[email protected] لا شك فى أن النظام العربى الرسمى بالإجمال قد تعرى قبل العدوان الأخير على غزة، ويعرف الجميع أن أقصى ما يتمناه هذا النظام هو الحفاظ على القطعة الأخيرة من ملابسه الداخلية، بما يسمونه (المبادرة العربية)، وقد أصبح بديهيا أن نظم وكراسى هذا النظام تحيا فى جزر معزولة عن شعوبها، بعد أن فقدت بوصلتها فى تحديد ومعرفة الصديق والعدو، وبعد أن نصبت الذئاب على قطعان الأغنام، وراحت تبرر للذئب جرائمة بإدانة عناصر القطيع المتمردة والخارجة عن الصف.. ولكن ليست هذه معركتنا!! فمعركتنا كانت وما تزال بالأساس مع العدو الرئيسى الولاياتالمتحدةالأمريكية والعدو المباشر.. الكيان الصهيونى. ولأن الشعوب لا تفقد نبلها وشموخها بسقوط الحكام، فقد أفرزت الشعوب المقهورة فى الأمة فصائلها المقاومة ومعارضتها الممانعة على طول أرض الأمة وعرضها، للمشروع الصهيونى الأمريكى الاستعمارى. وفى منطقتنا العربية تمايزت المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية، لظروفها، ولشدة تأثيرها على مجمل مخططات الأعداء والحكام الساقطين، تمايزت بمواقع متقدمة فى جدول أعمال العدوان وخطط الاستهداف فى أجندة العدو ومهام العملاء والساقطين. وقد حاول العدو الأمريكى الصهيونى كسر حلقة المقاومة فى العراق.. ولم يعد أحد يمارى فى فشل هذه المحاولة فى تحقيق أهدافها، ووصف الحالة الأمريكية هناك بالهزيمة والخسران.. ولذا إنتقل للضرب فيما اعتقده أضعف الحلقات فى لبنان.. وكانت الهزيمة الماحقة والتراجع غير المشروط.. ومع اليقين بقرب الخروج.. غير محدد المعالم.. من العراق والتراجع إلى الأراضى الأفغانية الملتهبة، كان لابد من الإسراع بخطوة للتعتيم، وتحقيق نصر شكلى تكتيكى فى المنطقة، لإتخاذه مادة لإعادة الثقة فى القوة، والعودة إلى القدرة على الترويع وإلارهاب على مستوى المعمورة، ولتسليم قياد المنطقة للوكيل الصهيونى فى ظل العجز العربى الرسمى، بعد أن أسقط أبطال وشهداء المقاومة فى الأرض الإسلامية والعربية كل إدعاءات الأمريكان ودعاياتهم بأن أحلامهم أوامر تسرى على الجميع، وقراراتهم أقدار لا راد لها.. والعياذ بالله.. وهكذا كان لابد من النظر إلى حلقة أضعف (من وجهة نظرهم)، لتحقيق هذا النصر المزعوم فى ظروف الإنسحاب والتراجع المفروض.. وهكذا كانت.... غزة. والسؤال هو هل يستطيع أعداء أمتنا أن يحققوا هذا النصر المزعوم فى غزة؟! ومتى يكون هذا النصر قد تحقق؟! ومتى نقول بالعكس؟!! لقد انطلقت حناجر (الأنتيكات) المسماة بالخبراء الإستراتيجيين السياسيين والعسكريين الرسميين تهدد بالويل والثبور، كما هى العادة، كل من تجرأ وأطلق صاروخا على (مواطنى) الكيان الغاصب.. ونذكر هنا أنهم لا يستحون.. فقد أطلقوا نفس الإدعاءات والتهديدات بلسان العدو فى حرب لبنان الظافرة كما أطلقوها نفسها حينما طهرت حماس القطاع من العملاء وقوات أوسلو.. بل ولم يخجل (أحد من يحملون رتبة كبيرة سابقة) على شاشة التليفزيون المصرى.. يقال له الخبير الاستراتيجى العسكرى.. مع محمود سعد أن يصرح بأن حماس تدفع ثمن خروجها من العباءة المصرية إلى ما أسماه بالعباءة الإيرانية السورية.. فى إشارة إلى أن الحصار المفروض على أبناء الشعب الفلسطينى فى غزة هو انتقام مصرى مقصود!! ولا تعليق إلتزاما بأدب الكتابة حيث لا يمكن التعليق بأدب على مثل هذا الكلام غير المسؤول والذى يصب فى الأساس فى جعبة مكاسب الأعداء بتوسيع الفجوة بين المقاومة ومحيطها الجغرافى من جهة، ويحرف الصراع عن العدو المباشر والرئيسى إلى مسارات فرعية من جهة أخرى. المهم.. راح هؤلاء يعددون فى وقاحة وجهل بالتاريخ ودروسه، يحسدون عليها، أسباب قوة العدو الصهيونى.. من سلاح الجيل الرابع، وقنابل الأعماق، وسلاح الجو غير المهدد بمضادات أرضية.. ويجتهدون ما وسعهم الجهد فى شرح الخطط لتقطيع أوصال القطاع وضرب البنية التحتية للمقاومة، وتفصيل تكتيكات الهجوم الناجع لإجتثاث قوة المقاومة من القطاع والسيطرة على الأرض لحين تسليمها.. حسب أمانيهم.. إلى من يتساوق مع مخططات الاستسلام للحلول الصهيو/أمريكية/ العربية الرسمية.. ولم يفت هؤلاء (الخبراء) أن يبينوا ودون خجل مواضع الضعف فى قوات المقاومة.. والتى تكمن كلها فى محيطها العربى الواهن.. وأولها (حصارها) وافتقادها للعمق الاستراتيجى وخطوط الإمداد التى هى كلها حدود عربية وإسلامية!!، والأرض المسطحة المكشوفة التى تعمل عليها المقاومة... إلخ!!. شكرا لكم على جهدكم الخائر وجهلكم وتجاهلكم، فالشعوب لم تعد تتعاطى الحلوى المسممة التى تنتجونها، فقد عرفت طعم النصر على أيدى المجاهدين الراغبين فى الشهادة فى العراق وأفغانستان ولبنان.. وتعالوا نقول لكم معنى جديدا للنصر لم تتعلموه فى أكاديمياتكم التابعة وعلومكم المهجنة.. ونسألكم أن تجيبونا.. هل كانت المقاومة الجزائرية أقوى عدة وعتادا من الإمبراطورية الفرنسية؟! هل كانت المقاومة اللبنانية أقوى من قوات المارينز وأشد تسلحا؟! وهل كان الصوماليون كذلك؟! هل كانت المقاومة المصرية أقوى عددا وعدة من الإمبراطورية البريطانية التى لا تغرب عنها الشمس؟! أو قولوا لنا إجمالا متى كانت البلد المحتلة أقوى من البلد التى تحتلها وأكثر إمكانات؟!
ففى إطار موازين القوى المختلة.. التى هى إفراز أنظمتكم وعلمكم العسكرى المغلوط.. تكمن أولى معانى النصر فى الحفاظ على إرادة القتال والمواجهة، وإبقاء الصراع فى التداول.. وليس التوقيع على إنهاء الصراع فى ظروف خلل موازين القوى.. وقد تحقق هذا الهدف للمقاومة بكل معانيه.. على المستوى الداخلى حيث انضمت جماهير الضفة إلى غزة، بل وانضم عرب الأراضى الفلسطينية المحتلة فى العام 1948 إلى حلبة الصراع من قلب الكيان الصهيونى.. والأهم أن الحركة الشعبية فى كل دول العالم هى الأخرى أصبحت فى قلب المعركة دعما وتأييدا للحق الغزاوى بشكل خاص والفلسطينى بشكل عام فى المقاومة ونيل الحقوق. المعنى الثانى للنصر يكمن فى التمسك بخيارات متعددة للأمة فى مواجهة الظروف المتغيرة للصراع.. وليس حصر الأمة فى خيار وحيد يفرضه العدو.. وهو ما تستطيع المقاومة الفلسطينية اليوم.. وبعد تعرى العدو من كافة الأقنعة البريئة التى طالما تخفى خلفها.. أن تطرحه بصوت مرتفع ودون مواربة أو إلتفاف.. الحق المشروع فى المقاومة لحين تحرير الأرض.. والقبول بالتهدئة فى إطار استمرار الصراع، دون التقيد بشروط فى المعابر أو التسلح.. أى أنها هدنة بين المحتل والمقاومة.. لا تلغى إلتزامات المحتل القانونية.. ولا تعطى المحتل حقوقا مشروعة فى العيش الآمن على الأرض المغتصبة.. ولا تجرد المقاومة من حقها المشروع فى العمل بكل الأشكال من أجل الحصول على الاستقلال. والمعيار الثالث للنصر هو الخروج من كل موقعة برقعة أوسع للقتال وإلتفاف أكبر حول خط المقاومة، فى محيطها الداخلى والإقليمى والدولى، ولا أعتقد أن هناك من يمكن أن يصل تبجحه درجة إنكار أن هذه المعركة قد فتحت آفاقا وأبعاداً أمام المقاومة كانت قد أغلقت بفعل التوازنات الإقليمية والداخلية والوهن الرسمى، أو أن يدعى أن خط المقاومة اليوم لم يكسر طوق الحصار الإقليمى والدولى فى خضم المعركة، بل إن المقاومة بصمودها الأسطورى قد إضطرت مجلس الأمن "الأمريكى" إلى إصدار قرار لا ترضى عنه أمريكا ولا الكيان الصهيونى.. بل وأصبحت المقاومة فى وضع يصوغ لها رفض القرار دون أن يعقب أحد مزايدا بإدانة التهور والمغامرة الحمسوية. والمعيار الرابع.. تضييق الخيارات أمام العدو، وتحجيم قدرته على استخدام عناصر القوة لديه سواء نتيجة عناصر صراعه الداخلى، أو لتعظيم الضغوط الخارجية بأنواعها على حركته.. ولعلكم ترون هذا يتحقق وبشكل متنانمى يوميا وعلى كافة الساحات المحلية والإقليمية والدولية.. ولعل ما لا تعرفوه أيضا (محليينا وخبرائنا الأشاوس) فى مقاييس النصر أيضا، أنه يقاس بمدى ما يتحقق من إيمان لدى الأمة المقاومة بإمكانية المواجهة والصمود فالنصر على العدو.. كما يتحقق أيضا بتزايد شك العدو فى قدرته على حسم المعركة، وتأكد قواه الاجتماعية من التكلفة الباهظة للإستمرار فى الصراع.. وهو ما ينجز مع كل إفشال لهدف من أهداف الحملة، ومع كل جندى صهيونى يسقط برصاصات العزة المقاومة.. مهما قل العدد.. وآخر الدروس أيها المحنطون فى توابيت التسليم والاستسلام، هى أن تعديل موازين القوى يتحقق.. وقد تحقق على مدى تواريخ الصراع البشرى جميعا فى آتون الصراع نفسه، لا بإلغاء الصراع أو الهروب منه.
بكل وضوح.. نعم إنتصرت المقاومة
لقد أفشل المقاومون الأبطال فى غزة الصامدة.. فعلا.. كل أهداف الحملة الأساسية.. فازدادت عزلة سلطة رام الله، بدلا من تمكينها من الضفة والقطاع، وحوصر السعى العربى الرسمى للتسوية غير العادلة على حساب الشعب الفلسطينى فى الداخل والشتات. ولم تنشغل قيادة المقاومة بالمعركة الفرعية مع الأبواق العربية العميلة والمضللة وحافظت على تركيزها فى معركتها الرئيسية، وحافظت المقاومة على قدراتها لمعركة طويلة لا يستطيع العدو أو يحتمل مداها فضلا عن خسائرها، ودعمت المساندة الشعبية لها فى غزة والقطاع وعلى مساحة الوطن العربى والأمة الإسلامية والعالم بكل شعوبه. وفرضت المقاومة درجة من فتح المعابر وخاصة معبر رفح لم تكن ليسمح بها لولا استمرار الصمود. أكدت على إمكانية مواجهة وهزيمة جيش الكيان الصهيونى حتى فى ظروف الحصار والتجويع وإفتقاد الملاذ الآمن والعمق الاستراتيجى وساحة المعركة شديدة الضيق والكثافة. أصابت العدو وقواه الداخلية بضربة جديدة فى ثقته بقوات جيشه وبهزيمة جديدة حتى ولو كانت محدودة لكيان لا يحتمل هزيمة بحكم تكوينه. تثبيت رقم المقاومة فى معادلات الحساب فى المنطقة كرقم أساسى ليس لأحد أن يدعى أنه رقم مضاف لرصيده فى المعادلة وليس لأحد أن يدعى السيطرة عليه أو إخضاعه لنفوذه. وأخيرا فإن المقاومة بصمودها المشهود قد فرضت على الجميع عربا وعجما أن يعيدوا حساباتهم فى خططهم التقليدية للتسويات فى المنطقة، وأن يضعوا الشعب الفلسطينى وليس سلطة عباس فى الحسبان، وهو ما يجعل الكثير من الحسابات تعاد على أسس مختلفة، ويربك حسابات أكثر لم تكن تضع الشعوب.. كل الشعوب.. فى حساباتها. ياشرف الأمة المغدور، يانبل الإنسانية الباقى فى عصور الانحطاط، ياكرامة الرجال والنساء والأطفال، ياشهدائنا الأحياء، أنتم.. وأنتم فقط.. من تقفون على الحق.. أنتم.. وأنتم فقط.. من تعرفون الحقيقة.. وبكم.. بكم فقط.. ستبقى الأمة يرفع فيها اسم الله.. والله ناصركم وهو الغالب على أمره ولو كره الكافرون ومنظروا الهزيمة والوهن وعبادة الصنم الأمريكى/الصهيونى.. وإن غدا لناظره قريب.