كانت الحالة النفسية والفكرية لقيادات الدعوة السلفية وأتباعها قبل انتفاضة 25 يناير، تتصف بالعداوة المعنوية والقلبية لسلطات الدولة الرئيسية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكانوا يستحضرون حالة الشعور بالغربة الإسلامية في ظل مجتمع تحكمه تلك السلطات "الطاغوتية"، وكانوا دومًا يوجدون بديل التعامل معها قدر استطاعتهم ويتواصون بذلك.
حتى ما يعبر عن الدولة من دستور فهو "دستور كفري"، والعَلَم المصري كانوا يسمونه صنمًا ولا يجيزون الوقوف عند تحيته، ولا يصححون ترديد النشيد الوطني لما فيه من القومية والوطنية بمعناهما المتعصب. فكانوا يحرِّمون العمل بالجيش والشرطة والقضاء، إضافة إلى تحريمهم دخول المجالس النيابية التي "تُشرِّع من دون الله". ويرون فقط جواز شغل الوظائف التي لا يضطرون فيها إلى ارتكاب المحرمات وظلم الناس، كالتعليم، والطب، والمصانع الحكومية، وما شابه ذلك. أما الجيش فلأنه جيش لا يقاتل من أجل شريعة الله، بل يقاتل تحت رايات جاهلية، وطنية وقومية، وبالتالي لا يجوز الانضمام إليه، ومن مات في حرب خاضها مع الجيش فهو ليس بشهيد؛ لأن الشهيد فقط هو من خرج لإعلاء كلمة الله، أما هذا الجيش فهو يقاتل من أجل حماية حدود مصطنعة، صنعها الغرب الكافر ليفرق الدول الإسلامية ويؤجج الانقسام والعداوة بينها. أما الشرطة فلا يجوز العمل فيها لما في ذلك من ظلم الناس والمساعدة على تطبيق القوانين الوضعية، إلا في المطافي مثلًا وما شابه ذلك من الأقسام التي لا تتعلق بتنفيذ القوانين الوضعية ولا يباشر فيها الظلم؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليأتين عليكم أمراء، يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها؛ فمن أدرك ذلك منكم.. فلا يكونن عريفًا ولا شرطيًّا ولا جابيًا ولا خازنًا". أما القضاء فلا يجوز البتة العمل به عندهم، لأنه "مؤسسة طاغوتية" تحكم بالقوانين الوضعية وبغير ما أنزل الله، فلا يجوز العمل بها أو التحاكم إليها، وإنما الواجب على المسلم والمسلمة هو التحاكم للعلماء للحكم بالشرع، وفي حالة الاضطرار والوقوف أمام الحاكم فيقوم المسلم والمسلمة بالمطالبة بأن يُحكم بشرع الله. أما المجالس البرلمانية فهي مجالس وثنية، يقوم فيها الأعضاء مقام الله في التشريع، ويتشاورون فيها في أمور قد فرض الله بعضها، ونهى عن بعضها الآخر، وهم مع ذلك مجموعة من الجهال لا يصلحون لمناقشة هذه القضايا أصلًا. وكانت الدعوة السلفية تنتقد الحركات الإسلامية الأخرى التي كانت تقدم تنازلات وتثني على هذه المؤسسات أو تتعامل معها وترى جواز الانضمام لها، وكانوا ينظرون لهم نظرة المقصر والمذنب والجاهل الذي لا يعرف دينه وحقيقة واقعه. وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وتأسيس الدعوة السلفية لحزب النور في يونيو 2011م، بدأت النظرة القديمة لمؤسسات الدولة تتغير شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى الاعتراف والثناء، مع أن العلل التي كانوا يعللون بها نظرتهم تلك لم تتغير بل زادت أكثر وأكثر! فأصبحوا يثنون على الجيش والشرطة ويتعاونون معهما، وشاركوا الجيش في انقلاب 3 يوليو، وأصبحوا يمدحون قضاء مصر "الشامخ" وينصحون بالالتزام بأحكامه، ولا يرون صحة الاعتراض عليها - لدرجة أن المستشار الزند قد وقف مصفقًا لهم على مواقفهم المشرفة تجاه القضاء - وبالطبع دخلوا مجلس الشعب والشورى. وهكذا تغيرت النظرة من العداء إلى الوفاق، وصارت الدعوة السلفية مع الوقت أداة من أدوات السلطة الانقلابية القمعية بمصر، يخدرون بها الناس ويقنعون الجماهير بالرضى بالأوضاع الجديدة غير الشرعية؛ فتقوم الدعوة السلفية وحزب النور بذلك تحت دعوى حقن الدماء والاستقرار.. ومن أجل الشريعة!