لم يكُن غرض الصهاينة الأول من زراعة دولتهم اللقيطة في فلسطين هو التنعم بأرض الميعاد! فإن أرض الميعاد ابتداء لا تعريف دقيق لها في التوراة.. حتى أن «هرتزل» ذاته أوشك أن ينشيء وطن اليهود في أمريكا الجنوبية! بل كان الغرض الأساسي من زراعة هذا الكيان اللقيط ورعايته هو دق إسفين بين دول الإسلام يمنع قيام وحدتها وإشهار دولتها الموحَّدة.. دولة الخلافة من جديد! وتزامن التسارع المحموم لإنشاء هذه الدولة الإسفين مع التفكيك الفاجر لدولة الخلافة الأخيرة في «تركيا».. و اليوم يخرج علينا «مسعود بارزاني» رئيس إقليم الحكم الذاتي المسمى ب «كردستان العراق» ليعلن على ال BBC أنه سيُجري استفتاء في غضون شهر واحد لاستقلال إقليمة السرطاني عن «العراق»! وقال «بارزاني»: «أن العراق قد تم تقسيمه بالفعل»! وعلل إسراعه بإجراءات الاستقلال بما يجري على الساحة العراقية من تفجير للأوضاع سببته ميليشيات العشائر والميليشيات الجهادية –على حد قوله-. وعلى صعيد آخر يجري انعقاد البرلمان العراقي الجديد لأول مرة في محاولة لصياغة «حكومة وَحْدَة»! بينما يطالب حلفاء «نوري المالكي» من السنة والشيعة على سواء بإسقاطه لفشله في التعامل مع الأزمة الحالية! اللافت للنظر حقا أن الجميع يسير وفق خطة مدروسة بعناية سبق نشرها منذ سنوات وأعيد نشرها مع تعديلات بسيطة منذ أسابيع على أنها «خريطة الشرق الأوسط الجديد»! ظهرت فيها دولة جديدة هي «كردستان الكبرى» لتحتل مساحات شاسعة مستولية على أراضي تنتمي الآن إلى شمال العراقوسوريا وجنوب تركيا وغرب إيران.. بمعنى أنها إسفين جديد يُدق ليمنع وحدة هذه الأقاليم سياسيا أو حتى اقتصاديا ويعزل بعضها عن بعض! والأكثر لفتا للانتباه في هذه الخرائط أن «دولة العراق والشام الإسلامية» ومعها «العشائر العراقية السنية» تسيران في خطى محددة حذو القذة بالقذة على حدود ما ظهر في تلك الخرائط القديمة أنه «دولة سنية حبيسة» تحتل شرق سوريا وغرب العراق بينما تحدها من الشرق «دولة شيعية» تمتد لتحتل سواحل الخليج العربي جنوبا حتى «القطيف»و«الدمام» ومن الشرق تحدها «دولة نصيرية» تحتل سواحل الشام لتحافظ على الموانيء الروسية الاستراتيجية فيه! وستكون هذه «الدولة السنية الحبيسة» بطبيعة الحال غرضا لأطماع قديمة تسكن صدور «الأسرة الهاشمية» -زعموا- في الأردن منذ أن تقاسم فيصل وعبد الله حكم «العراق» و«الأدرن» ثم ضاعت العراق من أيديهما ليحكمها «البعث»! وستظهر الأردن على الساحة العراقية قريبا! بل إنها قد ظهرت بالفعل بقصفها بعض مواقع «داعش» وإخراجها الشيخ «أبو محمد المقدسي» من السجن فجأة وهو المعروف باعتراضاته على كيان «الدولة الإسلامية في العراق والشام»! وسيساعد الأردن في إدارة هذا الإقليم السني الحبيس أن أكثر العشائر العربية العراقية تمتد في «الأردن» والعكس وأيضا لها أذرع في شرق «سوريا».. وكذلك فإن المخابرات الأردنية حليفٌ كبير لل CIA منذ بداية غزو العراق وكذلك منذ اشتعال الثورة السورية وقد أفسدت في كل شبر فيهما حذو القذة بالقذة مع الأمريكيين! و كنت قد تكلمت باستفاضة عن «كردستان الكبرى» وتاريخها وأثرها وتغيرات الشرق الأوسط الجديد منذ عام كامل! في كتابي «سوريا متجر المسك الأحمر» فبرجاء مطالعته للفائدة واستكمال التصور؛ وتوجد منه نسخة مصورة على هذا الرابط مزودة بالخرائط والأشكال التوضيحية: http://bit.ly/1rbfHUj. إن التغيرات الجارية على قدم وساق كلها تتشابه تماما مع إعادة توزيع الحدود الذي رسمه «سايكس وبيكو» قبل مئة سنة! وكلها تغيرات تمثل إعادة ترسيم غربية أيضا هذه المرة وإن رأى البعض أنها عفوية! أو أنها تتم بأذرع الجهاد الفتية! فكيف تكون عفوية وهي معلنة منذ سنوات! وكيف تكون نتاج أذرع المجاهدين وهي تخدم الغرب وتصير على خطاه بوعي أو بغير وعي؟!. الآن نحن نواجه إسفينا جديدا لتفتيت الأمة الإسلامية ونحن لم ننزع الإسفين القديم بعد! نواجه إسفين «كردستان الكبرى» التي ستكون «كردستان العراق» هي نواتها الفعّالة الجاذبة ثم تلحقها الأقاليم الكردية من «سوريا»و«تركيا»و«إيران»! وتتفتت وتتناثر بقايا الأراضي العربية في دويلات بلا قوة ولا اتحاد! كل هذا بينما نحن لا نزال نتألم ونتوجع من إسفين «دولة إسرائيل».. فماذا يفعل المسلمون؟! هل يستمرون في التصفيق دون وعي لكل من يدعي الجهاد وإن سار على رسم الغرب واستهلك الوقود الفعلي للجهاد في أراضي الغرب والعرب على سواء بجذبهم وحرقهم في محرقة معدة لذلك سلفا؟! هل نستمر في التصفيق لمسمى الخلافة الذي يُعلنه مجهولون في إطار مخطط غربي لإعادة تقسيم بلاد المسلمين تم إعلانه منذ سنوات! هل سنشهد قريبا نهايةً تراجيدية لفصائل جهادية تمتليء بالأولياء الصالحين والمجاهدين المخلصين لأن هناك من يتلاعب بهم تماما كما تلاعب «عبد العزيز آل سعود» ب «إخوان من طاع الله» ليصعد كرسي الحكم ثم يبيدهم بالطائرات البريطانية؟!. هل نستمر في غفلتنا ونستقبل ذات الصفعات على أقفيتنا بعد مئة عام؟! أم نفيق لنرى ما نحن فيه من طاحونة يدريها الغرب في غفلة تامة منا وانسياق مريب!