تزايدت في الاونة الاخيرة الدعوات الاميركية للدول العربية لاحتواء العراق والدخول معه في تحالفات وعلاقات تعاون اقوى، على اعتبار انتهاء الاحتلال الاميركي (تقنيا) لذلك البلد العربي ينهاية تفويض الاممالمتحدة اخر هذا الشهر. ومع ان تلك الدعوات للدول العربية، خاصة الخليجية، كي تدعم العراق وتضفي شرعية اقليمية على وضعه لم تنقطع منذ ما بعد الغزو عام 2003 وطوال الاحتلال، الا ان الدعوات الحالية مختلفة. في البداية كان الاميركيون يريدون من يساعد في تحقيق اهدافهم بوسائل غير عسكرية، مع فشل قوات الاحتلال في ضبط اوضاع العراق ووقف انهيارها، وكانت الدعوات للدول العربية ان تعترف بالقيادات العراقية التي برزت تحت الاحتلال وتقيم معها علاقات دبلوماسية وتساندها اقتصاديا وامنيا. واستجابت عدة دول عربية لتلك الضغوط الاميركية، خاصة الدول التي توصف بالمعتدلة او الساعية لتجنب الغضب الاميركي، وفتحت سفارات لها في بغداد رغم الاوضاع الامنية الكارثية هناك واستقبلت قيادات عراقية وألغت ديونا لها على العراق وتعاونت معه امنيا لوقف تسلل مقاتلين اليه عبر دول الجوار. مع ذلك كانت غالبية دول الاقليم متشككة في جدوى ذلك لتحسين اوضاع العراق الاخذة في التدهور، وكان الجميع مقتنعا بان الاحتلال هو السبب في انهيار البلاد وتحولها الى "دولة فاشلة" وليس الى النموذج الديموقراطي التقدمي الذي بشر به المحتلون. ورغم تراجع معدلات العنف الا ان الوضع في العراق امنيا واقتصاديا واجتماعيا لا يزال مذريا. تعتمد الدعوات الأميركية الان على ان الاحتلال على وشك الانتهاء وان القوات ستبدأ في الانسحاب، ما يزيل إحدى حجج التردد العربي ازاء العراق، وكذلك على التخويف من ان النفوذ الايراني يتزايد في ذلك البلد وعلى العرب ملء الفراغ لمواجهة المد الايراني. وجاءت احدث تلك الدعوات على لسان وزير الدفاع الاميركي روبرت جيتس، الوحيد من ادارة بوش الذي سيحتفظ بمنصبه في ادارة اوباما الجديدة، في كلمة له امام حوار المنامة في البحرين. وطالب جيتس بضم العراق إلى مجلس التعاون الخليجي في اطار دمج العراق "الجديد" في محيطه العربي. وقوبلت الدعوة برفض خليجي عبر عنه الأمين العام للمجلس عبد الرحمن العطية في مقابلة تلفزيونية قائلا ان ذلك غير ممكن في ظل وضع العراق الحالي، وان كان الجميع في المنطقة يريد للعراق ان يستعيد مكانه ضمن المنظومة العربية عبر جامعة الدول العربية التي تضم الجميع في المنطقة بما فيها الدول الخليجية. وذلك موقف سليم تماما يعبر عن موقف غالبية دول المنطقة تقريبا، ويعد ردا ايضا على اقتراح اخر صدر من واشنطن ايضا على لسان المتحدث باسم الحكومة العراقية قبل دعوة جيتس بأيام. ففي كلمة له امام أحد مراكز البحث في واشنطن قال المسؤول العراقي ان هناك مباحثات تجري مع تركيا وايران وسوريا والكويت لاقامة تجمع امني اقتصادي على غرار نموذج الاتحاد الاوروبي تنضم اليه بقية دول الخليج. ولم يحظ الاقتراح باهتمام احد، ولا حتى الخبراء الاميركيين الذين كانوا يستمعون اليه في واشنطن. القاسم المشترك في كل تلك الدعوات والمقترحات الان ان الولاياتالمتحدة الاميركية، وادارة الرئيس بوش الراحلة تحديدا، لا ترى انها حققت الهدف الاساسي من غزو العراق واحتلاله وهو ان تجعله نموذجا يحتذى لدول المنطقة. من هنا هذا الضغط المتزايد الان لدمجه "عنوة" في التجمعات الاقليمية عل وعسى يسهم ذلك في تحقيق هذا الهدف ولو على المدى البعيد. كما ان الاتفاقية الامنية بين واشنطن وبغداد لن تكفي وحدها لتحقيق الاهداف الاستراتيجية الاميركية ما لم تكن بغداد "محورا" لتجمع اقليمي حولها. اضف الى ذلك ان واشنطن تريد التخلص من عبء اعادة اعمار العراق ليس ماديا فقط ببناء ما دمره الغزو والاحتلال، بل كذلك التاهيل الاجتماعي والسياسي وان تلقي به على الاطراف الاقليمية الصديقة. الواضح ان الاطراف الاقليمية، حتى منها المتعاونة مع واشنطن، مترددة في القيام بمهمة "التنظيف" تلك لما خلفه الغزو والاحتلال. وفي ظل الازمة الاقتصادية العالمية الخانقة، التي يتوقع ان تفضي الى ركود طويل الامد، لا ترغب دول الاقاليم في دفع المزيد من التكاليف للمغامرات الاميركية على غرار ما فعلت في السابق. كما ان العلاقات الخاصة، امنيا وسياسيا، بين بغداد وواشنطن ستعطي العراق دورا مركزيا في اي تعاون اقليمي يضم دول المنطقة. واذا اخذنا اقتراح اتحاد على غرار الاتحاد الاوروبي، سيصبح العراق في المنطقة مثل بريطانيا في اوروبا، اذ تعتبر بريطانيا ان لها علاقة خاصة مع اميركا تجعلها الجسر الرئيسي لغرب الاطلسي نحو بقية دول القارة. وذلك امر يزعج بقية الدول الاوروبية الرئيسية، التي لها علاقات قوية ايضا مع واشنطن. في حالة المنطقة، لن تقبل دول عربية ترى ان لها علاقات مميزة مع الولاياتالمتحدة ان تتخلى عنها لصالح العراق. ثم ان المهم ان كثيرا من دول المنطقة لا تزال ترى في الوضع العراقي الهش وغير المستقر مصدرا للعلل اكثر منه مصدر ايحاء بالتقدم والرخاء. من هنا ياتي التردد المنطقي في قبول الضغوط الامريكية بالتمحور حول العراق وتولي دول المنطقة مهمة التخلص من اخطاء الغزو والاحتلال.