توقع منتدي سياسي عقد مع ثلاثة من خبراء "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني" أن يسير الجنرال السيسي على نفس عجلات قطار مبارك الاستبدادية ، ويقمع الحريات ويعتقل معارضيه ويمنع الحريات ، وأنه من المحتمل أن تزيد القيود على حرية التعبير بعد تولي السيسي السلطة ، وسلوك مصر مسار استبدادي يدعو للأسف. وقال الخبراء الثلاثة (إريك بيورلند - اريك تراجر - ميشيل دنفي) أن الأمل بدفع السياسة المصرية باتجاه أكثر ديمقراطية في الوقت الراهن ضعيفٌ للغاية ، وأن انتقاد الجيش بات من المحظورات في مصر مع تولي السيسي ، لأن هوية السيسي مرتبطة بالجيش المصري، وبالتالي بات انتقاده من المحظورات . وقالوا – في الدراسة التي نشرت بعنوان (نحو عهد السيسي : صفحة جديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدة ومصر؟)Toward the Sisi Era: A New Page in U.S.-Egypt Relations ؟ يوم 6 يونيه الجاري - أن الصراع بين «الإخوان المسلمين» والقوات المسلحة المصرية أصبح "نزاعاً وجودياً " ، ما يعني عدم توقع مصالحة قريبة ولا قدرة واشنطن علي دفع السيسي لإدراج الإخوان ضمن المصالحة . وقالوا أن مشروع قانون البرلمان الجديد يشكل نقطة عودة إلى النظام الانتخابي المتبع في عهد مبارك حيث كانت ثلاثة أرباع المقاعد تُنتخب على أساس النظام الفردي ، وهذا الأمر سيحبط عزيمة الأحزاب السياسية الجديدة التي كانت تعتقد أنها ستستفيد من غياب «الإخوان المسلمين» عن الساحة السياسية. وشدد بعضهم ممن تابعوا انتخابات الرئاسة الاخيرة من مصر علي أنه على ضوء ما توصل إليه المراقبون الأجانب " لم يظهر إقبالٌ حقيقي على الاقتراع، ولا تبدو نسب الناخبين التي صرّحت عنها الحكومة موضع ثقة" ، أي مزوره . وأكدوا أن "قمع الحكومة للمعارضة، والاعتقالات الواسعة النطاق، وإقرار قانون تظاهر جديد، جعلت من الصعب إجراء انتخابات ديمقراطية صادقة". وأن السيسي أعتمد علي نفس الشبكات التي أعتمد عليها مبارك سواء العشائر والقبائل أو رجال الأعمال الذين تولوا الإنفاق علي حملته الانتخابية أو العودة للخطوط الحمراء في الاعلام بمنع نقد المسئولين ، فضلا عن العزف علي نغمة "القومية" .
وفيما يلي أبرز ما قيل في المنتدى علي لسان الخبراء الثلاثة : إريك بيورلند - رئيس مؤسسة الديمقراطية الدولية شهد الأسبوع الذي سبق الانتخابات الرئاسية في مصر انتشار المراقبين الدوليين في جميع أنحاء البلاد حيث اطّلعوا على آراء المواطنين حول العملية الانتخابية. وبصورة إجمالية، بلغ عدد المراقبين 86 شخصاً مثلوا 17 دولة مختلفة وتوزعوا على 25 من أصل 27 محافظة مصرية. وعادة ما يُطلب من مراقبي الانتخابات توخّي الحياد واحترام القوانين المحلية؛ لذلك لا ينبغي اعتبار وجودهم بمثابة مصادقة على العملية. وفي هذه الانتخابات تحديداً، اعتمد المراقبون نظاماً مبتكراً لجمع المعلومات، شمل إدخال البيانات لحظة استقائها على أجهزة لوحية محمولة. وعلى ضوء ما توصل إليه هؤلاء من استنتاجات محلية، حيث لم يظهر إقبالٌ حقيقي على الاقتراع، لا تبدو نسب الناخبين التي صرّحت عنها الحكومة موضع ثقة. وعلاوة على ذلك، برزت مخاوف جدية من البيئة السياسية القمعية التي أحاطت بالانتخابات. فمع أن الدستور المصري يحمي حرية التعبير وغيرها من الحريات، إلا أن قمع الحكومة للمعارضة، والإعتقالات الواسعة النطاق، وإقرار قانون تظاهر جديد، جعلت من الصعب إجراء انتخابات ديمقراطية صادقة. وجدير بالذكر أن حملة حمدين صباحي، المرشح الرئاسي الوحيد الذي نافس عبد الفتاح السيسي، تحلّت بفسحة سياسية للمنافسة أكثر من الترشيحات السابقة، حيث توفرت له إمكانية أفضل للوصول إلى وسائل الإعلام والظهور على أنظار البلد أجمع. إلا أن الإعلام المصري رجّح كفة الميزان بشدة لصالح السيسي، كما شنّت الحكومة حملة قوية لاستنباط الأصوات وتحفيز الناخبين. وفي يوم الانتخابات نفسه جرى فرض العديد من القيود التي جعلت الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للمراقبين من ناحية الوصول إلى العملية الانتخابية. وبينما تمكنت بعض الفرق المحلية من نيل التفويض، واجهت فرقٌ أخرى ذات آراء سياسية معينة عوائق وعقبات إجرائية متواصلة. وصحيحٌ أن مستوى تدريب المسؤولين عن الانتخابات كان أفضل، إلا أن استحالة الطعن بقرارات لجنة الانتخابات الرئاسية يتعارض مع كافة المعايير الدولية. كما شهد يوم الانتخابات حضوراً مكثفاً للقوى الأمنية من جيش وشرطة وغيرها من العناصر المسلحة. وقد وقع المراقبون على عددٍ كبير من الأفراد الذين تواجدوا بزي مدني أو عسكري داخل مكاتب الاقتراع، علماً بأن دورهم كان أكثر بروزاً مما هو مستحب. كما اتخذت الحكومة أيضاً قراراً في اللحظة الأخيرة بتمديد الانتخابات ليوم واحد، مع أن المراقبين لم يجدوا أي عراقيل اعترضت الناخبين واستدعت اتخاذ إجراء كهذا، لا سيما وأن هذه التمديدات لا يجوز أن تحصل إلا في ظل ظروف استثنائية. واليوم وفي أعقاب الحملة الانتخابية الرئاسية، يناقش المصريون مشروع قانون للانتخابات البرلمانية. ولعل السلطة التشريعية الجديدة تمنح البلاد فرصةً لإعادة ضبط توجهاتها وشمل أصوات أكثر في العملية السياسية. إريك تراجر – باحث في معهد واشنطن تقف واشنطن أمام معضلة ما بين الاستمرار بتقديم الدعم العسكري لدولةٍ تسير باتجاه النظام الاستبدادي، أو قطع هذا الدعم من أجل تشجيع الاعتماد على نظام ديمقراطي. لكن الواقع هو أن الأمل بدفع السياسة المصرية باتجاه أكثر ديمقراطية في الوقت الراهن ضعيفٌ للغاية. واللافت هو أن حملة الانتخابات الرئاسية التي اتبعها السيسي قد انتهجت الاستراتيجية السياسية نفسها التي اعتمد عليها الحاكم المستبد السابق حسني مبارك. فقد اتكّلت : أولاً : على شبكة القبائل والعشائر الداعمة لمبارك من أجل حشد الأصوات، لا سيما وأن هذه العشائر تهيمن على الحياة الاجتماعية والسياسية خارج المدن الكبرى حيث يعيش نحو ثلثي الشعب المصري. (عضو بحملة السيسي زعم أن هذه العشائر والقبائل تشكل 15 مليون مصري) ثانياً : اعتمد السيسي على رجال الأعمال لتمويل تكاليف اللافتات والأعمال الدعائية مستفيداً من قواعد دعمٍ سياسي متفرقة بشكل غير مركزي في جميع أنحاء البلاد - وتشبه هذه المقاربة النهج الذي اتبعه مبارك إلى حدٍّ بعيد. ثالثاً، يتبين من وقف البرنامج الساخر "البرنامج" للإعلامي باسم يوسف مؤخراً، أن الخطوط الحمراء القديمة عادت لتظهر مجدداً حيث بات مرفوضاً اليوم السخرية من السيسي كما كان مرفوضاً في السابق السخرية من مبارك. رابعاً، يتملك اليوم الإعلام المصري حسٌّ جامح بالقومية - إذ تتخوف عدة محطات من أن تعيد الحكومة الجديدة وسائل الإعلام الحكومية إلى الساحة، فتراها تدعم السيسي بشكل مفرط لتفادي ظهور محطات منافسة لها. وحيث أن المسار الاستبدادي الذي تسلكه مصر يدعو للأسف، تواجه واشنطن ثلاثة تحديات في إطار تشجيع الديمقراطية حالياً. أولاً : افتقار مصر إلى حزب ديمقراطي منظّم: ف جماعة «الإخوان المسلمين» أثبتت ميولها الاستبدادية خلال السنة الرئاسية لمحمد مرسي، بينما تدعم أطراف غير إسلامية حالياً قيادةً تحكم بالطريقة الإقصائية نفسها. ثانياً : عدم ثقة الرأي العام المصري بواشنطن بصورة مزعزعة جداً. ثالثا : أما التحدي الثالث فهو أن الصراع بين «الإخوان المسلمين» والقوات المسلحة المصرية يبقى نزاعاً وجودياً. فالسيسي ومَن حوله يقلقون من أن تتمكّن «الجماعة» من حشد قواتها لتعود إلى السلطة وتسعى إلى الثأر. والواقع أن هذا القلق ليس نظرياً بحت، لا سيما وأن «الإخوان المسلمين» يكررون بانتظام أنه يريدون إعدام السيسي. ولذلك تعتبر الحكومة أن دعوات "المصالحة" مع «الجماعة» أشبه بعملية انتحار - وما من شيء تستطيع واشنطن أن تقدّمه أو توقفه لإرغام القاهرة على إشراك «الإخوان المسلمين» في الحياة السياسية حالياً. وبما أن واشنطن لا تستطيع الحصول على مصر الديمقراطية التي تريدها، يجدر بها بدلاً من ذلك أن تسعى للحصول على مصر التي تحتاجها: ألا وهي دولة تتوافق مع الولاياتالمتحدة من الناحية الاستراتيجية. وفيما يخشى الكثيرون في واشنطن من أن يعتبر المواطنون الدعم العسكري للحكومة الحالية بمثابة دعمٍ للنظام المستبد، يميل المصريون إلى اعتبار الدعم العسكري ضمانةً لأمنهم القومي وليس أداةً للتأثير على السياسة في بلادهم. ومع أنه لا يجدر بواشنطن صرف النظر عن مسار مصر باعتباره "انتقالاً إلى الديمقراطية"، عليها أن تنظر بواقعية إلى قدرة أمريكا على تحديد شكل هذا المسار في الوقت الراهن، وتركز ببدلاً من ذلك على الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. ميشيل دن – عضو برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي من الواضح أن مصر تعاني أزمة إرهابية فعلية، ناهيك عن الانتهاكات المستفحلة لحقوق الإنسان حيث يتم اعتقال أو قتل الكثيرين خلال التظاهرات، والتقارير المنتشرة عن أعمال التعذيب، فضلاً عن القيود الكبيرة على حرية التعبير. ومن المحتمل أن تزيد القيود على حرية التعبير بعد الانتخابات: ففي مرحلة لاحقة من عهد مبارك، بات مقبولاً انتقاد الرئيس إنما رُفض رفضاً قاطعاً انتقاد القوات المسلحة المصرية ، وبما أن هوية السيسي مرتبطة بالجيش المصري، بات انتقاده من المحظورات . ونظراً إلى أن الجيش المصري يعتبر نفسه وسط نزاعٍ وجودي، لا تستطيع الولاياتالمتحدة كبح الانزلاق نحو الاستبدادية. ولكنه لا يناسب واشنطن أن تبقي على نوع المساعدات نفسه الذي قدّمته لمصر في الماضي. لذلك سوف تعترف الحكومة الأمريكية بالرئيس الجديد وسوف تعمل مع القاهرة بشأن احتياجاتها الأمنية المشروعة، لكن العلاقة بين البلدين فقدت توازنها في ما يتعلق بما تحتاجه مصر فعلياً. فقد تطورت على مدى الأعوام لتركز على الناحية الأمنية بينما ضعفت من الناحية الاقتصادية والشعبية. وعلى النحو نفسه شدد السيسي في المقابلات التي أجراها خلال الأشهر الماضية على إعادة بناء الدولة ولكنه لم يتحدث إلا القليل عن الشعب والتمكين. وبالتالي، يجب على الولاياتالمتحدة أن توضح أن شراكتها هي مع دولة مصر وليس مع جيشها فحسب. وعلى هذا الأساس، يجب إعادة توجيه المساعدات الأمريكية نحو الشعب المصري. إذ ثمة جيلٌ صاعد من الشباب المصري الذي يحتاج إلى التعليم والتحضير لسوق العمل. ولا ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تقع في فخ معادلةٍ لا ربح فيها ولا خسارة - فقد آن الأوان لإعادة النظر في أعمالها، بحيث تنطلق من القاعدة إلى القمة. ومن غير المرجح أن تؤثر إعادة تقييم حزمة المساعدات على تعاون القاهرة مع الولاياتالمتحدة، الذي استمر حتى خلال فترة تعليق المساعدات. ولا يجوز أن تؤثر على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل أيضاً؛ فمصر التزمت بهذه المعاهدة حتى في عهد مرسي. وأخيراً، على الرغم من أن الدستور المصري الجديد يمنح البرلمان دوراً أكبر، سيشكل مشروع قانون البرلمان نقطة عودة إلى النظام الانتخابي المتبع في عهد مبارك حيث كانت ثلاثة أرباع المقاعد تُنتخب على أساس النظام الفردي. وهذا الأمر سيحبط عزيمة الأحزاب السياسية الجديدة التي كانت تعتقد أنها ستستفيد من غياب «الإخوان المسلمين» عن الساحة السياسية. وانطلاقاً من هذه الظروف وغيرها، يجب على الولاياتالمتحدة ألا تنفق مساعداتها على فرق ضخمة من مراقبي الانتخابات، إذ أن هكذا خطوة قد تمنح صفة الشرعية للانتخابات غير التنافسية، على غرار تلك التي حدثت للتو