تصاعدت شكوى المصريين من استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات ، والتى طالت غالبية السلع الغذائية من خضروات ولحوم ودواجن وأسماك ، وحبوب وزيوت وألبان وجبن وفاكهة والشاى ومياه غازية . وهاهى بيانات الجهاز المركزى للاحصاء المعنى برصد التغير فى الأسعار ، تشير الى أن نسب الارتفاعات السعرية خلال شهر فبراير من العام الحالى ، بالمقارنة لما كانت عليه فى نفس الشهر من العام الماضى ، قد زادت للخضروات بنسبة 23 % شاملة الطماطم والبصل والثوم والفاصوليا الخضراء والزيتون الأخضر والباذنجان والخضروات الجافة . كما زادت أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 15 % لتشمل اللحوم الحمراء الطازجة والدواجن ، كما ارتفعت أسعار مجموعة الأسماك بنسبة 26 % ، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 24 % ، ومجموعة الحبوب والخبز بنسبة 10 % . ومجموعة الزيوت والدهون بنسبة 9 % ومجموعة المياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة 23 % ، والفاكهة بنسبة 5ر8 % ومجموعة البن والشاى والكاكاو بنسبة 5ر10 % والملح والتوابل 17 % والسجائر المستوردة 17 % . ولم تقتصر الزيادة على السلع الغذائية ،حيث كانت نسبة الزيادة السنوية فى أسعار الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة 12 % ، والنقل والمواصلات 6% والرعاية الصحية 13 % والثقافة والترفيه 13 % . - وأشارت بيانات التضخم خلال الثمانية أشهر الأولى من عمر الانقلاب العسكرى ، ما بين شهرى يوليو الى فبراير الماضى ، الى بلوغ نسبة التضخم على مستوى الجمهورية خلال الشهور الثمانية 8ر11 % ، مقابل نسبة 3ر6 % خلال نفس الشهور الثمانية من ولاية الدكتور محمد مرسى . وبلغت نسبة التضخم بالحضر وهى المدن التى يسكنها 43 % من سكان مصر خلال تلك الأشهر نسبة 8ر10 % ، مقابل نسبة 2ر6 % للحضر خلال فترة الدكتور مرسى ، كما بلغ معدل التضخم بالريف المصرى خلال الشهور الثمانية من الانقلاب 9ر12 % ، مقابل نسبة 4ر6 % للتضخم بالريف بنفس الشهور بفترة مرسى . وهو ما يشير الى تضاعف معدل الزيادة بالأسعار خلال فترة الانقلاب بالمقارنة لفترة مرسى ، وفى مجموعة سلع الطعام والشراب التى تستحوز على غالب انفاق المصريين ، كان معدل التضخم 6ر16 % بها مع الانقلاب على مستوى الجمهورية ، مقابل نسبة 8ر7 % بنفس الشهور بفترة مرسى . - وتتعدد أسباب الارتفاعات السعرية ما بين الاضطراب الأمنى الذى ينعكس على حركة نقل البضائع ، وتفضيل البعض عدم السفر ليلا بسبب المخاطر ، وارتفاع أسعار النقل سواء بسبب ارتفاع مخاطر الطرق ، أو عدم انتظام توافر الوقود أو مشاكل المرور ومؤخرا زيادة رسوم بعض الطرق مثل الاسكندرية الصحراوى والسخنة . وكذلك ارتفاع أسعار الصرف للدولار تجاه الجنيه مما يزيد من تكلفة السلع المستوردة ، والتى تشكل النسبة الأكبر من غذاء المصريين ، فى ظل الفجوة الغذائية فى العديد من السلع الغذائية ما بين الانتاج المحلى منها والاستهلاك . كذلك ارتفاع أسعار المكونات السلعية حيث أن كثير من المكونات مستوردة ، وأيضا التصنيف الائتمانى المنخفض لمصر مما يزيد من تكلفة الاستيراد أو التأمين أو التمويل ، وكبر حجم الفاقد فى كثير من السلع مثل الحبوب والخضر ، وصعوبة الاقتراض من البنوك ، وارتفاع هوامش الربح خلال عمليات تداول السلع . - ويضاف للعوامل السابقة متغير جديد خلال شهر فبراير الماضى ، حيث ارتفع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء خلال فبراير ، عما كان عليه فى يناير بنسبة 6ر2 % ، وذلك بعد أن ظل ذلك المؤشر يغلب عليه الاتجاه الهبوطى منذ شهر مايو من العام الماضى . حيث ارتفعت أسعار السكر خلال فبراير بنسبة 2ر6 % عما كانت عليه فى يناير والزيوت 9ر4 % ، والحبوب بنسبة 6ر3 % ومنتجات الألبان بنسبة 9ر2 % ، وكان الطقس هو الأرجح لزيادة السكر والقمح ، بينما كان الطلب القوى عاملا مهما فى زيادة أسعار الذرة ومنتجات الألبان والزيوت . وجاء ارتفاع أسعار الحبوب بسبب التخوفات تجاه محصول القمح الأمريكى ، وزيادة الطلب على الحبوب الخشنة سواء لاستخدامها فى الأعلاف أو فى انتاج الوقود الحيوى ، كما زاد سعر الأرز اليابانى والتايلاندى . وفى الزيوت زاد سعر زيت النخيل بسبب التخوف من الجفاف فى بعض مناطق الانتاج الرئيسية فى جنوب شرق آسيا ، وزيادة الطلب عليه عالميا بما فيه الطلب من منتجى الديزل الحيوى ، وزاد زيت الصويا فى ضوء التخوف من التأثير السلبى للظروف الجوية غير المواتية فى أمريكاالجنوبية على محصول فول الصويا . وتسبب الطلب القوى على كل منتجات الألبان فى ارتفاع أسعارها خاصة من شمال افريقيا والشرق الأوسط والاتحاد الروسى ، كما ساهم نقص المعروض فى دعم الأسعار ، وانتعشت أسعار السكر بسبب المخاوف من تضرر محصول السكر نتيجة الطقس الجاف فى البرازيل والتبؤات لاحتمال تراجع انتاج الهند . وأشارت بيانات البنك الدولى الى زيادة محدودة فى أسعار النفط والغاز الطبيعى فى فبراير عما كانت عليه فى يناير ، وزيادة أسعار والحبوب كالقمح والذرة والأرز والمشروبات كالبن ، والزيوت والدهون والأخشاب والأسمدة ، والقطن والمعادن الثمينة كالذهب والفضة ما بين الشهرين . - ويبقى العامل الرئيسى والجوهرى لاستمرار ارتفاع الأسعار محليا هو قلة المعروض من السلع ، عن الوفاء بالطلب من جانب المستهلكين ، وضعف الانتاجية ، وهى المسألة التى تحقق فى حالة تبنيها العلاج الحاسم لقضية الارتفاع المستمر للأسعار . بينما باقى الإجراءات التى يتم الأخذ بها للعلاج تعالج عرض الظاهرة وليس جوهرها . ومن ذلك مسألة الرقابة على الأسواق ، وعرض السلع من خلال المجمعات الاستهلاكية ، أو زيادة الكميات المستوردة ، أو زيادة الحد الأدنى للأجور بدون زيادة مرافقة لها من الانتاج ، حيث يهتم المسؤل بالإسراع بتهدئة الأسواق خلال فترة توليه بأى شكل ، وليس بايجاد حلولا جذرية . ويشير الواقع المصرى الى أن قضية الانتاج لا تأخذ الأولوية من جانب المسؤلين ، خاصة أنها تحتاج وقتا أطول وجهد مجتمعى متواصل ومتكامل ، بينما يتعاظم نفوذ لوبى المستوردين وتعارض مصالحهم مع زيادة الانتاج المحلى من السلع التى يستوردونها . وكذلك تشجيع أشكال الكسب السريع من خلال عمليات الوساطة والسمسرة والمضاربات ، والتعامل بالبورصة التى تحقق الثروات فى وقت قصير ، بينما يتطلب تحقيق الثروة من عمليات الانتاج الزراعى والصناعى وقتا أطول ، الى جانب زيادة مخاطر الانتاج . كما يتم تكبيل المنتجين بالعديد من المعوقات ، بداية من تراخيص العمل وفرض الضرائب والرسوم وتعدد أجهزة الرقابة ، وفساد المحليات ، واحتكار الكبار ، ودخول الشركات التابعة للجيش مؤخرا لمنافسة المنتجين لبعض السلع بما لها من نفوذ وقدرة مالية . ** وهكذا ستظل مشكلة الارتفاع المستمر للأسعار تطارد المصريين ، الى أن يتم اقتحام قضية الانتاج ، لزيادة المعروض من السلع والخدمات مما يحدث التوازن المطلوب بين العرض والطلب ، وتدليل المستثمرين بالمزايا والحوافز نظير ما يتحملونه من مخاطر . وهو أمر مستبعد حدوثه فى الوقت الحالى ، حيث الاضطراب الأمنى والتحفظ على أموال رجال الأعمال ، واسترداد الشركات التى سبق بيعها للمستثمرين ، وإعطاء الأولوية فى تدبير العملات الأجنبية للأجانب المستثمرين بالبورصة الذين لا يضيفون للناتج المحلى شيئا ، وغياب الحريات وإعلام الرأى الواحد الكفيل بهدم أى مستثمر لا يتم رضا الإنقلابيين عنه . [email protected]