لا خلاف على أن شهر رمضان المبارك هو شهر عبادة يفترض ان يقضيه المسلم في الصيام والقيام والمزيد من الاستغفار ، ويفترض ان نعيش ايامه ولياليه بعيدا عن الانانية ، وخارج اطار الاهتمامات الدينوية المحض. غير ان هذا الافتراض لا يعدو ان يكون نظريا بالنسبة للغالبية العظمى من الناس ، فإلى جانب الصيام والصلاة ، هناك اهتمامات مختلفة لهؤلاء الناس ، يطغى بعضها على فرضية قضاء الشهر الفضيل بالتعبد والتهجد والقيام بواجباته الدينية . احسب ان اكثرية من الناس تهتم بالطعام والشراب ، ونسبة لا بأس بها تقضي ليالي الشهر الفضيل على موائد الاكل حتى الفجر ، وتصاحب ذلك بعض السهرات البريئة نظريا في خيام رمضانية مجهزة بالالعاب واسباب اللهو والتسلية للترويح عن الصائمين ، وتخفيف آثار معاناة الصيام عنهم!! وأحسب ان الناس ينشغلون نهارا بتدبير أمور الافطار وتجهيز المائدة وهو يعانون بشدة من آثار الصيام في هذا الوقت القائظ والفصل الحار ، وهم كذلك يئنون تحت وظائف غلاء الاسعار ، وارتفاع تكلفة شراء المواد الغذائية من فواكه وخضار ولحوم وحبوب وحلويات ، هي عدة مائدة الافطار ومائدة السحور !! امام هذا تضعف كثيرا الناحية الروحية ، وتقل الفوائد التي ينتظرها المسلم من صيامه وقيامه وتهجده ، خلال الشهر الفضيل، امام هذا تلتفت النفوس والقلوب والارواح إلى شواغل زائفة (دنيوية) تقلل من حصيلة الثواب الذي يرغب الصائم في الفوز به في نهاية شهر الصوم الفضيل . ما الذي يستطيع ان يفعله الصائم ليخفف من تلك الآثار الناجحة عن انشغالات دنيوية يومية ضرورية ؟! هل يستطيع ان ينقطع عن الدنيا ؟! هل تظهر دعوة للتقشف ؟! ام تبرز دعوات اخرى تجمل الرغبة في الانعزال والاعتكاف عن الآخرين والتزام المساجد والجوامع والمنازل بحثا عن (خلوة) روحية ورغبة في الفوز بالثواب الآجل ، لا الفائدة العاجلة ؟! نلتفت حولنا ، فنرى ان الدنيا غير الدنيا ، وان عادات اهلنا ، آباء واجدادا ، واجداد الاجداد ، قد اصبحت خلف ظهورنا.. وان ليالي رمضاناتهم تختلف كثيرا عن ليالي رمضاننا الذي مضى !! ورمضاننا هذا الذي لم يلبث انه بدأ ، ونستغرب ان يكون الحال ، أو تكون ، على هذه الشاكلة ، وان نشهد تراجعا ، في ما اعتدنا عليه من قيم رمضان وتقاليده ايام كنا صغارا وايام آبائنا واجدادنا .. بل حتى عما اعتدناه نحن قبل سنوات قليلة ماضية . سننشغل شئنا أم أبينا بالمسلسلات الرمضانية والبرامج الترويحية والترفيهية ، والفوازير ، وضخامة العروض التي تقدمها الفضائيات والمسابقات والجوائز التي تعرضها علينا ، سننشغل بهذا كله ، عن هدف الصوم الحقيقي ورسالته ، وسنظل نعيد القول ان هذا ليس ذنبنا لكنه ذنب الفضائيات عفا الله عنها .