لا تُغطي أصوات قذائف المدفعية الإسرائيلية، وطائرات الاستطلاع المستمرة في التحليق في أجواء القطاع مع الطيران الحربي، على أصوات الاشتباكات الضارية التي أشعلتها المقاومة في وجه الوحدات القتالية البرّية الإسرائيلية التي بدأت، أمس الجمعة، العدوان البرّي على الشريط الشائك بين القطاع والأراضي المحتلة. وعلى الرغم من أن العملية البرّية، كانت لوقف إطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة، كما ادعى جيش الاحتلال، إلا أن وتيرة إطلاق صواريخ المقاومة ظلت كما هي، وبالعدد نفسه وأماكن التصويب، ما يعني أن أول أهداف العملية البرية التي أعلنها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قد فشل. أما الأنفاق التي أعلن الاحتلال اكتشافها، فكانت أكبر خدعة، إذ أن الصور التي نشرها المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي كانت لممرات أرضية داخل موقع تدريبي لكتائب "عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، ملاصق للحدود مع الأراضي المحتلة في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع. ويُعرف موقع عسقلان التدريبي الذي استولت عليه إسرائيل، بوجود ممرات أرضية في أسفله، كانت مجهزة للتدريب على العمليات البرية، ولم تكن أنفاقاً توصل القطاع بإسرائيل، لأن المنطقة الحدودية وخاصة الشمالية بين الاحتلال وغزة منطقة رمال صفراء لا يمكن حفر أنفاق فيها. أما العدوان البري، فلم يكن للإسرائيليين توقع ما سيجري خلاله، أو كانوا يعتقدون الأمر سهلاً، لكنهم وقعوا في كمائن أُحكمت بشكل منظم، وكأن فصائل المقاومة وخاصة كتائب "القسام" و"سرايا القدس"، الجناح المسلح لحركة "الجهاد الإسلامي"، قسمتا الميدان بينهما، فصار الضرب على الاحتلال أسهل وأسرع، وأكثر تأثيراً. واعترفت إسرائيل في الساعات الأخيرة، بإصابة أكثر من ثمانية جنود، بينهم حالتان خطيرتان، في اشتباكات مختلفة بين مقاومين وقوات خاصة برية حاولت التقدم أكثر في شمال وشرقي القطاع. فيما فجرّت "سرايا القدس"، فجر اليوم السبت، دبابتين واغتنمت من إحداها رشاشاً. واشتبك مقاومو غزة بضراوة مع جيش الاحتلال وقواته الخاصة التي توغلت واستغلت رخو بعض المناطق الحدودية وملاصقة بعض البيوت لها. وشهدت مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وشرقي خان يونس وشرقي المحافظة الوسطى أعنف الاشتباكات بين المقاومة والقوات الإسرائيلية. وأفاد مراسل "العربي الجديد"، عن استهداف كتائب "القسام" لقوة إسرائيلية خاصة تحصنت في أحد المنازل الحدودية شرقي خان يونس، بقذائف "آر بي جي". ورغم عمليات التوغل والتعزيزات البرية الهجومية، إلا أن كتائب "القسام" نفذت عملية إنزال خلف خطوط قوات الاحتلال إلى الشرق من المنطقة الوسطى في القطاع، ودارت اشتباكات عنيفة جداً بين مجموعات الإنزال وجيش الاحتلال في المنطقة، وهي العملية التي اعترف الاحتلال بجرح ثلاثة فيها بينهم اثنان في حالة الخطر. من جهة ثانية، أعلنت الشرطة الاسرائيلية سقوط "صاروخ على مخيم للبدو بالقرب من ديمونة ما أدى الى إصابة خمسة أشخاص من عائلة واحدة بجروح، بينهم رجل في الثانية والثلاثين من عمره توفي متأثراً بجراحه، والجرحى الباقون امرأتان وطفلان". بموازاة ذلك، استمرت أعداد الشهداء في الارتفاع بشكل سريع في الساعات الأخيرة، بعد مجازر عدة نفذتها قوات الاحتلال راح ضحيتها عوائل بأكملها، وأطفال تحصنوا في منازلهم كانوا يظنون أنها ستحميهم من القذائف المدفعية وصواريخ الاحتلال. وقالت مصادر طبية في غزة، إن عدد الشهداء الذي سقطوا نتيجة العدوان المتواصل ارتفع إلى 327 فلسطينياً، فيما أصيب حوالي 2290. وفي بلدة بيت حانون شمالي القطاع، استشهد محمود عبد الحميد زويدي، وداليا عبد الحميد، والطفلة نغم محمود الزويدي (عامان)، والطفلة رؤيا محمود الزويدي (3 أعوام)، بعد قصف مدفعي لمنزل عائلتهم في البلدة. كما أعلن مصدر طبي في بلدة بيت لاهيا، أن الطفلين الشقيقين، أحمد وعمر جميل حمودة، استشهدا في غارة إسرائيلية على البلدة، وبعد ساعة، تعرفت الطواقم الطبية على شهيد بيت حانون الذي قضى بصاروخ مباشر مزق جثمانه، وهو محمد عطا الله سعدات. وفي وقت سابق، اسستشهد الشاب محمد رفيق الرحل، والطفل محمد زياد الرحل (6 سنوات) في استهداف منزل في بيت لاهيا بقذائف المدفعية. وفي الشمالي الغربي من مدينة غزة، استشهاد الشاب محمد أبو زعنونة وأصيب خمسة آخرون بينهم طفلان، في قصف إسرائيلي استهدف منطقة أبراج المخابرات. وقبل ذلك، انتشلت الطواقم الطبية شرقي مدينة خان يونس، الشهداء رشدي خالد مطر، وإسماعيل رمضان اللولحي، ورأفت علي بهلول، وبلال إسماعيل أبو دقة، ومحمد إسماعيل سمور، بعد أن قصفت الطائرات الحربية مكاناً تجمعوا فيه. في هذه الأثناء، منع الجيش المصري قافلة إغاثية تضم المئات من الناشطين المصريين، من مواصلة طريقها إلى غزة، عبر إيقافها في كمين "بالوظة"، عند مدخل محافظة شمال سيناء، بزعم عدم إمكانية تأمينهم خلال رحلتهم إلى معبر رفح، وخوفاً من استهدافهم داخل أراضي سيناء؛ في حين رفض الناشطون العودة، مطالبين القيادات الأمنية بالعبور. وكانت القافلة التي تحمل مساعدات طبية، قد انطلقت مصحوبة ب 11 حافلة صوب قطاع غزة، من أمام نقابة الصحفيين بوسط القاهرة، في ساعة مبكرة من الصباح، وضمت نحو 600 من الناشطين السياسيين، وأعضاء أحزاب "مصر القوية والتيار الشعبي والدستور"، إضافة إلى بعض الحركات الثورية مثل "جبهة طريق الثورة" و"الاشتراكيين الثوريين".