقات الهوية للعرب المسيحيين في البلاد بقوله بأنه بمثابة خطوة أولى نحو تنفيذ سياسة التفريق القذرة, سياسة فرّق تسد الاستعمارية المقيتة. وقال:” إن حلم تفتيت العرب في البلاد إلى طوائف وفرق وشظايا متناحرة متناقضة هو حلم صهيوني قديم عملت الحكومات الإسرائيلية على تحقيقه وإخراجه إلى النور خدمة لمصالحها وسياستها الساعية لإضعافنا وتفريقنا ليسهل بالتالي تشتيت قوانا وفك وحدتنا التي تقف حجر عثرة أمام سياسات هذه الحكومات”. واضاف غنايم “إن تشويه الهوية ومسخ انتمائنا الوطني والقومي الوحدوي عبر استدعاء هويات متحفيّة انقرضت منذ قرون هو مشروع استعماري غربي قديم حملت لواءه أوروبا الاستعمارية وأمريكا بعد ذلك واليوم يعملون على إحيائه لضرب العالم العربي وتفتيته”. فيما قوبل القرار بالرفض من داخل الكنيست أيضاً، فقد نقلت “هآرتس” عن النائب “أحمد الطيبي” قوله: “هذه محاولة بارعة لإحلال الفصل والتفرقة بين أبناء الأقلية العربية في إسرائيل”. وأكد الطيبي أن المسيحيين جزء أساسي وأصيل من الأقلية القومية العربية الفلسطينية في إسرائيل، “وكل القرارات المتطرفة لن تغيّر هذه الحقيقة”، وقد تقدم الطيبي بطلب للاعتراف بالمجتمع العربي كله باعتباره أقلية قومية. يبدو جلياً أن حلم”الاحتلال الإسرائيلي” في السيطرة على بلاد الشام يدفعها لإتباع كافة الطرق لتحقيقه، وثمة خطوات تتبعها إسرائيل بدعم من الموساد لتُحكم هيمنتها على الشعب الفلسطيني، لاسيما في ظل حرص حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحكومة التوافق الوطني على تقوية النسيج الوطني الفلسطيني والذي يعد بدوره عاملاً هاماً في التحام الشعب في وجه الاحتلال الذي يسعى لفرض سيطرته بشتى السبل ولكن المفاجآة يواجه بذلك الحائط المنيع للوحدة.