* مينا موحد القطبين يئن فى مقبرته من ذلك المستقبل المظلم المشبع بالتفتيت لدولة وحدها من آلاف السنين. * محمد على بانى مصر الحديثة يتملل فى مدفنه من أحفاد الذين ضيعوا ما جمعه من أراضى طيلة حكمة قطعة تلو الأخرى. * عبد الناصر يصرخ من قبره لماذا تخليتم عن مشروع الوحدة العربية من بعدى وتفرطون اليوم فى وحد الوطن. من شواهد الأحداث أن القوى الكبرى قررت تقسيم مصر، وهى تعيش أوهن مرحلة لها، ووطن هش خارت قواه، وقوى سياسية مشتتة، وفصائل متباعدة، يجمعهما لغة واحدة التخوين والتشكيك والأقصاء، وهى عوامل فاعلة فى هدم الدولة وتقطيع أوصالها اربا، فوجدت أمريكا وإسرائيل فرصتها السانحة لتمرير مخطط التمزيق والتقسيم.. بعد أن حاصرتها من كل الجهات، ليبيا التى تسود فيها الفوضى الخلاقة، وخطر التقسيم يمضى على قدم وساق فيها، وستعلن بشائره خلال الأيام القادمة، ويتم تأجيج قضية حلايب وشلاتين الحدودية بين مصر والسودان ، وأصبحت الجبهة الجنوبية ساخنة. والانقلابيون ناصبوا العداء المجانى مع حماس منذ قيام انقلابهم، وسط ترحيب إسرائيل منقطع النظير وتأييد لا حدود له للسيسى وسياساته.. وفى خضم هذا المشهد المتأزم داخليا وساخن على الحدود البرية الثلاثة كان يجب تفعيل مخطط التقسيم المعد سلفا منذ عشرات السنين. فترسل أمريكا وإسرائيل فى توقيت متزامن سفرائهما لمصر، وهما يحملان معهما سيناريو التقسيم، فسفير إسرائيل حاييم كورن سبق أن عمل في جنوب السودان، ورشحت أمريكا سفيرها السابق بالعراق روبرت ستيفن بيكروفت، ليكون سفيرًا لها بالقاهرة، في وقت وصل القاهرة اليوم حاييم كورن سفير إسرائيل الجديد الذي شغل منصب سفيرها في جنوب السودان. ومن المعلوم بالضرورة أن تركمانستان رفضت، تولى حاييم كورن منصب سفير لديها، وأبلغت إسرائيل بذلك، وعزت القناة “العاشرة” الإسرائيلية، رفض تركمانستان له “لسمعته في جنوب السودان، والجدل الذي دار حوله بشأن التدخل هناك”، بعد أن اتهمته جوبا أكثر من مرة بتوتيرعلاقتها مع الخرطوم. ويأتى اختيار السفير الأمريكي الجديد من خلفية دوره الخطير في أزمة العراق الحالية التى ساهمت بقدر كبير فى تمزيق أوصال بلاد الرافدين وتثبيت أركان التمزق إلى ثلالث دويلات.. فالسفير يأتى محملا بسيناريو معد لمصر يتشابه مع الخريطة المستهدفة لتقسيم العراق. ولم يكن سيناريو التصعيد مع الشقيقة ليبيا إلا جزء من هذا المخطط فى توريط مصر في صراعات حدودية إقليمية ضد دول عربية بما يهدد وحدة مصر وأمنها القومي ويدفع بها إلي سيناريو التقسيم. يتزامن ذلك كله مع إعلان التقسيم الجديد لمحافظات مصرخلال حديث عبد الفتاح السيسي فى الجزء الثاني من حواره مع أبراهيم عيسى ولميس الحديدى الذى يحمل فى طياته وضع أساس للدولة المسيحية في وادي النطرون. الغريب أن هذا المخطط حاولوا تمريره خلال حكم مبارك وفشلوا، ثم تكررت المحاولة مع الرئيس محمد مرسي ولم ينفذ. ووجدوا فى السيسى الفرصة المواتية لتحقيق هدفهم فعادوا تقديم المشروع للمشير الذي عرض أثناء حواره ذات الخريطة التي تنشيء محافظة في وادي النطرون لتكون أساس دولة الرهبان التي يعملون عليها منذ 30 عاما. وهنا سأقتبس من مقال الزميل عامر عبد المنعم تفاصيل هذا التقسيم الإدارى الجديد والتنفيذ الدقيق لما خططه أصحاب التوجه الانفصالى من المسيحيين المصريين لإيجاد الرقعة الجغرافية المطلة على البحر التى ستكون بداية لتأسيس الدولة القبطية المزعومة: "من المعروف أن بعض المسيحيين المصريين يتوقون إلى إقامة دولة خاصة بهم منذ نصف قرن تقريبًا ظنًا منهم أن الفرصة مواتية لضعف المسلمين وخضوع الدولة المصرية للهيمنة الغربية الصليبية.. ولأن إقامة دولة يحتاج إلى شعب وأرض، كان المطلوب هو البحث عن المكان المناسب، فاختار أصحاب هذا التوجه الانفصالى وادى النطرون والصحراء حتى الساحل الشمالى، ضئيل الكثافة السكانية، إذ لا يزيد سكان هذه المنطقة عن 80 ألف نسمة. فبدأ التوسع فى الأديرة بمنطقة وادى النطرون وتحويلها إلى قبلة للمسيحيين، وبدأت الماكينة تعمل من خلال العلاقات الرسمية وغير الرسمية باستخدام طرق عديدة للتمهيد لهذه الدولة فتم الآتي: أولاً: بدأ دير الأنبا مقار يتوسع للسيطرة أولاً على وادى النطرون كله وعدم الاكتفاء بالموجود، وتحقق للدير ذلك. ثانيًا: وعندما سيطر الدير على الوادى المنخفض عن سطح البحر بدأ يتحرك شمالاً للسيطرة على الأراضى وحتى العلمين بالساحل الشمالي، ووضع الدير يده على آلاف الكيلو مترات بالصحراء الغربية بحجة الاستصلاح. ثالثاً: بدأ دير الأنبا مقار فى التحرك شرقاً منذ السبعينيات، للسيطرة على المساحات الواقعة بين الدير وطريق مصر الإسكندرية الصحراوى لوضع يده على الأراضى الواقعة بين الكيلو 26 حتى الكيلو 118 طريق مصر الإسكندرية الصحراوي. رابعًا: استغلال أنصار المخطط الانفصالى أزمة السلطة قبل الثورة وبعدها وحتى الآن، فى الاستيلاء على آلاف الأفدنة فى الصحراء الغربية، من جنوب البلاد وحتى شمالها، وآخر هذا التمدد المسيحى على الأرض استيلاء رهبان من الإسكندرية منذ أيام على 9 آلاف فدان فى وادى الريان بالفيوم وهى محمية طبيعية، مستغلين ضعف سلطة الدولة والاستقطاب السياسى الذى أوجد حالة من الفراغ، وانشغال الرأى العام بالمعارك السياسية فى وضع اليد على مساحات شاسعة من الأراضى وبناء أسوار خرسانية عالية وفرض سياسة الأمر الواقع". انتهى الاقتباس ولا يغيب عن بالنا تلك التصريحات التى ابتلعها المشير وقادته والمخابرات من رجل الأعمال نجيب ساويرس بالتهديد بحمل السلاح ومواجهة مظاهرات الإسلاميين المعترضة على الانقلاب وإزاحة الرئيس مرسى، وتخللت كلماته تهديدا مبطنا بالحرب الأهلية. الغريب أن المصريين منشغلين بالانتخابات ويغضون الطرف عن أهم قضية تمزقهم وتقطع أوصالهم، ستنقل الصراع السياسى والايديولوجى من الفضاء الإعلامى إلى واقع على الأرض يعيش فى مناطق جغرافية محدده ومرسومة سلفا.. ولا يجب أن نستهين بخلفيات السفرين الأمريكى والإسرائيلى فى تمزيق السودان والعراق، ولا يجب التعامل مع تصريحات ساويرس بأنها كلمات عابرة خرجت كرد فعل، ولا بالخريطة الجديدة التى يتبناها السيسى فى برنامجه الانتخابى والتى تزامنت وتواكبت جميعها فى توقيت زمنى واحد، ليؤكد أن مخطط التقسيم بدأت معالمه تتضح وتظهر جليا وخطوات تنفيذه دخلت حيز التنفيذ فعليا وشواهده بانت للعيان.