لم تعد مشكلة المياه في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وليدة اللحظة, بل باتت سمة رئيسية تلازم حياة الفلسطينيين, لا سيما وأنها تحمل في طياتها أبعادًا صحية وسياسية واقتصادية معقدة, جعلت من تفاقمها أمرًا اعتياديًّا ومؤلمًا في الوقت نفسه؛ حيث إن المصدر الطبيعي والوحيد للمياه العذبة هو الخزان الجوفي الساحلي الذي تتناقص مياهه بسبب الاستخدام المفرط, وتراجع كبير في سقوط كميات الأمطار خلال السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي للمواد الأساسية التي كان يمتلكها الفلسطينيون. وأكدت دراسات للأمم المتحدة أن ما يتم استخراجه من المياه الجوفية بفلسطين، يفوق ثلاثة أضعاف ما يتم إعادة ملؤه من مياه الأمطار كل عام، وهذا الوضع غير قابل للاستمرار، فبحلول عام 2016 تصبح طبقة المياه الجوفية غير صالحة للاستعمال، وسيصبح من غير الممكن إصلاح الأضرار التي تلحق بها بحلول عام 2020 دون البدء باتخاذ إجراءات علاجية الآن. ويوصي برنامج الأممالمتحدة للبيئة بوقف استنزاف طبقة المياه الجوفية على الفور، وإلا سيستغرق الأمر عدة قرون من أجل العودة لوضعها الطبيعي، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على المياه ليصل إلى 260 مليون متر مكعب سنويًّا في عام 2020 أي بزيادة قدرها 60% عما يُستخرج حاليًا من طبقة المياه الجوفية. أسباب واقعية جانب من آبار المياه الجوفية في فلسطين
ويشار إلى أن نسبة هدر المياه في فلسطين بلغت ما نسبته 25% من القطاع الزراعي، تعود لعدة أسباب منها شبكات المياه المهترئة. وتعتبر الضفة المحتلة بظروفها الطبيعية المناخية والطبوغرافية والجيولوجية وموقعها الجغرافي ذات أهمية كبرى في مسألة الموارد المائية في فلسطين. ولقد عملت إسرائيل منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 على حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المائية، عبر إقامة العديد من المستعمرات فوق أماكن غنية بالمياه واعتماد هذه المستعمرات على المياه الفلسطينية. أما قطاع غزة، فمشكلة التلوث المائي فيه أكبر من مثيلتها في الضفة الغربية؛ حيث وصلت كمية الكلورايد في بعض المناطق إلى 1500 مليغرام في اللتر، إضافة إلى أن المناطق التي تستخرج منها مياه ذات معدلات كلورايد منخفضة (250 مليغرام في اللتر) لا تتعدى عن 45 كيلو مترًا مربعًا في المناطق الشمالية، وعن 35 كيلومترًا مربعًا في المناطق الجنوبية، وزيادة نسبة الأملاح في المناطق الجنوبية الشرقية وأجزاء من المنطقة الوسطى لتصل إلى ألف مليغرام في اللتر. الزيادة السكانية المضطردة وتغير أنماط الاستهلاك والتغيرات المناخية في القطاع وعدم معالجة المياه العادمة التي تصب في البحر جميعها أسباب تركت آثارًا سلبية واضحة أيضًا على تدهور الوضع البيئي والمائي في ظل عدم توفر بديل آخر في هذه المرحلة . وحسب سلطة المياه في حكومة حماس بغزة: “فإن 95% من مياه الخزان الجوفي في هذه البقعة الصغيرة أصبحت غير صالحة للاستخدام الآدمي بسبب إجراءات الاحتلال المتمثلة بسرقة المياه وتجريف الآبار الحدودية”. ونوهت إلى إن الخزان الجوفي يعاني تدهورًا ملحوظًا، ومشاريع تحلية المياه لم يتم تصميمها لتكون بديلًا عن الحقوق المائية الوطنية، وهي لازمة لغزة حال عدم تحصيل الحقوق المائية. يذكر أن الحكومة الألمانية تساهم بدعم المشاريع في فلسطين، خاصة تلك المتعلقة بالمياه ونظام الصرف الصحي؛ حيث تجاوزت قيمة هذه المشاريع 200 مليون يورو حتى الآن. وبالإضافة إلى مشروع محطة التنقية في الضفة المحتلة؛ حيث ستساهم هذه المشاريع بحسب القائمين عليها في إنشاء ستة خزانات للمياه وتغيير وتجديد 87% من مضخات المياه، وتحسين واقع المياه حتى عام 2025. بينما في قطاع غزة، فيجري الحديث عن أن عام 2015 سيشهد طفرة نوعية في المياه في قطاع غزة, بالتزامن مع بدء تنفيذ إنشاء محطات تحلية المياه الفرعية في بعض المناطق, والتي ستخفف من حدة الملوحة, وإيصال المياه بكميات متناسبة لجميع المواطنين”. ويبقى الحديث بين الفينة والأخرى عن مشاريع دعم المياه في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة يلوح في الأفق, دون ملامسة نتائج حقيقية على أرض الواقع، ففي الضفة يزداد الاستيطان، وفي غزة معظم المشاريع متوقفة بسبب الحصار، وعدم تعاطي بعض الدول المانحة مع قطاع غزة الذي تديره حماس، ما يعني أن المواطن الفلسطيني سيظل حبيسًا لتلك الرهانات.