في الوقت الذي يتكتم فيه الحزب الوطني الحاكم على تفاصيل التعديلات الدستورية التي يعتزم طرحها على البرلمان في دورته المقبلة في نوفمبر ومناقشتها خلال مؤتمره العام الثلاثاء 19-9-2006، ويتمسك برفضه لتعديل المواد التي تسمح بتداول سلمي للسلطة بلا قيود، تعرب قوى المعارضة عن خشيتها من إدخال الحزب مزيدًا من التعديلات على الدستور بهدف تمهيد الطريق أمام "توريث الحكم" لنجل الرئيس حسني مبارك. وتقضي هذه التعديلات المرتقبة بشكل أساسي بإعادة صياغة المادة 88 من الدستور لإعادة تحديد مفهوم الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية والبلدية، بحيث يتم تقليصه، بعدما كشف "نادي القضاة" الإصلاحي عن وقوع تجاوزات لصالح مرشحي الحزب الحاكم خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في 2005.
وفي مؤتمر حول الإصلاح الدستوري نظمته نقابة الصحفيين المصرية، وشاركت فيه أحزاب وقوى سياسية معارضة دعت قوى المعارضة المواطنين إلى "اليقظة" لمواجهة ما أسموه ب"خطة الحزب الحاكم للانقضاض على الدستور".
المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) جورج إسحاق طالب أحزاب المعارضة بتوحيد جهودها حتى "لا يستغل الحزب الحاكم الخلافات بين القوى السياسية المختلفة ويسارع بتعديل الدستور حسبما يريد".
وقررت "كفاية" تنظيم مؤتمرها السنوي يوم 21-9-2006 بالتزامن مع مؤتمر الحزب الحاكم الذي يبدأ الثلاثاء 19-9-2006 ويستمر 3 أيام؛ لطرح رؤيتها في التعديلات الدستورية.
وشكلت "كفاية" لجنة تضم خبراء قانونيين للعمل على تقديم رؤية جديدة للدستور المصري بجميع مواده وطرح بعض المواد في الدستور للتعديل.
من جهته وصف حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ما يخطط له الحزب الحاكم بأنه "مناورة من فئة فاسدة تريد الاستيلاء على الحكم عن طريق الحزب الحاكم".
أما حمدي حسن المتحدث الرسمي باسم كتلة الإخوان المسلمين في البرلمان فاعتبر أن التعديلات الدستورية التي يعتزم الحزب الحاكم مناقشتها تستهدف "تفصيل مواد تضمن للحزب الوطني الحاكم الحصول على النسب التي يريدها من مقاعد مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان) بعد الهزيمة القاسية التي مُني بها العام الماضي، حيث حصل عمليًّا على 32% من مقاعد البرلمان قبل أن يجبر عددًا من الفائزين المستقلين على الدخول في عضويته".
محمود أباظة رئيس حزب الوفد قال من جهته: إن ما يصدر من إشارات عن الحزب الحاكم حول التعديلات الدستورية "لا يدعو إلى الاطمئنان"، مشيرًا إلى تصريحات المسئولين عن عدم المساس بالمادة 76 من الدستور (التي تضع قيودًا على الترشح لرئاسة الجمهورية بما يحجم المنافسة لصالح الحزب الحاكم) والحد من الإشراف القضائي على الانتخابات المنصوص عليه في المادة 88.
فاروق العشري، أمين التثقيف السياسي بالحزب الناصري، أبدى هو الآخر مخاوفه من التعديلات الدستورية التي اعتبرها "انقلاب دستوري" يستهدف إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات بعد أن تمكنت الحكومة من تعديل المادة 76 من الدستور العام الماضي؛ لتضمن عدم وجود منافس لجمال مبارك نجل الرئيس المصري وقطب الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولفت العشري في تصريحات لموقع "إسلام أون لاين" إلى أن الحزب قرر عقد اجتماع لمكتبه السياسي نهاية الأسبوع الحالي لمناقشة الأمر.
حزب التجمع أعد بدوره مقترحات حول تعديل الدستور تتعلق بسلطات رئيس الجمهورية وبتوسيع صلاحيات مجلس الشورى، بحسب سمير فياض نائب رئيس الحزب.
من جانبه أشار ضياء رشوان، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية، خلال الندوة التي عقدت الأحد 17-9-2006 إلى أن الحزب الحاكم لم يناقش التعديلات الدستورية التي يسعى إليها على الملأ حتى الآن.
وتابع رشوان: "أعضاء الحزب الوطني أنفسهم وحكومة الحزب والمعارضة لم تعرف بتفاصيل هذه التعديلات التي يتكتمها جمال مبارك ونفر قليل من صحبته وحوارييه، لكن من الواضح أنه لن يكون هناك من هدف لهذه التعديلات سوى تمهيد الطريق أمام سيناريو التوريث رغم أنه ممهد بالفعل حاليًّا".
وعما يمكن أن يتبناه الحزب الوطني من تعديلات دستورية خلال مؤتمره العام للحزب قال د. مفيد شهاب، وزير الشئون البرلمانية: إن المشروع يهدف إلى تعديل 9 مواد رئيسية في الدستور تتعلق بالإصلاح السياسي.
وأوضح شهاب أن التعديلات تركز على دعم سلطة البرلمان في مراقبة الحكومة وإقرار الموازنة العامة للدولة وتوسيع اختصاصات سلطة مجلس الوزراء والحد من سلطات رئيس الجمهورية.
كما يناقش الحزب تطبيق نظام الانتخابات بالقائمة النسبية بدلاً من النظام الفردي، وقال شهاب: إن هناك تعديلاً آخر يتعلق بتطوير المحليات والمجالس الشعبية وأخرى لإلغاء المدعي العام الاشتراكي والمجلس الأعلى للهيئات القضائية.
وأوضح الوزير قائلاً: إن رغبة البعض في تعديل المادة 76 من الدستور لتسمح بمجال أوسع أمام ممثلي الأحزاب في المنافسة على مقعد الرئاسة غير وارد حاليًّا. تطبيق نظام الانتخاب بالقائمة النسبية سيمكن الأحزاب من خوض انتخابات الرئاسة عام 2011 بعد أن تحصل على عدد كاف من المقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2010.
ووفقًا لما أدخل من تعديل على المادة 76 من الدستور في مايو 2005، فإنه يلزم لقبول مرشح مستقل لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشيح 250 عضوًا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى (البرلمان) والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات.
ويهيمن الحزب الوطني على هذه المجالس مما يجعل فرص المرشح المستقل شبه منعدمة، وهو ما يعني عمليًّا عدم تمكين جماعة الإخوان المسلمين -أبرز تنظيم معارض في مصر- من الترشح للرئاسة. وفازت الجماعة بخمس مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة بعدما خاضها مرشحوها كمستقلين.
أما بالنسبة للأحزاب فيشترط لتقدمها بمرشح حصول أعضائها في آخر انتخابات تشريعية على نسبة 5% على الأقل من مقاعد المنتخبين في كل من مجلسي الشعب والشورى.
واعتبرت قوى المعارضة أن هذه الشروط "تعجيزية" وتحجم المنافسة لصالح مرشح الحزب الحاكم.
ويتوقع مراقبون تنحي الرئيس مبارك بشكل مفاجئ قبل الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة عام 2010؛ ليتمكن الحزب الحاكم من ترشيح نجله جمال خلفًا له دون أدنى منافسة من المعارضة، باعتبار أن أيًّا من الأحزاب "الشرعية" لا يحوز حاليًّا نسبة 5% من مقاعد غرفتي البرلمان.