مستقبل وطن يعقد اجتماعًا مع نواب الحزب الجدد بمجلس الشيوخ     محافظ قنا يستعرض ملفات التقنين والتصالح والمتغيرات المكانية    خبيرة: نجاح المالية في جذب اكتتابات تتجاوز 9 مليارات دولار دليل على تحسن رؤية المستثمرين للاقتصاد المصري    وزير المالية: قانون الحياد التنافسي ساعدنا في ترسيخ ثقافة المنافسة العادلة.. 67.4 مليار جنيه حجم الإيرادات الضريبية المستحقة بشكل أولى عن عام 2024 والشركات التابعة للجهات السيادية سددت ضرائب 16.4 مليار جنيه    موعد انتهاء العمل بالتوقيت الصيفي وبداية تطبيق التوقيت الشتوي 2025    الكرملين: المفاوضات بشأن التسوية الأوكرانية متوقفة وآفاق استمرارها غامضة    بوتين: خطة ترامب لغزة ربما تشير إلى «ضوء في نهاية النفق»    "الديموقراطي الأمريكي": الجمهوريون يسعون لفرض هيمنتهم عبر الإغلاق الحكومي    فيفا يعلن منح أذربيجان وأوزبكستان حق استضافة مونديال الشباب 2027    حازم هلال يستقيل من منصبه استعدادا للترشح في انتخابات الأهلي على قائمة الخطيب    منتخب ناشئات البادل يصعد لربع نهائي مونديال إسبانيا    مفاجآت مدوية في قائمة منتخب ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا بتصفيات كأس العالم    «بنتي انهارت».. عمرو زكي يرد على شوبير: «أنا بخير.. وكان أولى يتصل عليا» (خاص)    السكة يحقق انتصاره الأول بدوري المحترفين.. وأبوقير للأسمدة يتعادل مع مسار    مصدر أمني يكشف فيديو بثته الجماعة الإرهابية لحوار بين فرد شرطة وضابط    معلم يعتدى على زميله بمدرسة فى قليوب.. وتعليم القليوبية تحيل الواقعة للتحقيق    السكة الحديد: تعديل مواعيد بعض القطارات على بعض الخطوط بدءا من السبت    «ديستوبيا روبلوكس»| أطفالنا في خطر.. شهادات مرعبة من داخل الغرف المغلقة    محمد الدماطي يودع زملاءه في مجلس إدارة الأهلي: سنفتقدكم كثيرا.. وأجيال تسلم أجيال    هيفاء وهبي تطلق 5 أغنيات من ألبومها الجديد «ميجا هيفا» (تفاصيل)    «عملتها من ورايا».. نجل غادة عادل يعلق على إجراءها عملية تجميل    5 أفلام عربية تتألق في مهرجان ريو دي جانيرو السينمائي بالبرازيل    بعد اختفاء 15 سنة.. سمية الألفي تظهر في كواليس «سفاح التجمع»    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد: الدكتور عبد الكريم صالح شخصية العالم القرآنية في جائزة ليبيا الدولية    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية لمواجهة التنمر المدرسي    محافظ الغربية يستقبل نائب وزير الصحة عقب جولة ميدانية مفاجئة على المستشفيات    طريقة عمل كيكة الشوكولاتة، ألذ طعم وأسهل وصفة    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل جديدة في الأردن بمجال الصناعات الخرسانية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2أكتوبر 2025 في المنيا.... تعرف عليها    المنشاوي يعقد اجتماعًا لمتابعة المشروعات الإنشائية بجامعة أسيوط    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    مبابى على رأس قائمة فرنسا استعدادًا لمباراتى أذربيجان وأيسلندا    «النار دخلت في المنور».. كيف امتد حريق محل ملابس إلى عقار كامل في الهرم؟ (معايشة)    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    «الوزراء» يوافق على تحويل معهد بحوث السادات إلى كلية التكنولوجيا الحيوية    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    المصرف المتحد يشارك في مبادرة «كتابي هديتي»    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديكتاتورية والنظام الاستخباراتي يمنعان قيام وحدة عربية
نشر في الشعب يوم 19 - 04 - 2008


بقلم: منذر دقاق*

كان قيام الوحدة بين سورية ومصر في أوائل عام 1958 خطوة حضارية مهمة لم ترحب بها ضمناً الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وكان الخوف واضحاً من امتداد الوحدة الى أقطار عربية أخرى ما يترك اسرائيل في وسط دولة عربية كبرى. وكان من نتائج هذه الوحدة تراجع الاعتداءات الاسرائيلية التقليدية على الدول العربية ومنها سورية ومصر الى 193 اعتداء بعد أن كان قبل الوحدة في حدود 3104 اعتداءات، لترتفع ثانية عام 1965 بعد الانفصال الى 6038 اعتداء.

وتراجعت الهجرة اليهودية الى اسرائيل خلال سنوات وحدة مصر وسورية بنسبة 66 في المئة وفق ما أوضحه الأستاذ أحمد نوفل («الحياة» 6 آذار/ مارس 2008). ونما الشعور القومي الوحدوي في عهد الجمهورية العربية المتحدة في أنحاء الوطن العربي، فقامت الثورة في العراق على الملكية عام 1958 وفي اليمن عام 1962 ضد الإمام، وانطلقت الثورة المسلحة في عدن ضد الاستعمار البريطاني، وساهمت الوحدة في نجاح الثورة في الجزائر واستقلالها. وكانت اسرائيل ومن ورائها أوروبا والولايات المتحدة، تقف ضد أي اندماج عربي لأنها ترى أن أي شكل من أشكال الوحدة العربية يهدد كيانها وأمنها على نحو ما قاله رئيس استخباراتها العسكرية بهو شفاط هاركابي ورافق هذا الموقف الاسرائيلي السلبي، تأييد صامت من الولايات المتحدة، يتضح من خلال تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية CIA بعد الانفصال، وفيه تقرأ خطورة الوحدة العربية على أمن اسرائيل ووجودها، وان بقاءها مرهون بوجود دويلات صغيرة ضعيفة جداً حولها، وهذا ما يعمل له الآن مشروع الشرق الأوسط الكبير من خلال إثارة النعرات الطائفية وبذر الشقاق بين أطراف الأمة العربية تمهيداً لإقامة جزر طائفية تحيط بالدول العبرية ما يضمن بقاءها واستقرارها.

ومن المؤكد أن وحدة سورية ومصر تحت علم الجمهورية العربية المتحدة كانت خطوة حضارية وسياسية مهمة تساعد على التطور الإيجابي والتقدم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، ولئن عمل الغرب ومن ورائه اسرائيل على تفتيت الوحدة إلا أن طراز الحكم فيها، وهذا أمر داخلي، ساعد كثيراً على تقويض هذا الاتحاد العربي المهم. والنظام الاستخباراتي الذي طغى على الحياة العامة هو المسؤول الأول عن انهيار الوحدة خلال بضعة أعوام، وقد أساء التصرف وزرع عوامل انشقاق الوحدة، وما زال يذكر الشعب السوري طغيان استخبارات عبدالحميد السراج على الحياة العامة، ومن المؤكد أنه لو كان للوحدة نظامها الديموقراطي لما انهارت.

والديموقراطية تعني إلغاء الاستبداد ورد كل قرار فردي والسماح للمعارضة بالعمل على درء الفساد الذي ينتشر دائماً في كل الأنظمة الديكتاتورية، إلا ان الاشتراكية التي تحمل معاني سامية من العدالة الاجتماعية وفق ما يتم في السويد، طبقت من خلال الأنظمة الديكتاتورية على شكل لصوصية يسرق الحاكم الفرد أو أفراد الحزب الواحد الشعب ويوزع الفقر على المواطنين وإلغاء أو تحطيم المعارضة يسمح بإخفاء معالم السرقة والابتزاز واستغلال ثروات الدولة.

ونعرف جيداً أن وظيفة المعارضة في الأنظمة الديموقراطية مراقبة حكم الغالبية وكشف أخطائها للعمل على إصلاحها، إلا أن الحكم الديكتاتوري الذي يفرض السيطرة على وسائل الإعلام ويلغي صحف المعارضة يخاف كشف أخطائه وتصرفاته وابتزازه لأموال الشعب وهذا ما يسمح بالتسلط وانتشار الفساد بأشكاله. ويلازم هذه القسوة في الحكم الفردي هجرة الأدمغة المنتجة مما يعطل التطور الحضاري.

وفي العقود الأخيرة... أخذت الوراثة طريقها في بعض الجمهوريات العربية، وهي شكل جديد من أشكال الحكم الفردي الأبدي، وأهم ما يقدمه هذا التوارث انعدام الخبرة في الحكم العادل الصالح، ومن المؤكد أن الحكم العسكري يفتقر الى الخبرة والمرونة في السياسة، ولذا فإنه يتسم بالجهل والضعف وما يعقب ذلك من أذى وأخطاء قاتلة. وأهم ما قد ينتج من الحكم الديكتاتوري أنه سهل الاختراق من الصهيونية، لذا نراه يسير في خط أعوج مذبذب، حتى أنه قد يقيم علاقات خاصة من تحت الطاولة، في حين أنه يصرخ ضد اسرائيل من فوق الطاولة، وهذا واقع واضح في بعض البلدان.هذا هو الواقع الحزين في بعض أطراف الشرق العربي وهو يفسر التراجع الحضاري الملموس في العقود الخمسة الأخيرة. ووحدة سورية ومصر التي أرادها العرب الباب الكبير الأول للوحدة العربية الكبرى زالت بعد أربع سنين لأنها أصيبت من داخلها بنظام استخباراتي غير ديموقراطي دفعت الكثير من أفراد الشعب الى النقمة والنفور، ما جعل الانفصال سهلاً من خلال تمرد عسكري هزيل.

وكان عبدالناصر زعيماً كبيراً على مستوى عالمي، وأعتقد بأنه لو اتبع نهجاً ديموقراطياً في حكمه، لما تعثرت الوحدة ولبقيت وامتدت، وأذكر أنني قدمت في نادي الضباط في دمشق (21 تموز/ يوليو عام 1960) محاضرة موثقة بعشرات الصور المأخوذة من الصحف العالمية عن المركز العالمي الذي احتلته شخصية عبدالناصر في أطراف العالم، وعن اهتمام كافة الأوساط السياسية في المعسكرين الغربي والشرقي بشخصيته النادرة التي استقطبت الشعوب العربية قاطبة، إلا أن الذي أربكه هو الجهاز الاستخباراتي الذي اقامه خصوصاً في الإقليم السوري والذي قتل الوحدة وسهل الانفصال لتغيب أول صخرة أعدت لتقف أمام الاخطبوط الاسرائيلي الذي أقامه الغرب في فلسطين قلب الوطن العربي. وفي الظروف الحالية، لن يقدر لوحدة عربية متكاملة النجاح والمتابعة، ولا بد من العودة الى محاولة لم يكتب لها النجاح عمل لها رئيس الجمهورية العربية السورية ناظم القدسي في منتصف القرن الماضي، إذ قام بجولة على البلاد العربية ترمي الى إقامة اتحاد عربي يجمع دولاً عربية يتمتع كل منها باستقلال ذاتي وتبقى أمور السياسة الخارجية والعسكرية منوطة بتوجيه اتحاد مركزي، وذلك على غرار ما نراه الآن في الاتحاد الأوروبي الذي يجمع قوميات تتكلم لغات متعددة... في حين أن الشعب العربي يتكلم لغة واحدة ويجمع أغلبه دين واحد.

ويجب أن لا ننسى أن الديموقراطية الشكلية المفروضة التي نرى معالمها بشكل ساخر في بعض الأنظمة العربية، هي شكل من أشكال الديكتاتورية السياسية وهيمنة سلطة تعسفية واعتباطية تسخر من الحريات الفردية والمساواة القانونية والمشاركة السياسية الحقيقية لجميع المواطنين. والواقع السياسي والاجتماعي الذي نشهده في معظم البلاد العربية الذي حمل التأخر والتراجع والانحلال الحضاري في العقود الخمسة الأخيرة، يهدف الى هدر معنى القانون والحق وإقامة العلاقات الاجتماعية على منطق العنف والقوة وهذا ما يؤدي الى منع ظهور قوى واعية ومنظمة بديلة، والى تحطيم أي قوى ناشئة أو ممثلة، والنتيجة تعقيم المجتمع ومنعه من تكوين نخب سياسية يمكن أن تشكل تحدياً في يوم للحكام.

ومن خلال إطار ديموقراطي صحيح، يمكن أن ينتج أي اتحاد عربي يجمع البلاد العربية، وإذا كان الغرب يسعى من خلال مشروعه (الشرق الأوسط الكبير) الى تفتيت الدول العربية الحالية الى دويلات عرقية وطائفية ودينية، فإن مقاومة الشعوب العربية لهذا المخطط ضرورة قومية ملحة، ويتم إفشال هذا المخطط من خلال وعي عربي لا يخترقه نفوذ أجنبي، ويتجلى هذا الوعي العربي من طريق إقامة حكومات ديموقراطية منبثقة من أطياف الشعب، لا تسمح لتغلغل الأخطبوط الصهيوني ان يعطل اتجاهها الصحيح في إقامة اتحاد للدول العربية يسير على مر السنين في خط الوحدة العربية الشاملة، كي لا يتكرر الفشل السريع لتجربة الجمهورية العربية المتحدة التي جمعت سورية ومصر حقبة قصيرة لا تتعدى الأربع سنين.


* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.