دعا رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، السبت (23/9)، الأمتين العربية والإسلامية إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المحاصر والمكلوم، مطالباً العرب والمسلمين بأن يدعموا هذا الشعب سياسياً ومالياً واقتصادياً "لأنّ الضر بلغ مداه ووصل إلى كل بيت وأسرة". وتوجه رئيس الوزراء الفلسطيني إلى علماء الأمة، وعلى رأسهم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، كي يوجهوا النداءات لكل أبناء الأمة، بأن يقفوا الى جانب الشعب الفلسطيني وألا يتركوهم نهباً للاحتلال وللحصار والجوع.
وأضاف هنية "لقد رفضنا أن نتنازل عن حقوقنا وثوابتنا وأن نمنح الاحتلال شرعية على أرضنا وترابنا وقدسنا, ولأجل ذلك حاربونا في لقمة عيشنا، ومنعوا وصول أموالنا التي تبرعت بها دولنا العربية والاسلامية الشقيقة، بل وألّبوا علينا القريب والبعيد لكي يجعلوا الحياة عذاباً وألماً".
جاء ذلك في كلمة مكتوبة وجهها رئيس الوزراء الفلسطيني إلى الأمتين العربية والإسلامية، بمناسبة شهر رمضان المبارك، ووُزِّعت عبر وسائل الإعلام، وتلقى "المركز الفلسطيني للإعلام نسخة منها".
وقال إسماعيل هنية في كلمته "لقد وقفنا أمام هذا الحصار مع أبناء شعبنا وقفة رجل واحد, نتألم لألمه ونحزن لحزنه ونحمل معه من الهم ما حمل, وسعينا بما أتانا الله من قوة وقدرة لفك هذا الحصار وكسره وتقديم لقمة العيش لأطفالنا وأيتامنا ونسائنا المعذبات، لقمة ممزوجة بالكرامة وليس لقمة مشتراة بأي ثمن"، معيداً إلى الأذهان أنّ "السنوات التي قضاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في شعب أبي طالب وهم يحاصرونه ويجوِّعون أصحابه ويمنعون عنهم كل شيء؛ لم تمض حتى كتب الله لهم النصر والغلبة, تعليماً للناس بأنّ الصبر على المبادئ والقيم يقود حتماً إلى نصر وتمكين".
وأشار رئيس الوزراء الفلسطيني في كلمته إلى أنها "لمناسبة عظيمة أن أخاطبكم في مستهل شهر رمضان المبارك, شهر الخير والرحمات والبركات, شهر النصر والفتوحات, شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، هذا الشهر الذي يلهمنا المزيد من قوة الإيمان ورسوخ اليقين والأمل بنصر الله وتوفيقه، هذا الشهر الذي يجمعنا اليوم تحت مظلته, حكاما ومحكومين, فقراء وأغنياء, رجالاً ونساء, لكي يذكرنا دوماً بما امتن الله به علينا بأننا "أمة واحدة"، وأنه لا مجال لهذه الأمة إلاّ أن تتوحد رغم ما تواجهه من أخطار وتحديات".
وأضاف رئيس الوزراء إسماعيل هنية أنّ "الشهر الذي يشعرنا بقوة الصبر وقدرته على هزم إرادات الشهوة والخنوع لنزوات الأرض، هذا الصبر الذي تسلّحنا به دوما طوال حياتنا ونحن نكابد ألم الاحتلال وجرائمه المرّة القاسية, فكان رمضان يمنحنا المزيد من القوة والمزيد من الثبات والمزيد من العطاء, فظلّت أرضنا عالقة بأرواحنا، وظلت القدس تصاحبنا في حلنا وترحالنا, وظلت صورة اللاجئين المهجرين ملازمة لنا أينما كنا, وظلّت معاناة شعبنا تذكرنا بأننا على الحق، وأنّ قضيتنا عادلة وأنّ كفاحنا مشروع".
ومضى هنية إلى القول "يأتي رمضان ونحن نكابد هذا الحصار الظالم الذي يريد أن ينال من صمودنا وعزيمتنا وثباتنا على حقوقنا، لكنّ رمضان علّمنا عظمة الصمود أمام محنة الجوع, وعلّمنا عزة النفس أمام إغراءات وشهوات الحياة, وعلّمنا قدسية الرباط والثبات أمام محاولات التركيع والابتزاز".
واستدرك إسماعيل يقول "صحيح أنّ أوضاعنا قاسية مريرة, عانينا فيها كلنا, حكومة وشعباً وموظفين وعمالاً وأولياء أمور، وصحيح أنّ هذا الحصار الظالم لم يدع بيتاً إلاّ وأصابه بشيء من الجوع وشظف العيش؛ لكننا نؤكد بأننا شعب قوي الإرادة, عصي على التطويع والانكسار, شامخ شموخ الجبال، وما كان لهذا الحصار وهذه المقاطعة أن تنال منا ومن إيماننا بعدالة قضيتنا".
وشدّد هنية على أنّ "ارتباطنا الأول والأخير هو بالله عز وجل, الذي علّمنا في قرآنه العظيم أن نتكل عليه ولا نتكل على أحد سواه, وأن نفوِّض أمرنا إليه وألاّ نلجأ منه إلا إليه"، مستشهداً بقوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه), وقوله (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).
وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني أنّ "ثقتنا بالله, العلي القدير, كبيرة ليس لها حدود, وإيماننا به يملأنا يقيناً بأنه مهما تكالبت علينا الأمم ومهما تآمرت ومهما حاصرت وبغت؛ فإنّ الأمر مرده لله, ينفذه بحكمته ويمضيه بإرادته".
ولفت هنية الانتباه إلى "أننا ونحن نتفيأ ظلال هذا الشهر الكريم, الذي وسع الناس رحمة وخيراً, لنذكر بعضنا البعض, بأننا لا زلنا أخوة في الدين, أخوة في الوطن, نبحر في قارب واحد، ونواجه عدواً مشتركاً, لذا ليس أمامنا من خيار إلا تعزيز وحدتنا وأخوتنا"، وقال "إنّ هذه المعاني العظيمة التي علّمناها شهر رمضان المبارك الذي حثنا على التكافل والتراحم والمودة".
وحذّر رئيس الوزراء الفلسطيني من أنه "لا مكان بيننا - في هذا الوطن - لكراهية أو حقد أو بغضاء، لا مكان للشحناء والعداوة والتفرق, فلننبذ بيننا كل هذه الأمراض السقيمة التي لا تعود علينا إلاّ بكل ما هو شر وسوء, ولنزرع بيننا المحبة والصفاء، لنزرع الأمل والرحمة في كل بيت"، وقال "ما أجدرنا أن نستشعر هذه المعاني الرائعة, لأنها زادنا في طريقنا الطويل نحو الحرية و الاستقلال و الحرية"، وفق كلمته. وشدّد هنية في كلمته على أنّ "هذا الشهر العظيم يستوجب منا أن نقف وقفة جادة مع أنفسنا, نراجع حساباتنا ونقيِّم أعمالنا, ونخلص النية لله ونبدأ صفحة جديدة, تقوم على العمل الصالح والأخوة الصادقة والبناء المثمر"، مذكِّراً أنها "فرصة عظيمة أن نفتح صفحة جديدة مع الله عز وجل, نتوب فيها توبة نصوحاً, ونستدرك ما فاتنا من عمل صالح, ونجدد العهد على الثبات واليقين والسير في طريق الإصلاح والخير، كما أنها فرصة عظيمة أن يعي الأغنياء بأنّ أموالهم أمانة عندهم, مسؤولون عنها يوم الحساب الأكبر, وهي حسرة ووبال إن لم يؤدوا حقها".
وتابع إسماعيل هنية قائلاً "إنها فرصة عظيمة لكي نؤكد تلاحمنا وتكافلنا وتآخينا, وتعالينا على الإساءات وغفراننا للزلات, ولنتجاوز عن الخصومات والمناكفات التي أوشكت أن تفسد ذات بيننا"، مستشهداً بقوله تعالى (و لا تنازعوا فتفشَلوا وتذهبَ ريحُكُم)، وقال "إنه شهر الرحمة, فلنكن رحماء باليتامى والضعفاء وذوي الشهداء والأسرى، لنكن رحماء بالمساكين والذين تقطعت بهم السبل في خضم هذه الحياة الصعبة، لنكن رحماء بالذين فقدوا أعزاءهم وفقدوا بيوتهم وممتلكاتهم ومزارعهم".
وأضاف رئيس الوزراء الفلسطيني أنه "شهر الصوم، الصوم الحقيقي, الذي يمنع النفس من ارتكاب الموبقات وينهاها عن الشهوات ويلزمها طريق التقوى والإيمان, فلنصم عن الحرام وعن الكذب والرياء وأكل المال الحرام وقطع الرحم"، داعياً لأن يكون "صومنا عما يغضب الله، وعن الكذب والتشهير والطعن والبيانات المدسوسة والتصريحات الحادة التي تفرق ولا تجمع"، وتابع "ليكن صومنا عن الفساد والفتنة وكل ما يعكر صفونا وسلامنا وراحتنا، ولنجتمع على كلمة سواء، ليكن صومنا عن كلمة تهوي بنا إلى التفرقة والتشتت والصدام".
وأعاد رئيس الوزراء الفلسطيني أنّ رمضان هو "شهر الدعاء، فلنتضرع إلى الله دوماً بأن يصرف عنا هذا البلاء، ويبدلنا من بعده سعة وفرجاً ويسراً، ولندع الله - بكل أسمائه وصفاته - أن يمنح شعبنا الحرية والأمن، ويخلصه من الاحتلال ورجسه وعذاباته".
وخلص رئيس الوزراء في كلمته إلى القول "إننا نتوجه إلى أمتنا العربية والإسلامية, قادة وحكومات وشعوباً, بالتهنئة الحارة والمباركة بهذا الشهر الفضيل, سائلين الله تعالى أن يجمعنا في باحة الأقصى مهللين ومكبرين", وأضاف "إننا نغتنم هذه الفرصة لنتوجه بالعرفان والشكر الجزيل إلى كل الذين وقفوا إلى جانبنا و أمدونا بعد الله بكل أسباب العون والمساعدة، ونقول لهم: جزاكم الله كل خير عن كل دمعة مسحتموها عن وجه طفل يتيم, وعن كل كربة فرجتموها عن أسرة مكلومة, وعن كل مصيبة خففتموها عن أم بكت ولدها أو زوجها أو أخاها, وإننا نثمن فيكم هذه الروح, روح البذل والعطاء, روح الانتماء للإسلام والعروبة, روح الحب للقدس وفلسطين, ونقول لكم: نحن وإياكم على درب واحد، وطريق واحد، حتى تعود الأرض إلى أهلها، ويعود مسرى محمد صلى الله عليه وسلم لأحضان الإسلام، يحجه كل مسلم ويغنم فيه صلاة في المسجد المبارك".