لم يكن يخطر على بال من قاموا بالانقلاب العسكري على أول رئيس منتخب أن الصعوبات والمعوقات التي ستواجههم ستكون بهذا الحجم،الذي سيعطل ماكينة انقلابهم وقد تتوقف عن العمل فجأة إذا لم تتوالى عمليات ضخ الأوكسجين بشكل متواصل في شراينها ليبقى الانقلاب ينبض بالحياة،وغاب عنهم أن خطوة مثل هذه لابد من وضع الحسابات التي تكفل نجاحها قبل الإقبال عليها حتى يصلوا للدرجة التي يتأكد معها نجاح الانقلاب..وبداية يعرف الانقلاب العسكري بمفهومه الواسع بأنه الاستيلاء على السلطة باستخدام القوة العسكرية بطريقة مفاجئة مع استخدام الحد الأدنى من القوة،هذا بتعريف الباحثين..مؤكدين أن ما يقود الإنقلاب أفراد مؤثرون في القرار العسكري والسياسي،وحسب الكاتب الإيطالي كورزيو مالابارتي فإن مفهوم الانقلاب لا ينطبق فقط على العسكريين والسياسيين بل يشمل حتى القوى المدنية،التي تشارك أيضا من خلال زعزعة استقرار الحكومة عبر إجراءات تهدف إلى خلق حالة من الفوضى الاجتماعية تمكن وتبرر وصول الانقلابيين إلى السلطة(جبهة الإنقاذ وتمرد) كمثالين،وعادة يلجأ الانقلابيون للاستيلاء على السلطة تحت دعاوى كثيرة قد يقتنع بها نفر من الشعب ويرفضها نفر آخر،وهو ما ينطبق على الحالة المصرية،بمشاركة قوى مدنية بمختلف ايدولوجياتها لتكون الغطاء لما جرى في 3 يوليو،بالارتداد على كل مكتسبات الشعب التي حققها في ثورته المجيدة في 25 يناير. لكن السؤال دائم الطرح باستمرار منذ نجاح الانقلابيين بالاستيلاء على السلطة وهو "هل سينجح الانقلاب على السلطة الشرعية وتستقر الأمور ويستكين الشعب وتؤول الأمور لقائد الانقلاب الفريق السيسي في النهاية ويصبح رئيساً لهذا البلد.؟! ..الإجابة من وجهة نظر المفوضين المؤيدين ستكون بنعم دون تفكير أو حتى القبول بالمناقشة من الأساس فهم يرون ما يودون رؤيته فقط..لكن تعالوا نناقش الوضع بهدوء، لابد من الإقرار بأن الانقلاب ناجح نظرياً للآن وفاشل عملياً للآن أيضاً.! ونوجز أسباب ذلك الفشل في عدة نقاط مهمة تستحق الوقوف عندها..؟!، (النقطة الأولى) رفض أغلب دول العالم للانقلاب باستثناء بعض دول الخليج التي لاتريد لمصر حريتها،وروسيا الباحثة عن دور فقدته منذ انهيار الإتحاد السوفيتي السابق والريادة التي تحلم بها ولن تراها بفضل سياستها المنحازة للأنظمة الديكتاتورية الدموية وتأييدها لبشار الأسد لخير مثال..(النقطة الثانية)، الرفض الشعبي الذي يزداد يوماً بعد يوم فليس الإخوان وحدهم هم من يطالبون بالعودة لمكتسبات ثورة 25 يناير،لكن هناك الحركة الطلابية المرتكز الرئيسي والمهم للرفض ولشدة الخوف والرعب منها كانت الأحكام المبالغ فيها لبعض الطلاب المعارضين بسرعة البرق بتلبيس كل طالب 17 عاماً وقتل مستقبله ودفنه حياً،وهو ما اثار حفيظة زملائهم المتحمسين أصلاً ليشعلوا الموقف أكثر مما هو مشتعل..(النقطة الثالثة) تتمحور حول الاقتصاد وما يتعرض له من أخطار قاتلة بتجفيف منابعه الأصلية من سياحة وتحويلات المصريين في الخارج ومدخولات قناة السويس،والاستثمارات الأجنبية الضخمة،بالطبع كل هذا تأثر بشدة بعد انقلاب 3 يوليو باعتراف الانقلابيين أنفسهم..(النقطة الرابعة) أزمة أنابيب الغاز والطاقة ككل وانقطاع التيار الكهربائي اسبوعيا والغلاء غير المبرر لأسعار السلع الأساسية وضغوطات الحياة اليومية على الفرد سيكون له مفعوله المؤكد لينتهي شهر العسل بين المفوضين المؤيدين للانقلاب في القريب العاجل ومن فوضوهم،فلم نر مؤيداً للشرعية تحول لتأييد السيسي والعكس تحول كثيرون للوقوف في وجه الانقلاب وجاءتهم نوبة صحيان مفاجئة بعدما لمسوا أنهم وقوعوا فريسة للانقلابيين وسمعت بنفسي مواطنا مصريا يتحدث عبر الهاتف في أحد برامج التوك شو يسب الحكومة والانقلابيين بشكل فظ وهو منفعل بشدة،وتم قطع عليه الاتصال على الفور،(النقطة الخامسة) إصرار الانقلابيين وتركيزهم على الحل الأمني دون إيجاد حلول أخرى والإسراع في اقرار الدستور وسن قوانين تقيد حريات المواطنين خاصة قانون التظاهر المزمع تمريره وما يسببه ذلك من ازدياد لحالة الاشتعال لدى الشارع المصري المشتعلة أصلاً،إضافة إلى أن عناصر الشرطة والجيش ستتذمر حتماً سواء عاجلاً أم آجلاً بالتواجد الدائم في الشارع من أجل مطاردة مظاهرات المعارضين وهو وضع منهك لهم ويكبد الدولة خسائر ضخمة وسيدفع هؤلاء إلى الاعتراض لو لمسوا أن الوضع لن ينتهي في القريب العاجل..(النقطة السادسة)تعويل الانقلابيين على الآلة الاعلامية التي تمولها بقايا نظام مبارك من رجال أعمال لهم مصالحهم وحساباتهم قد ليستمروا في دعمهم بالشكل الأمثل حالة تهدد مصالحهم ورأينا النبرة بدأت تتغير وسهام النقد توجه على استحياء للحكومة بعد فشلها الذريع فى حل ولو مشكلة واحدة بل ساعدت في تأزيم الموقف للأسوأ..(النقطة السابعة)وهي الأخطر هو ما يجري على أرض الواقع باعادة نظام مبارك بوجهه القبيح وصمت الإعلام فجأة عن الفساد الذي شهده عهده والاموال التي تم تهريبها والترحيب بعودته سالماً لحظيرة الدولة المصرية وقريباً سنسمع أصواتاً تنادي بتكريمه وتقليده أرفع الأوسمة،بعد تبرئة ساحته ومعه نظامه كاملاً..!..( النقطة الثامنة) إعادة أكثر من 600 ضابط من مباحث أمن الدولة للعمل مرة ثانية لتبدأ آلة القمع وإهانة الشعب في عملها بشكل يومي بعودة التعذيب بأقسام الشرطة دون خوف من محاسبة أو محاكمة،وهو ما أدى لحنق قاسم كبير جداً من المؤيدين للانقلاب وبدأوا ينتبهون أن يد البطش قد تطالهم يوماً..(النقطة التاسعة) والأخيرة عدم تطبيق الحد الأقصى والأدنى للأجور على العاملين بالجيش والشرطة والقضاء والبنوك والبورصة، كنوع من التلاعب بالشعب والتمييز بين طوائفه والدرجات الوظيفية وهو ما سيقابل برفض شعبي قريباً،النقاط التسع قد تأتي على الاتقلاب وتتغير الخريطة السياسية كاملة في مصر وقد تستمر الدولة بشكلها قبل ثورة 25 يناير بكل أداوتها الفاسدة لكن المراهنة على الشعب هي الفيصل الآن فهل يستجيب أم سيظل خانعاً.