سعر الدولار اليوم الجمعة 25-7-2025 أمام الجنيه المصري    المتطرف إيتمار بن غفير: "أؤيد تجويع سكان قطاع غزة"    طقس اليوم الجمعة.. أجواء شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء    موعد عقد امتحانات الثانوية العامة الدور الثاني 2025    الفن السيناوي يضيء ليالي مهرجان جرش. .فرقة العريش للفنون الشعبية تتألق وتبهر الأردنيين بتراث سيناء (صور)    اسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية الجمعة 25-7-2025    أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الجمعة 25- 7- 2025 في أسواق الشرقية    أسعار حديد التسليح اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    نائب محمود عباس يرحب بقرار الرئيس الفرنسي الاعتراف بدولة فلسطين    تايلاند تعلن ارتفاع عدد القتلى جراء الاشتباكات مع كمبوديا إلى 15 شخصًا    موجة حارة شديدة تتسبب بحرائق في تونس    رفضًا لتجويع غزة| احتجاجات أمام القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو    الأهلى يواجه البنزرتي التونسي اليوم    الزمالك يواجه وادى دجلة وديًا    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    نائب رئيس جنوب إفريقيا: القارة السمراء تحصل على 3% فقط من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالميًا    إزالة فورية ل 4 حالات تعدٍّ على أراضي أملاك الدولة في قنا    خلال عمله.. دفن عامل صيانة سقط من الطابق السادس بعقار بحدائق الأهرام    حالة المرور اليوم بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    ارتفاع أسعار النفط وسط تفاؤل بانحسار التوتر التجاري وخفض صادرات البنزين الروسية    تجهيزات خاصة لحفل عمرو دياب في لبنان    القنوات الناقلة مباشر لمباراة الأهلي والبنزرتي التونسي الودية اليوم.. والتردد والموعد    في حادث مأساوي.. مصرع أم وابنتها وإصابة 3 من أطفالها في حادث سقوط سيارة في ترعة بالبحيرة    مصطفى كامل: دعمي لشيرين مش ضد أنغام.. ومكنتش أعرف بالخلاف بينهم    رسميا، مانشستر يونايتد يمنع طباعة أسماء ثلاثة من أساطير النادي على قمصان الموسم الجديد    طريقة عمل بلح الشام، باحترافية شديدة وبأقل التكاليف    إليسا تتصدر ترند جوجل بعد ليلة لا تُنسى في موسم جدة    تظلمات نتيجة الثانوية العامة 2025.. الموعد والخطوات والرسوم (فرصة لتحسين درجاتك)    رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الهلال الأحمر يعلن رفع قدرات تشغيل المراكز اللوجيستية لأعلى مستوياتها    هل الجوافة تسبب الإمساك؟ الحقيقة بين الفوائد والأضرار    بعد عمي تعبان.. فتوح يوضح حقيقة جديدة مثيرة للجدل "فرح أختي"    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 8 مساجد في 7 محافظات    نقابة التشكيليين تؤكد استمرار شرعية المجلس والنقيب المنتخب    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    محامي أسرة ضحية حادث «الجيت سكي» بالساحل الشمالي يطالب بإعادة تحليل المخدرات للمتهمة    "الجبهة الوطنية" ينظم مؤتمراً جماهيرياً حاشداً لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ بالجيزة    استمرار استقبال طلاب الثانوية العامة لاختبارات العلوم الرياضية بالعريش    وزارة الصحة تنظم اجتماعًا لمراجعة حركة النيابات وتحسين بيئة عمل الأطباء    مصدر للبروتين.. 4 أسباب تدفعك لتناول بيضة على الإفطار يوميًا    "قلب أبيض والزمالك".. حامد حمدان يثير الجدل بصورة أرشيفية    أحمد سعد: ألبوم عمرو دياب مختلف و"قررت أشتغل في حتة لوحدي"    يوسف حشيش يكشف كواليس صعبة بعد ارتباطه ب منة عدلي القيعي    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    سعاد صالح: النقاب ليس فرضًا أو سنة والزواج بين السنة والشيعة جائز رغم اختلاف العقائد    تنسيق الجامعات 2025، شروط الالتحاق ببعض البرامج المميزة للعام الجامعي 2025/2026    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    وسيط كولومبوس كرو ل في الجول: صفقة أبو علي تمت 100%.. وهذه حقيقة عرض الأخدود    العثور على رضيعة حديثة الولادة أمام مستشفى الشيخ زويد    فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    داليا عبدالرحيم تنعى أسامة رسلان متحدث «الأوقاف» في وفاة نجل شقيقته    «دعاء يوم الجمعة» للرزق وتفريج الهم وتيسير الحال.. كلمات تشرح القلب وتريح البال    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    لتخفيف حرقان البول في الصيف.. 6 مشروبات طبيعية لتحسين صحة المثانة    الشيخ خالد الجندي: «ادخل العبادة بقلب خالٍ من المشاغل الدنيوية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الستين!!
نشر في الشعب يوم 11 - 05 - 2008


بقلم: د. بثينة شعبان

افتتحت إسرائيل عطلة الأسبوع الفائت لسكان بيت لاهيا شمالي غزة باغتيال الطفلة الفلسطينية مريم طلعت معروف (14) عاماً، قرّة عين والدها، طلعت معروف، الذي اعتقلته قوات الاحتلال بعد غياب ابنته كي لا يتمكن حتى من وداع جثمانها والبكاء والحزن عليها بعد أن فُجع بفقدانها إلى الأبد. كما جرح ثلاثة من أفراد عائلتها جروحاً بليغة بعد أن استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلهم بشكل مباشر بالذرائع الإسرائيلية المعروفة، التي تتلخص في إصرار الفلسطينيين على مقاومة احتلال أجنبي بغيض والتمسك بمقاومتهم من أجل تحرير أنفسهم وأرضهم وبلدهم من براثنه. وحين قرأت عن هذه الجريمة النكراء اعتقدت أنّ هذا أقسى ما يمكن أن ترتكبه الآلة الإجرامية الإسرائيلية بحق شعب أعزل. ولكنّ الإسرائيليين يتفوقون دائماً على أنفسهم بارتكاب أعمال الإبادة ضدّ شعب آمن فأتت كلّ جريمة لتجعل سابقتها تبدو أخفّ وطأة من التي تلتها. فلم ألحق بعد أن أكتب عن مريم طلعت معروف ووالدها، وعلى كل والد مولع بابنته أن يتخيّل ماذا حدث لطلعت معروف حين قتلوا ابنته وساقوه إلى السجن فور استشهادها، إلى أن فجعتُ بجريمة يجب ألا تمرّ مرور خبر عاجل على مسامع ومرأى العالم العربي والدولي. إذ شاهدت الأم العربية ميسر أبو معتق في عزبة في بيت حانون والتي كانت تتناول طعام الإفطار مع أطفالها الأربعة مسعد (عام واحد) وهناء (ثلاثة أعوام) و دينة (أربعة أعوام) وصالح (خمسة أعوام) حين قصفهم جيش الاحتلال بقذيفة إسرائيلية فاختلط الحليب بدماء الأم وأطفالها، والتي أرسلت زوجها للتوّ ليتناول غرضاً آخر لمائدة الإفطار من محل قريب من المنزل فعاد الأب، أحمد أبو معتق، ليجد أسرته قد أبيدت تماماً وليرى زوجته وأطفاله الأربعة أشلاء متناثرة في داره، ولتقلب هذه الساعة السوداء حياته رأساً على عقب، فلا زوجة ولا أطفال، ولا حديث، ولا ابتسامة، ولا دعابة، بعد اليوم، بل الموت الإسرائيلي الأسود بأشكاله المختلفة الذي سيعيشه أحمد أبو معتق كل يوم إلى أن يلحق بأسرته بعد أن دمّر العدوان والاحتلال قلبه وروحه. وقد سقط شهيد آخر يبلغ من العمر سبعة عشر ربيعاً لأن مروره صودف قرب المنزل لدى سقوط صاروخ الإبادة، كما استشهد معاذ الأخرس (22) عاماً في اليوم ذاته، صباح الاثنين الماضي، برصاص قنّاص إسرائيلي فيما استشهد أيضاً الشاب إبراهيم حجوج (23) عاماً. كل هذا خلال ثمان وأربعين ساعة في بيت لاهيا وبيت حانون، والسؤال هو: إذا لم تكن هذه حرب إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين فما عساها أن تكون حرب الإبادة؟ وإذا لم يكن هذا تطبيقا حرفيا لأسلوب العقوبات الجماعية ضدّ شعب بأسره فكيف يمكن أن تكون العقوبات الجماعيّة؟ والسؤال الآخر هو كيف يمكن أن يعامل العالم "الديمقراطي" و"المتحضّر" تدمير حياة النساء والأطفال والشباب الذين لا ذنب لهم سوى أنّهم ولدوا عرباً على أرض فلسطينيّة محتلّة بعد أن هجّروا لأول مرّة عام 1948 وأصبحوا لاجئين في غزة فلاحقتهم آلة الموت الإسرائيلية إلى قراهم ومخيماتهم كي تبيدهم في الوقت الذي يتشدّق بعض حكامها بالتهدئة أو التفاوض على جثث الأطفال الأبرياء؟ وكالعادة لم يجد الإعلام الغربيّ نفسه معنيّاً بنقل الخبر أو الصورة وكأنّ حياة هؤلاء ليست أثمن شيء وهبه الله لهم، فمن يحمل قضيّتهم ويتابعها، كما حملت عائلة جيمس ميللر قضيّته لسنوات خمس طوال إلى أن أرغمت إسرائيل على الاعتراف بقتلها المتعمّد له؟

في محاولة لفهم العوامل التي تمكّن إسرائيل من ارتكاب كلّ هذه المجازر البشعة وهي تستعدّ للاحتفال "بعيدها" الستين كدولة "ديمقراطية" سيتحدّث عن "مآثرها" قادة من العالم يستعدّون للمشاركة بهذا الحدث، لم أجد أقرب من وصف علاء الأسواني في روايته "شيكاغو" لما حدث للهنود الحمر وتفسيره له والذي ربما يساعد البعض على فهم العوامل التي تمكّن إسرائيل من الاستمرار بارتكاب مجازرها مطمئنّة إلى صمت دولي مطبق وصمت رسمي عربي مريب غير مفهوم.

يقول علاء الأسواني: خلال المائة عام التي تلت عام 1673 حين وصل إلى منطقة شيكاغو رحّالة أبيض يرافقه راهب فرنسي توافد بعدها آلاف المستعمرين على أمريكا، «شن المستعمرون البيض حروب إبادة مروّعة قتلوا خلالها ما بين 5 و12 مليون من الهنود الحمر في كل أنحاء أمريكا مع أن المستعمرين البيض الذين قتلوا ملايين الهنود الحمر واستولوا على أراضيهم ونهبوا ثرواتهم من الذهب.. كانوا في نفس الوقت مسيحيين متدينين للغاية» لكنّ هذا التناقض يصبح مفهوما حين نستذكر الآراء التي كانت شائعة في تلك الفترة. فقد ذهب كثير من المستعمرين البيض إلى أنّ «الهنود الحمر، بالرغم من كونهم ضمن مخلوقات الله على نحو ما، فإنهم لم يُخلقوا بروح المسيح، وإنما خُلقوا بروح أخرى ناقصة شريرة» كما أكد آخرون بثقة أن الهنود الحمر مثل الحيوانات «مخلوقات بلا روح ولا ضمير وبالتالي فهم لا يحملون القيمة الإنسانية التي يحملها الرجل الأبيض» وبفضل هذه النظريات تمكن المستعمرون من قتل من شاؤوا من الهنود دون ندم أو شعور بالذنب «ومهما بلغت بشاعة المذابح التي يرتكبونها طوال النهار، لم يكن ذلك ليفسد نقاء القدّاس الذي يقيمونه كل ليلة قبل النوم !» (علاء الأسواني - شيكاغو - ص 7-8).

ولقد لجأت "إسرائيل" ومازالت إلى بث نظريات مشابهة عن العرب الذين، كما تزعم، «يرغبون لأطفالهم أن يستشهدوا فيرمون بهم إلى التهلكة كي يذهبوا إلى الجنة!» كما شنّت "إسرائيل" ومنذ سنوات حملة عنصرية في الإعلام العالمي مفادها أن النساء الفلسطينيات «هنّ اللواتي يدفعن أطفالهن إلى الموت» لأن المسلمين يفضلون الموت على الحياة لأن «الشهادة تكافئهم بحوريات في الجنة» والذي يراد الغمز منه إلى شبق المسلمين أو غرابة دينهم ومعتقداتهم. وها هو ايهود باراك بعد جريمة إبادة عائلة أبو معتق في بيت حانون يقول: «إن حماس مسؤولة عن كلّ ما يحدث هناك وكلّ الإصابات، فهي تنشط داخل تجمعات سكنية وحتى أنها تضع عبوات ناسفة بين سكان مدنيين، مسؤولة أيضاً عن قسم من المصابين الفلسطينيين». هذا بالإضافة إلى افتراءات الجيش الإسرائيلي اليومية والتي تتهم كلّ من تغتاله بأنه «كان يحمل حقيبة تحتوي على عبوة ناسفة» أو أنه «كان في طريقة إلى زرع عبوة ناسفة»، أو أنه «في طريقه لتنفيذ عملية ضد الجنود الإسرائيليين». المنطق الإسرائيلي هنا هو أن "الشبهة" بمقاومة الاحتلال تعتبر بحد ذاتها جريمة يُعاقَب عليها بالقتل الفوري، هذا إذا افترضنا أن ما يدعونه يحمل أي أثر لواقع أو حقائق، والأمر ليس كذلك طبعاً.

فإلى متى يردّد العالم والإعلام الدولي والعربي أكاذيب الاحتلال هذه والتي تقدّم مبررات لحرب الإبادة التي تقودها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين كل يوم؟ إن آلاف الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الأطفال والنساء والشباب والأسر الآمنة هي جرائم بحق الإنسانية ويحاسب عليها القانون الدولي الإنساني وهي خرق فاضح لاتفاقيات جنيف الرابعة فلماذا يصمت زعماء العرب ويصمت العالم "المتحضّر" ويَمرّ خبر إبادة العوائل وتدمير حياة آلاف البشر وكأنه خبر لحظي لا يتذكره أحد بعد لحظة إذاعته، هذا إذا أتيح له أن يُذاع أو يُبث؟ ثمّ إن استهانة إسرائيل بحياة أسرة أبو معتق، كغيرها من آلاف الأسر التي أبيدت والتي دمرت حياتها كأسرة الطفلة غالية وأسرة الطفلة مريم طلعت معروف هي استهانة بحياة العربيّ في كلّ أقطاره وبكرامة هذا العربي وقيمة حياته لأن النظريات العنصرية التي تبثّها إسرائيل عن حياة العرب والمسلمين تشمل الجميع، تماماً كما كانت الشائعات عن حياة وروح ومشاعر الهندي الأحمر تشمل جميع الهنود الحمر إلى أن أبيدوا جميعاً. فهل نستيقظ اليوم لنواجه المبرّرات العنصريّة المعادية للعرب التي تضعها آلة الكيان الاستعماري الصهيوني لتبرير حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني؟ والتي هي مستمرة بزخم وبشكل مدروس وممنهج منذ ستين عاماً، وهل ستعمل القوى العربية لاستغلال مناسبة الذكرى الستين لقيام هذا الكيان الغاشم، لفضح الوجه الحقيقيّ له أمام الرأي العام العالمي؟

لقد أصدر مائة أكاديمي بريطاني يهودي بياناً يدعون العالم فيه إلى مقاطعة احتفالات الذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل لأنها تقوم بأعمال إبادة وتطهير عرقي ضد الفلسطينيين، فأين اختفت أصوات المثقفين والأكاديميين والمحامين العرب والمجتمعات الأهلية على طول الوطن العربي وعرضه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.