نحن لا نعترف بأخطائنا، إذن نحن نفشل.. لا يعترف الإخوان بأنهم هواة، وبأن النوايا الحسنة وحدها لا تبني دولاً، ولا تسقط أنظمة مستبدة، يسقط الإخوان. لا يعترف غير فصيل من فصائل الثورة أنهم كانوا جزءًا من خطة الثورة المضادة بمراهقتهم وسذاجتهم واندفاعهم، وعدم تفريقهم بين الخصم السياسي وبين العدو، تفشل يناير – مؤقتًا – وتعود دولة مبارك. نحن لا نعترف سوى بأخطاء الآخرين. *** فيلم المندس، وثائقي أعده (مهند) صحفي اندس حرفيًا بين المواطنين الشرفاء، الذين أيدوا العسكر، والشرطة، وتصدوا لمظاهرات الإخوان وضربوهم في أكثر من حي من أحياء المحروسة ليحموا أرضهم وبيوتهم من تجار الدين، هكذا رأيناهم في وسائل الإعلام، في الجرائد، أمام الشاشات، وصدقناهم، ليس لأنهم صادقون، لكن لأننا نريد أن نصدق. من منا لم ينله يومًا نصيب من مكايدات الإخوان، وشماتتهم في ضعف فصيله السياسي بالمقارنة بجيشهم الجرار، وفي محدودية تأثير فكرته في الجماهير بالمقارنة بانتشار أفكارهم، وتصديق الناس لها، من قبل حتى أن تولد، أو توجد، أو يكون لها أي أثر على الأرض، مجرد تقديم الفكرة باسم الله يفتح كل الأبواب، كلنا حانق على هذه الكائنات اللزجة التي لا تكف عن معايرتنا بفقرنا، وضعفنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، وها هي الفرصة جاءت ل"فش الغل" فلنفعل ولو على حساب الحقيقية.. كلنا شارك في مسرحية "الناس" الذين ثاروا ضد الإخوان وضربوهم وطاردوهم فهزموهم شر هزيمة ولم يكن ينقصنا سوى "التكبير"... مهند اندس بين المواطنين الشرفاء، وصورهم، وصور كل المظاهرات التي طالتها عدسته ليثبت لنا أن هؤلاء الشرفاء ما هم إلا أجراء دولة مبارك من البلطجية الذين شاركوا في كل الفعاليات تحت أسماء ولافتات مختلفة: أنصار مبارك، احنا آسفين ياريس، مواطنون شرفاء، نشطاء سياسيين، إخوان وتم القبض عليهم بحوزتهم سلاحًا.... إلخ. فيلم المندس، مثل سد الحنك، حاول أن تمارس معه هواية التربص بأي تفصيلة لربما استطعت إثبات كذبه أو تحامله أو انحيازه للإخوان، ومن يدري لعلها فرصة جديدة لتثبت للعالم أن الجزيرة ليست مهنية، وإننا حلوين من يومنا والله، لكنك ستضيع وقتك يا صديقي، ببساطة، مهند لم يتكلم قدر ما تكلمت الصورة بالحقائق عارية... ولو نطق لسان حالها لأخبر بخيبتنا الثقيلة. المواطنون الشرفاء اتضح أنهم بلطجية، الناس لم تواجه الإخوان ولم تضربهم، وكل محاولات صناعة السخط الشعبي على الإخوان، تلك التي أنجحوها بنا وبالدبابات، اتضح أنها كاذبة، ليس هذا فحسب، بل إن مهند رصد بلطجية مندسين بين الثوار أنفسهم، ليثبت أنه ما من سلوك ميداني يمكن نسبته إلى فصيل بعينه، فالجميع مخترق، وبدلاً من أن يبذل الجميع جهده لتنقية صفوفه تفرغوا للتبرير للطائفة، والتربص بالآخرين بوصفهم مجرمين، وليسوا أنقياء مثلنا، خسر الجميع، وخسرت الثورة، والمجد لبلطجية مبارك.. الشرفاء! هل أثبت لنفسك أن العلمانيين عملاء وخونة؟ هل شمت بالإخوان واستمتعت برؤية الجماهير وهي تسحلهم؟ جدع يا باشا "جت في عينه".... *** هل تذكر المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، عرفت الرجل عن قرب، ليس إخوانًا بأي حال من الأحوال، ليس لأنه يعتبرها تهمة، لكن لأنه ليس كذلك، تجاوز هذه المرحلة مثلما تجاوزها غيره، الفارق بينه وبين أعضاء الجماعة السابقين الذين زالت عنهم هذه التهمة أنه لا يعاني من عقدة نفسية اسمها إخواني سابق، ولم يكن مضطرًا لسبابهم ليل نهار، وشراء خصومتهم كلما واتته الفرصة، وخلق الفرصة إن لم تواتيه، بني آدم طبيعي، ترك الإخوان وأسس كيانًا جديدًا، وكان في الميدان هو وكل أعضاء حزب الوسط منذ اليوم الأول للثورة، 25 يناير كانوا الحزب الأكثر حضورًا في الكعكة الحجرية بميدان التحرير، لن أرهقك بتفاصيل أكثر عن كونه واحدًا من أحزاب قليلة رفضت دخول البرلمان بالاتحاد مع الإخوان ونافست الإخوان قدر إمكاناتها المادية، وفازت في بعض الدوائر بينما كان حمدين وغيره من الأحزاب المسماة مدنية يتمرغون في عز قوائم الإخوان الذين أخذوهم معهم إلى البرلمان ليكونوا لهم عدوًا فيما بعد. الآن تقول لا بل هو إخوان، أبو العلا ماضي إخوان، الوسط إخوان، الشمس والقمر إخوان، كدت أشاركك هذا الهري يومًا ما، ذهبت إلى الرجل وسألته قبل نكسة 3 يوليو بعدة أشهر: لماذا تقفون مع الإخوان وأنتم أكثر من يعرف أنهم ليسوا على مستوى المسؤولية.. أجابني: الإخوان يخوضون معركة ضد دولة مبارك، نعرف أن للإخوان مشاكلهم، لكن في معركة الثورة مع الفلول لن نقف ضد الإخوان ليقال عنا معارضون وأبطال ونترك مبارك ورجاله ليعودوا، فلتذهب المزايدات على ثوريتنا، والاتهامات بإخوانيتنا إلى الجحيم، لننتهي من المرحلة الأهم والأخطر أولاً، ثم نلتفت إلى بعضنا البعض، والإخوان مقدور عليهم... رفضت منطق الانحياز للإخوان ورفضت مجرد تصور أن الإخوان يخوضون أي معركة مع دولة مبارك... أبو العلا ماضي بعدها صرح بأن البلطجية صناعة المخابرات ورجالهم للقضاء على الثورة، واندفعنا جميعًا في وصلة "ردح" وتقريع، وسخرية، ومطالبات بالمحاكمة للإخواني المستتر أبو العلا ماضي، الذي أصرَّ على تصريحاته، واعتبرها بعضنا محاولة للتبرير لإخفاقات الإخوان فيما عزف آخرون على نغمة إسقاط الدولة... فيلم المندس يأتيك بهم نفر نفر، بصورهم، بغثائهم، يعرِّي كذبهم، يكشف شبكات العلاقات بينهم، يكاد يخبرك بمن يحركهم، وستصدق، ذلك لأن صوت الصورة أعلى من تبريراتك، ستصدق حتى لو لم تجرؤ على الاعتراف بذلك... ستصدق المندس وهو يخبرك بكلام أبو العلا ماضي الذي سخرت منه منذ شهور، الآن تحاصرك حقيقة أنك كنت مغفلاً، الإخوان أغبياء، حسنًا، أنت أيضًا غبي وجاهل، والغباء في كل الأحوال أشرف من التواطؤ، أمامك أن ترفض كل شيء وتطعن في كل شيء، وأمامك أن تعترف.. أي نعم، كنا مغفلين، الاعتراف أسلم، وأقوم، وأقصر في المسافات، دعنا نتدارك ما أفسدناه، نحن انقلبنا على يناير معهم، دعنا نرجع. درس المندس: لا تصدق.. خاصة ما تريد أن تصدقه.. ولا تتمادى، الرجوع خير من الخضوع.. والحوار خير من اللوم.