في توقيت متقارب؛ أقر رئيس حكومة الاحتلال المستقيل إيهود أولمرت بحقيقتين لا تخلوان من دلالات مهمة، رغم أنهما قد تكونان تحصيل حاصل، كما رأى محللون سياسيون، الأولى: انتهاء حلم "إسرائيل الكبرى" دون رجعة أو "موت إسرائيل التوارتية"، والأخرى: أن إنفاق الكيان الصهيوني على المغتصبات لمدة أربعين عاما كان عبثا بدون فائدة، لأن الضفة الغربية لن تكون ملكا للكيان الصهيوني، على حد تعبيره. ولأكثر من سبب فإن اعتراف أولمرت، برأي مراقبين، في المرتين يعد مؤشراً على هزيمة المشروع الصهيوني، خصوصاً أنه كان أكثر من أي زعيم صهيوني مرتبط بفكرة "أرض إسرائيل الكبرى"، ومن أشد الملتزمين بما يسمى عقيدة "المدرسة التصحيحية الصهيونية" ومؤسسها زئيف جابوتنسكي صاحب الشعار الشهير "دولة على ضفتي النهر"، ويقصد أن الدولة العبرية يجب أن تشمل كل الأراضي التي تقع شرق وغرب نهر الأردن: عجز صهيوني عن حماية ما تم احتلاله فالكيان الصهيوني كما تعترف مراكز الأبحاث الصهيونية لم تعد عاجزة عن توسيع رقعة احتلالها فحسب، بل أصبحت عاجزة عن حماية ما احتلته بعد حرب يونيو عام 1967 ، أو في أوقات أخرى، وهو ما اضطرها للانسحاب من قطاع غزة عام 2005، ومن جنوب لبنان قبل ذلك، عام 2000 تحت تأثير ضربات المقاومة، ويرتبط ذلك بضعف القوة الردعية لجيشها في السنوات الأخيرة، وتلقيه هزيمة نكراء، كما حصل في الحرب العدوانية التي شنها ضد لبنان صيف عام 2006 ، وفشله في علمياته العسكرية البرية الواسعة ضد غزة ( الشتاء الساخن)، واضطراره للانسحاب منها بعد توغله لعدة أيام. يعكس قلقاً صهيونياً من أن يكون التفكير التوسعي الذي كان يخطط ل "إسرائيل الكبرى" منذ تأسيس الكيان الصهيوني مدخلا يقود إلى القضاء على "إسرائيل الصغرى" إذا جاز التعبير، وهي عبارة عن الأراضي التي احتلتها عام 1948، بالنظر إلى الخشية من الخلل الديمغرافي الذي يصب في صالح الفلسطينيين، سواء الموجودين داخل ما يعرف بالخط الخضر أو الضفة الغربية، أو اللاجئين الفلسطينيين في الخارج. ووفقا لمحللين؛ فإن أهم ما دفع أولمرت للإلحاح على أهمية انجاز "سلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين"، هو البحث عن حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في إطار ما يسمى بقضايا الوضع النهائي، أي عودتهم لدولتهم المفترضة، وليس للأراضي المحتلة عام 1948 حتى لو كانت أرضهم أو أرض آبائهم وأجدادهم، وبالتالي ضمان "يهودية الدولة العبرية"، التي صاروا يعزفون على وترها في الآونة الأخيرة بشكل واضح ، وحصلوا على ضمان ودعم أمريكي من إدارة الرئيس جورج بوش بإدراجها في صلب أي تسوية مع السلطة الفلسطينية، منذ عهد رئيس الحكومة الصهيونية الأسبق أرييل شارون. دولة صهيونية نقية! أي أن أولمرت يتجه عملياً نحو مشروع "الدولة اليهودية القومية النقية" التي يتطلب قيامها الفصل الكامل بين اليهود وغيرهم ورسم حدود واضحة للكيان الصهيوني مع الدولة الفلسطينية الموعودة وجيرانها العرب، في مسعى منه لإنجاز تسوية سياسية قبل رحيله، سواء سينجح في ذلك أو يفشل. وقد عبر أولمرت عن ذلك بقوله "كنت أعتقد أن كل ما بين النهر والبحر هو لنا، ولكن في النهاية وبعد مسيرة طويلة ومخاض مؤلم وتخبطات توصلت إلى نتيجة مفادها أن علينا أن نتقاسم مع من نعيش معهم (الفلسطينيون) إذا كنا لا نرغب في أن نكون دولة ثنائية القومية". "إسرائيل الصغرى"! ومثلما أعلن أولمرت موت "إسرائيل الكبرى" التي ظلت الحركة الصهيونية تنفخ في نارها باعتبارها أرض الميعاد لليهود، مؤسسة ذلك على استجلاب اليهود من مختلف الدول لتحقيق الحلم الصهيوني، الذي بني على أكاذيب وأساطير مختلقة، معتبراً أن "من يتحدث اليوم عن أرض إسرائيل الكاملة إنما يخدع نفسه"؛ فإن الأمر برأي مراقبين؛ يفتح الباب لموت مشابه "لإسرائيل الصغرى" التي يمكن التعبير عنها بالكيان الصهيوني بوضعه الحالي، على اعتبار أن من يتحدث عن ذلك يتحدث عن ما يسمى يهودية الكيان الصهيوني، أو عن دولة "يهودية" نقية، وهو ما لم يحدث عمليا بوجود مليون فلسطيني متشبثين بأرضهم حاليا، ومع انخفاض معدلات الهجرة الصهيونية إلى الكيان الصهيوني، وارتفاع معدلات النمو في الوسط الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 فإن موت الكيان الصهيوني سيكون محققا، بعد سنوات، لأن النقاء اليهودي سينتفي عملياً. وكما قال روني ميلو الذي شغل في الماضي منصب وزير للشرطة والقضاء في حكومات صهيونية سابقة فإن "الحركة الصهيونية كانت ترغب لو أنها استطاعت إقامة الدولة على أرض لا يتواجد فيها أي فلسطيني وعملت بقوة من أجل تحقيق ذلك، لكن تبين فيما بعد أن هذا هو المستحيل بعينه". وإثر إعلان أولمرت عن موت "إسرائيل الكبرى" دعا كتاب فلسطينيون وعرب لاستثمار هذا الإقرار فلسطينياً وعربياً على أكثر من مستوى: دعم مشروع المقاومة دعم مشروع المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني باعتبارهما من أهم الركائز في موت "إسرائيل الكبرى"، وهزيمة المشروع الصهيوني، مشيرين أن المقاومة هي التي جعلت المواطن الصهيوني لا يشعر يوما بالأمن والأمان سواء في المغتصبات المحيطة بغزة، أو القدس أو عمق الكيان الصهيوني، وهي التي أسهمت في رفع وتيرة الهجرة اليهودية المعاكسة، وأدت إلى انسحاب آرئييل شارون من قطاع غزة انسحابا أحادي الجانب، وألحقت بجيشه هزيمة نكراء بلبنان 2006. وفي هذا الصدد؛ شددت حركة "حماس" على أن المقاومة هي التي حطمت نظرية "أرض إسرائيل الكبرى"، وقال المتحدث باسمها سامي أبو زهري في تصريح له: "الفضل بعد الله، في هذا التراجع لدولة الاحتلال، يرجع للمقاومة الفلسطينية التي حطمت نظرية "أرض إسرائيل الكبرى"، ودفعت قادة الاحتلال للتخلي عنها، بعدما أصبحوا عاجزين ليس عن التوسع وإنما عن حماية "مستوطنة" سديروت وقرى النقب وغيرها". استراتيجية للتعامل مع الانكفاء الصهيوني وضع استراتيجية واضحة على المستويين الفلسطيني والعربي للتعامل مع انكفاء المشروع الصهيوني إلى مستوى الأراضي المحتلة عام 1948، وخوفه من اختلال التوازن الديمغرافي لغير صالحه بوجود الفلسطينيين، وسعيه لانتزاع الاعتراف بيهودية دولته، ورفضه حق العودة للفلسطينيين (اللاجئين) في إطار ما يعرف بقضايا الوضع النهائي. ووفقاً لما سبق؛ فقد استغرب مراقبون ما أبداه رئيس السلطة الفلسطينية برام الله محمود عباس على سبيل المثال لا الحصر من حرص مستغرب على عدم انهيار الكيان الصهيوني، بسبب تخوفه من اختلال ميزان التوازن الديمغرافي فيه، في ما لو مارس اللاجئون الفلسطينيون حقهم الطبيعي والمشروع بالعودة لبلادهم التي عاشوا فيها، أو عاش آباءهم وأجدادهم على ثراها، وقد ظهر ذلك جليا في مقابلة أجراها قبل عدة أيام مع صحيفة عبرية وأكد فيها على استعداده للتفاهم حول على عودة جزء منهم فقط إلى الأراضي المحتلة عام 1948، مذكراً بالتعويض المالي لمن لا يرغب بالعودة منهم، ويتحدث عن عودة البقية للدولة الفلسطينية التي وعد بها في إطار اتفاق أوسلو، وهو ما يصب في إطار رغبة الاحتلال بانتزاع اعتراف مباشر أو غير مباشر بيهودية الكيان الصهيوني، كما تعهد بعدم السماح بقيام أي انتفاضة فلسطينية تعتمد خيار مقاومة المحتل بالقوة، كما حصل في انتفاضة الأقصى، رغم أن مقاومة المحتل بكافة الوسائل حق كفلته كل الشرائع والقوانين، وهي التي أسهمت بفاعلية في انتهاء حلم " إسرائيل الكبرى".