"ثورة 25 يناير المجيدة.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" هذه الكلمات تجدها مدونة على لافتة تعلو الخيمة، حملت معها الآمال للأسرة بأن يتحقق يومًا شعاراتها فتحصل على شقة تأويها بدلًا من مخاطر الشارع، لكن لم يختلف نصيبها من الثورة عن بقية الشعب فازداد حالها سوءًا، حتى يد العون التي تمدها بالمال والطعام تراجعت بعض الشيء لصعوبة الحالة الاقتصادية. وسط أبراج وعقارات فاخرة بقلب ميدان الدقي، "خيمة" مكونة من ثلاثة بطاطين رثة، تتوسطها "حصيرة" ووسادة مصنوعة من ملابس ممزقة، قمامة تحاوط الخيمة من كل جانب، تسكنها أسرة من 7 أفراد، تعيش حياة بدائية، في القرن الحادي والعشرين. نعمة محمد السيد، 32 سنة، تزوجت منذ 19 عامًا من رجلٍ بسيط لا يملك قوت يومه، لكنها اتبعت المثل الشعبي السائد "خدوهم فقرا يغنيهم الله"، ويوما بعد آخر ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فلم يجدا ثمن إيجار الشقة المكونة من حجرتين بالجيزة، فاضطر صاحب المنزل لطردهم، ليحتضنهم "الشارع"، عاشا سنوات طوال داخل الخيمة، وأنجبا بنتين وأربعة ذكور، أصغرهم طفل رضيع لم يتجاوز العام ونصف. "رضيت بالغلب والغلب مرضيش بيا" بهذه الكلمات تروي نعمة لمصر العربية ودموعها تنساب على خديها كيف تخلى عنها زوجها بعد 19 عامًا من"الفقر والبهدلة بالشوارع"، قائلة: "جوزي كان سايس عربيات وفي يوم من الأيام من سنة ونص كنت لسة حامل، اتخانق معايا وضربني، وسابنا ومشي ومنعرفش طريقه من ساعتها وكل ده بسبب قلة الفلوس مقدرش يشيل مسؤوليتنا أكتر من كده فهرب وسبنا نموت من الجوع". لم تجد نعمة مفرًا من اللجوء للتسول فتقول على استحياء "مكنش قدامي حل غير أني أسرح أنا وعيالي بنطلع من الساعة 9 الصبح ونرجع 7 المغرب، أنا أبيع مناديل في الإشارات، أخدم في البيوت، استنى لقمة ولا هدمة عدلة أو فلوس من الناس الطيبين، وعيالي كل واحد فيهم بيشتغل، واحد سايس والبت بتبيع جرايد، وولاد الحلال كتير وبيساعدونا". تمكنت نعمة من استئجار شقة صغيرة في بولاق، ولكن ما لبثت إلا شهور قليلة وعادت من جديد للخيمة، فولدها الأكبر، ذو ال 18 عامًا، تمرد عليها وطردها وأخوته من الشقة ليلهو بحياته بعيدًا عنهم، "حتى ابني غدر بي، يابني حرام عليك اللي بتعمله فينا كفاية اللي أبوك عمله ألاقيها منين ولا منين وأروح فين أنا وأخواتك"، كلمات حاولت بها نعمة استجداء عاطفة ولدها ولكنها لم تفلح. مسافات قليلة تبعد خيمة نعمة عن قسم الدقي، من حين لآخر يمر عليها مسؤولون بالحي، ويعدوها ب "شقة"، ولم يف أحد بوعده، ويبقى الأمل الوحيد لنعمة "ربنا مش بينسى حد وأكيد هيفرجها أو يخلصنا من الدنيا"، هكذا تصبر نفسها على حالها. "جنة" ابنة نعمة، لم تتخط عامها العاشر، تستيقظ كل صباح لبيع الجرائد لمساعدة والدتها في "لقمة العيش"، ليست كغيرها من الأطفال تشتهي الطعام الفاخر واللعب بالحدائق ومشاهدة التليفزيون، فقط تتمنى أن تسكن ب"شقة" بدلًا من الشارع، وتقول "نفسي يكون عندنا حمام بدل حمام البنزينة، نفسي يبقى عندنا بوتاجاز علشان نعمل أكل في البيت، كل يوم بناكل كشري، أو نستنى حد يبعتلنا أكل"، ولكن شقيقها ناصر، 16 عامًا، يأخذه طموحه لأعلى من ذلك، فيتمنى أن يستخرج بطاقة ويعمل بمهنة كويسة ويأكل"لحمة".