قام الباحثان بمعهد كارنيجي الدولي ناثان براون، ومايكل ديون، بإعداد دراسة لتحليل الانعكاسات السياسية لمسودة دستور 2013، يحدد فيها الباحثان أبرز ملامح الدستور، وأبرز الرابحين والخاسرين فيه، كما تناولا وضع الحقوق والحريات في هذا الدستور، وملامح المسار السياسي بعد إعداده. وفيما يلي الجزء الأول من ترجمة الدراسة. مشروع الدستور المصري الذي تم تسليمه يوم 2 ديسمبر 2013 يقر عددًا من الأمور المهمة. فهو من ناحية، يعزز ويدعم أوضاع مؤسسات الدولة التي وقفت في وجه جماعة الإخوان المسلمين، لكنه من ناحية أخرى، يترك عددًا من الأسئلة المهمة بدون إجابة، فعلى سبيل المثال، فإن توقيت وتتابع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يظل أمرًا غير واضح، على سبيل المثال، نجد أن الأسئلة التي أثارها احتمال ترشح وزير الدفاع الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي لا تزال بدون إطار محدد للمعالجة. إن مشروع الدستور الجديد يضع منظومة أفضل لحقوق الإنسان مقارنة بالدستور الذي تم إقراره إبان فترة حكم الرئيس مرسي، لكنه مع ذلك يتيح قدرًا أكبر من المساحة لإمكان تحكم الأهواء في عملية تطبيق العدالة، فالقوانين التي من شأنها أن تحقق العدالة قد تجري كتابتها وأيضًا تطبيقها مختلفة عن نصوص الدستور، وربما تكون هذه الطروف معادية لحقوق الإنسان. إن مزايا هذا الدستور يمكن تفهمها في سياق النضال السياسي الذي حدث خلال العام الذي حكمه محمد مرسي، وأيضًا ذلك النضال الذي خاضه المجتمع المصري منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك. لقد حرصت كل من القوات المسلحة والسلطة القضائية وجهاز الشرطة وجماعات أخرى على حماية نفسها من التحدي الذي واجهته عندما وصلت للسلطة عبر الانتخابات جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الثورية والمحسوبة على جهاز الدولة، وكما قال أحد الأعضاء البارزين في لجنة الخمسين: "من لسعه الحساء يتحسس حرارة الزبادي". وهذا بالضبط ما حدث في مشروع الدستور الذي نتحدث عنه. وثمة تفسير أقل كرمًا يعني ببساطة أن قيادات مؤسسات الدولة قبل تاريخ 2011 نراهم الآن في المشهد المحتج على جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم القيادات العسكرية التي تخلق مناخًا مرحبًا باستردادهم لسلطتهم التي تمتعوا بها في عهد مبارك والعمل على توسيعها أيضا. الفائزون الفائزون الأساسيون في مسودة الدستور الحالية هي مؤسسات الدولة التي تجمعت كلها في مواجهة إدارة مرسي. فمسودة الدستور تعزز استقلالية المؤسسة العسكرية التي تتمتع بقدر عالٍ من الاستقلالية وفق دستور 2012 الذي تم تعليق العمل به، ونتيجة لصياغة وضعها في المسودة الجديدة، لم تعد المؤسسة العسكرية المصرية جزءًا من السلطة التنفيذية أو فرعًا من أفرع الحكومة، بل صارت سلطة مستقلة بذاتها بجوار سلطات الدولة. والتغيير المهم في هذا الإطار يتمثل في المادة رقم: 234 التي جمدت الموافقة على وزير الدقاع الحالي لفترتين رئاسيتين. وما أدى لاستفزاز وتفجير الخلاف أن القضاء العسكري قد تم منحه صلاحيات واسعة في التعامل مع المدنيين. وفي دستور 1971 الذي كان ساريًا حتى 2011، كانت هذه القضية متروكة للقانون، وفي دستور 2012 نحا المشرع المصري منحى مشابها لدستور 1971. وفي المادة 204 من مسودة الدستور، نجد أنها قد حددت سلطات القضاء العسكري في أنواع معينة من القضايا. كانت لغة هذه المادة فضفاضة حتى إنه يمكن القول بأن القضاء العسكري له مطلق السلطة في تحديد ما يخضع له من قضايا في أي مساحة يتم اعتبارها مساحة عسكرية. لقد استعمل مبارك المحاكم العسكرية في قضايا سياسية؛ وكان لجوؤه للمحاكم العسكرية لضمان سرعة صدور أحكام الإدانة، ومثل هذه الانتهاكات تبدو يسيرة مقارنة بالصورة الراهنة لأنه كان مرتبطًا بحالة الطوارئ التي صار اللجوء إليها الآن موضع تضييق، والمشكلة الحقيقية تحولت لتجعل من المؤسسة العسكرية صاحبة للحق في محاكمة المنتقدين والمحتجين وليس رئيس الجمهورية، وثمة آلاف من القضايا التي نظرها القضاء العسكري منذ 2011 قام فيها المدع العام العسكري بتحريك الدعوى القضائية، وقامت المحاكم العسكرية بإصدار الأحكام فيها. السلطة القضائية، التي دعمت استيلاء العسكر على السلطة من جماعة الإخوان، فازت أيضًا بقدر من الاستقلالية في هذه المسودة، فالهيئات القضائية تتلقى ميزانيتها كرقم واحد بدون الخوض في تفصيلاته أمام السلطة التشريعية، ويختار المجلس الأعلى للقضاء الشخص المرشح لمنصب النائب العام، كما نالت كل هيئة قضائية على حدة استقلالها، وقد اجتهد عدد من الفاعلين القضائيين للحصول على نص نوعي بالإضافة لحصولهم على الاستقلال عن هيئات قضائية أخرى من خلال هذه المسودة، وقد حاز معظم هؤلاء الفاعلين على ما تمنوه، ولم يمنع هذا من شعور بعض الهيئات الأخرى بقدر لا يمكن تفاديه من المهانة. وكما في دستور 2012، نص على اسم المجلس الأعلى للقضاء ولم يتم تعريفه، وتم ترك هذه المهمة التي تتضمن تشكيله ومغظم مهامه لقانون تضعه السلطة القضائية، وعلى النقيض من ذلك، فإن المحكمة الدستورية العليا التي تعنى بإقرار مدى دستورية النصوص القانونية والقواعد قد نالت بعض الشروط التي كانت تبحث عنها، منها حقها في تعيين رئيسها. وثمة مؤسسة ثالثة من مؤسسات الدولة بدت كمنتصر في هذه المسودة؛ ألا وهي الأزهر؛ المؤسسة الدينية الأولى في مصر، ومع هذا، فإن قراءة ظاهرية لنص المسودة تشي بالعكس، ففي دستور 2012، تم تضمين تعتبر الأزهر جهة استشارية في الأمور المتعلقة بالشريعة الإسلامية، هذه المادة تم استبعادها في المسودة الجديدة. لكن مثل هذه المسؤولية الدستورية كانت بسبيلها لتصوير الأزهر كباحث عن نسخة سنية من مشروع ولاية الفقيه الإيراني، بينما لم يبحث الأزهر عن مثل هذا الدور، فنطاق سلطة الأزهر محدد بموجب القانون. ولم تكن قيادة الأزهر تبحث عما يتجاوز سلطته الروحية العليا واستقلاله، وهو ما حصل عليه في مسودة الدستور. وأخيرًا، فإن جهاز الشرطة بالإضافة لكافة الأجهزة الأمنية السيادية حققت درجات فوز يمكن ملاحظتها. فالمادتان 206 و207 تجعلان الشرطة مدينة بالولاء مباشرة للشعب، وهو نفس التوصيف الذي اعتادت القوات المسلحة توصيف دورها من خلاله خلال الفترة من 2011 وحتى 2013. ويفترض بهذه الأجهزة أن تصون كرامة الإنسان وحقوقه، غير أن الإشارة لمرجعية الآليات الحقوقية الدولية قد تم إسقاطها من المسودة النهائية. ووفقا للمسودة الجديدة، فإن المجس الأعلى للشرطة ممثلاً في قيادات وزارة الداخلية يجب أن يستشار في أي تشريع يتعلق بالشرطة، وهو ما يؤكد أن ثمة حاجة ملحة لمزيد من إصلاح هذه الأجهزة القائمة. ويخضع ضباط جهاز المخابرات العامة للمحاكم العسكرية، وليس لمحاكم مدنية (المادة: 204)، وهو ما يمنحهم حصانة من الملاحقة المدنية. وفي المادة 237 تم النص على دور الدولة في مكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي صاغته السلطات الحاكمة صياغة فضفاضة بالغة الاتساع. وهناك أيضًا فائزون محتملون آخرون، حيث يمكن النظر إلى مدى تساند التشريعات والهيئات القضائية المستقبلية الحقوق التي تم تعزيزها.فالمرأة نالت في مسودة 2013 حق مساواة بين الجنسين أكثر وضوحًا وإن كان أقل حدودًا على صعيد لغة الصياغة مقارنة بدستور 2012 (المادة: 11)، وحتى مقارنة بدستور 1971. كما اعترفت المسودة بالنوبيين للمرة الأولى، كما أن الأقباط استردوا المادة الثالثة من دستور 2012 التي كانت تنص بصراحة أكبر على حقوقهم في مجال الأحوال الشخصية، برغم عمق تجذر هذه الحقوق في القانون المصري. كما فاز الأقباط بوعد يقضي بأن يصوغ البرلمان القادم قانونا يتعلق بالكنيسة، ويفترض بهذا القانون أن يحمي حرية ممارسة الشعائر الدينية (المادة: 235).