بعد مرور قرابة الشهر على فضيحة جهاز علاج الإيدز وفيروس سي وكافة الأمراض، ما زالت المؤسسة العسكرية ملتزمة الصمت على هذه المهزلة. وعلى كثرة ما صدر من انتقادات علمية وسياسية على هذا الجهاز، فإن كل النقد انصب على مخترع الجهاز، مع أن المسئولية الأولى عن هذه الفضيحة ينبغي أن يُحاسَب عليها المشير السيسي للأسباب الأربعة التالية: الأول: أن مخترع الجهاز (اللواء عبد العاطي) قد اثبتت عدة تحقيقات موثقة، مثل التي أجرتها صحيفة الشروق (الموالية للانقلاب)، أثبتت أن الرجل ليس طبيبا وأنه ملاحق أمنيا من وزارة الداخلية، وصحيا من وزارة الصحة. كيف لدعي مثل هذا أن يخترق مؤسستنا العسكرية، حتى يتم منحه رتبة لواء ؟ . إن هذا الرجل لو أراد العمل بمستوصف أهلي لأمكنهم اكتشاف حقيقته بسهولة، ولطالبوه بشهادات وأوراق تثبت مؤهلاته وخبراته، فكيف بالقوات المسلحة أن تقبل وتسمح له بأن يصعد في سلم البحث الطبي لهذه الدرجة، وكان بعض أعوانه ومساعديه من أساتذة كليات الطب؟ الثاني: أن قصة هذا الجهاز قد تمت برعاية السيسي نفسه، بحسب ما قال عبد العاطي في المؤتمر الصحفي التعيس الذي أزاح فيه الستار عن اختراعه، فقد قال (كان المشير وراءنا بالكرباج لإكمال هذا الإنجاز العلمي). وكلام عصام حجي المستشار العلمي لعدلي منصور بأن منصور والسيسي فوجئا بأمر الجهاز أثناء المؤتمر الصحفي، فيه مجاملة شديدة ومحاولة لحصر الفضيحة في عبد العاطي. نصدق أن عدلي منصور لم يكن يعلم شيئا قبل المؤتمر الصحفي (وهذا طبيعي)، لكن كيف يحضر السيسي مؤتمرا صحفيا في الجيش وهو لا يدري عما سيقال فيه ؟!. وعموما إن كان يدري فتلك مصيبة، وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم. الثالث: أن هذه الفضيحة العلمية لم يصدر بحقها بيان رسمي من المتحدث العسكري حتى الآن. الصحف تقول وتثبت أن هذا اللواء مزور ومنتحل لمهنة الطب، ومع ذلك لم نجد إلا الصمت التام. هذا الجهاز الذي يدغدغ مشاعر ملايين المرضى المصريين، تكلمت هيئات وعلماء وجهات إعلامية عالمية عن دخوله تحت باب الاحتيال، ومع ذلك ظل المتحدث العسكري صامتا. قال عبد العاطي إن جهات غربية حاولت رشوته بملياري دولار إلا أن المخابرات المصرية استطاعت أن تخطفه وتعيده لأحضان الوطن، هل هذا الكلام مما يجوز السكوت عليه وعدم الاكتراث بإصدار بيان رسمي بشأنه؟. ألا تقع المسئولية الإدارية (وأهم من ذلك المسئولية العسكرية) على المشير السيسي ؟ الرابع: إذا كانت هذه الفضيحة العلمية سببها خلل إداري هائل، فإن هذا يستوجب استقالة المشير السيسي، وهذا ما كان سيفعله اي مسئول مثله في أي دولة تستشعر فداحة ما وقع. وأما إن كان سببها البحث عن أي إنجاز سياسي مهما كانت تداعياته، فإن هذا ولا شك يستوجب المحاسبة. وبطبيعة الحال سيثور السؤال البديهي: مَن سيحاسب مَن ؟! إن هذه الفضيحة العلمية الإدارية السياسية، تكشف سوءات الحكم الاستبدادي بلا رتوش. د.محمد هشام راغب