استقبل المصريون والعرب الكاتب والروائى "علاء الأسوانى" بزفة مصرية بلدى وهو الذى أوفد إلى باريس من قِبل قوات الانقلاب للتبشير بنظام السيسى وتعدد مناقب السيسى الملاك الطاهر الذى حل بجناحيه الطاهرة على بر مصر المحروسة، ولما اعترضه ثلة من أحرار العالم الذى حضروا الندوة بلافتات رابعة وبشعارات ضد الانقلاب، انفعل الأديب الرقيق المتردد دائما على نوادى الروتارى الليونز، أشار لهم بأصابعه أشارات جنسية، وخاف الرجل من هتافاتهم السلمية، فذعر واستولى الخوف عليه، وخاطبهم من وراء جدار وبعد أن أحاطه الأمن، بألفاظ نابية كالتى تترد فى الشوارع والحوارى، وهو الذى ولد ونشأ وترعرع فى حى "جاردن سيتى" الراقى ... والأسوانى هو متناقض مع نفسه ومبادئه كان يشيع مبادئ الليبرالية ويمدح الجميع بما فيهم جماعة الأخوان المسلمين، ولقد قرأت له مقالا يتغزل فيه فى الدكتور أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد فى هذا الوقت، وكانوا (سمن على عسل) فى حركة كفاية، ولما دارت الدائرة وقامت ثورة يناير 2011بدأت مبادئ الأسوانى تنسل منه رويدا .. رويدا، وبدأ الهوى والغرض يحركانه ..عارض العسكر وهتف ضدهم (يسقط ..يسقط حكم العسكر) لأنهم لم يمكثوا فى الحكم ثلاثة أو خمسة أعوام كما قال أقرانه الناصريون، ولأنهم أيضا لم يسلموا البلاد لهم فى مجلس رئاسى انقلابى لا يأتى بالديمقراطية التى اختتم بها كل مقالاته (الديمقراطية هى الحل)، وزادت شراسة الرجل عقب الاستفتاء الذى جرى فى مارس، وبدأت منذ هذا التوقيت حملة ممنهجة تحريضية ضد التيار الإسلامى، والعجيب أنهم استخدموا قنوات رجال أعمال مبارك لهذا الغرض، وصدموا أشد الصدمة عندما كانت الحملات لا تؤتى ثمارها وتكون دوما فى صف معارضيهم، الذين نجحوا فى كل التزام انتخابى ديمقراطي، إلا أن انحياز قادة مبارك من العسكر إليهم فى ثورة "الفوتو شوب" 30 يونيو المزعومة وجأوا بهم عبر صناديق الذخيرة والدبابة إلى سدة الحكم ووضعوا البلاد على مغارة الظلام وأرجعوها عقودا للخلف، والعجيب أن هذا الرجل الديمقراطى كان يسوغ للعسكر استخدام المذابح فى أحد مقالاته، فى قمع الإسلاميين حتى كانت الطامة الكبرى فى مجزرة رابعة العدوية التى قتل فيها لا يقل عن خمسة آلاف نفس ولم تهتز شعرة فى رأس الأسوانى المصبوغ ، ولم تهتز أحاسيسه التى يستخدمه فى أدبه وأيدها كل مدعى فكر حر فى بلادنا التى نكبت بأمثال هؤلاء الدمويين الانقلابيين. وبينما أنقب فى سجل مقالاته التى كان يختمها دوما بعبارة "الديمقراطية هى الحل"، استرعى انتباهى مقالاً كتبه فى 31 أغسطس2010 بعنوان: "لماذا لا يذهب المصريون إلى الانتخابات؟".. تعرض فيه الأسوانى لحدث من أحداث التاريخ وهو موقف الشعب المصرى عقب ثورة 1919، وإرسال بريطانيا للجنة ملنر الذى رفضها الشعب عن بكرة أبيه، وأشاد الأسوانى بوعى كافة طوائف الشعب من نخبة وعامة على السواء، فقال: "وصلت لجنة ملنر إلى القاهرة لتجد فى انتظارها مقاطعة شاملة، لم يقبل سياسى مصرى واحد التعامل مع اللجنة حتى إن رئيس الوزراء آنذاك محمد سعيد باشا استقال من منصبه حتى لا يضطر للتعامل مع اللورد ملنر، ويحكى أن اللورد ملنر ضل طريقه ذات مرة فى شوارع القاهرة فلما سأل سائقه أحد المارة عن العنوان أجابه الرجل: «قل للخواجة بتاعك يسأل سعد باشا فى باريس" ..كانت نتيجة هذا الإجماع الوطنى أن فشلت لجنة ملنر فى مهمتها واضطرت الحكومة البريطانية إلى الإذعان لإرادة المصريين والتفاوض مع سعد زغلول مباشرة.. هذا الوعى السياسى الحاد للشعب المصرى ستجده بلا استثناء فى كل صفحة من تاريخ مصر. المثقفون والساسة يحللون كل شيء بناء على نظريات وأفكار مسبقة وهم يتكلمون كثيرًا ويخوضون مناقشات معقدة يختلفون فيها دائمًا،) أما الناس العاديون، حتى ولو كانوا أقل تعليمًا، فهم كثيرًا ما يتمتعون بفطرة سياسية سليمة تمنحهم رؤية ثاقبة لكل ما يحدث فيتخذون ببساطة مذهلة الموقف الصحيح)!.. ما زلنا بعد أربعين عامًا من وفاة الزعيم جمال عبدالناصر نتناقش حول أخطائه وإنجازاته، أما الشعب المصرى فقد قال كلمته عندما مات عبدالناصر فخرج ملايين المصريين ليودعوه إلى مثواه الأخير.. (هؤلاء البسطاء الذين أجهشوا بالبكاء كالأطفال حزناً على عبدالناصر كانوا يدركون جيدًا كل أخطائه ويعلمون أنه تسبب فى هزيمة قاسية لمصر والأمة العربية، لكنهم أيضًا أدركوا أنه كان زعيمًا عظيمًا نادرًا فى إخلاصه لمبادئه وأنه بذل جهده وحياته من أجل أمته. عندما تختلط علينا الاختيارات- نحن المثقفين - يجب أن ننصت دائمًا لرأى الشعب.. إن أفراد الشعب ليسوا أبدًا، كما يقول المسئولون المصريون، دهماء أو غوغاء لا يعرفون مصالحهم، بل هم على العكس يتمتعون عادة ببوصلة لا تخطئ يحددون على أساسها الموقف الصحيح). إذا كنا نعانى انحراف مثقفين كثيرين عن الخط الوطنى وتحولهم إلى أعوان وأبواق لنظام الاستبداد فيجب أن ندرك أن سقوط المثقف يبدأ دائمًا باحتقاره للشعب.. لا يمكن أن نفهم بلادنا إلا إذا فهمنا الشعب ولا يمكن أن نفهم الشعب، إلا إذا احترمنا قدراته وتفكيره، واستمعنا إلى آراء الناس واختياراتهم وتعاملنا معهم، ليس باعتبارهم كائنات ناقصة الإدراك والأهلية تحتاج إلى وصايتنا، وإنما باعتبارهم أشخاصًا يتمتعون بخبرة فى الحياة يجب أن نتعلم منها.. بعد أسابيع قليلة سوف تبدأ انتخابات مجلس الشعب وقد رفض النظام إعطاء أية ضمانات لنزاهة الانتخابات: رفض إلغاء قانون الطوارئ ورفض تنقية جداول الناخبين من أسماء الموتى (الذين يصوتون دائما لصالح الحزب الحاكم)، ورفض الإشراف القضائى أو حتى المراقبة الدولية، كل المؤشرات إذن تقطع بأن الانتخابات القادمة ستكون مزورة مثل كل الانتخابات السابقة.. فى مثل هذه الظروف يقرر الشعب المصرى مقاطعة الانتخابات، وبالرغم من محاولات النظام المستميتة فإن نسبة الحضور لا تتعدى أبدًا 10 فى المائة من الناخبين. السؤال هنا: لماذا لا يذهب المصريون إلى الانتخابات؟ الحقيقة أن مقاطعة المصريين للانتخابات ليست تصرفا سلبيًا، كما يردد كتبة النظام المنافقون وإنما هو موقف واعٍ وفعال وصحيح. إذا كانت الانتخابات مزورة وإذا كان منع التزوير مستحيلاً، فإن المقاطعة تصبح الاختيار الصحيح، لأنها تمنع النظام من الادعاء بأنه يمثل الشعب الذى يحكمه.. من هنا نفهم إلحاح النظام الشديد على المصريين حتى يشاركوا فى الانتخابات القادمة، فالمسرحية قد تم تأليفها وإخراجها وتوزيع أدوارها بالكامل، إنهم فقط يحتاجون إلى مجموعة من الكومبارس حتى يبدءوا العرض. الشعب المصرى ليس سلبيًا أبدًا لكنه حكيم تكونت خبرته على مدى قرون طويل. والدليل على ذلك حرص المصريين على الاشتراك فى أى انتخابات محترمة". هذا هو موقف علاء الأسوانى قبل اندلاع ثورة يناير بحوالى خمسة شهور، عندما كان يتحالف مع الإخوان المسلمين الذين كانوا لهم الشارع كله، فلجأوا إلى هذا الفصيل ليلتحفوا بهم ضد جبروت مبارك ونظامه البوليسى القمعى وقت أن كانوا يتعاملون بحرص وبمبدأ "سيب وأنا سيب"، فأطلق لهم هامشاً من الحرية لتجميل صورته أمام الرأى العام فى الداخل والخارج، فى حين نكل بالإسلاميين ولم يتعرض النظام وأمن دولته لأمثال علاء الأسوانى بأى أذى، فالرجل كان يتحرك فى كل مكان فى الداخل والخارج ولا يعترض له أحد، يذهب إلى أوروبا وأمريكا يزور أضرحة المفكرين الليبراليين ويتسوق ويعيش حياته بين الغوانى، فى حين كان قادة التيار الإسلامى خلف القضبان وتصادر أموالهم ، ولما رجع الشعب إلى رشده وخلع رأس الاستبداد واختار التيار الذى وقف بجانبه ولم يتعالَ عليه، كفر هؤلاء بالديمقراطية التى صدعونا بها فى الماضى وحنقوا على هذا الشعب الذى يكرهونه أصلاً ولا يهتمون بوجوده، وقف هؤلاء المرضى النفسيون والإقصائيون يوصون بتنحية الأميين من الإدلاء بأصواتهم فى أى انتخابات تجرى، وتبعه فى هذا من يدور فى فلكه من سدنة النظام البائد، فلم نستغرب قول أحدهم هو الروائى الماركسى إبراهيم عبدالمجيد الذى قال على إحدى قنوات التليفزيون المصرى الرسمى بأن (الأمى كمشترى السيارة لا يعرف القيادة إذا حاول قيادتها فيصطدم بها فى أقرب جدار)، واتهم الكاتب الروائى فؤاد حجازى فى مؤتمر أدباء مصر عام 2011، الذى كان رئيساً لهذا المؤتمر- الشعب المصرى بالجاهل الذى لا يميز بين ما يفيده وما يضره لأنه اختار الإسلاميين فى مجلس الشعب. نحن لا نتعرض كلية لفكر الرجل فى المجمل الذى يعادى الإسلام كلية ويستخدم فزاعة اضطهاد الأقباط بداعى ودون داعى جريا على منهج أسياده "فرق تسد"، وعلى منهج الدولة البوليسية التى عمرت ستة عقود بفزاعة الأقباط ، ويلعب الليبراليون والعلمانيون واليساريون على ورقة الأقباط ويعزفون عليها، كما كان يفعل الاستعمار الذى حاول أن يفرق وحدة الأمة بإدعاء أن وجوده من أجل حماية الأقباط، لذلك يلعب هؤلاء طوال الوقت ويذهبون للخطابة فى الكنائس وتحريض الأقباط ضد أخوانهم بخلق أكاذيب رخيصة ومنها أنهم مضطهدون طوال علماً بأن هذه الأكاذيب ليست له وجود على أرض الواقع، وأنك إذا سرت فى شوارع مصر بدون سيارات "همر" كما يفعل الأسوانى، لا تستطيع التمييز والتفريق بين ملامح المسلم والمسيحى، كذلك السخرية من الخلافة الإسلامية فى مقاله فى جريدة "المصرى اليوم" بتاريخ 31 مايو 2011م، مقالا عنوانه: "هل نحارب طواحين الهواء؟" سخر فيه ممن يحنّون إلى إقامة نظام الخلافة الإسلامية وقسمهم إلى فريقين: واضعا فريقا منهم فى خانة السذاجة السياسية وغلبة العاطفة الدينية على تفكيرهم، والفريق الآخر فى خانة المكر والرغبة فى استغفال الجماهير واستغلال الدين بغية الوصول إلى كرسى الحكم، ومتهما حكام الإسلام كلهم على بكرة أبيهم تقريبا منذ قيام الخلافة فى عهد الصديق حتى آخر خليفة عثمانى فى منتصف عشرينات القرن العشرين بأنهم كانوا مستبدين جبارين دمويين لا يخشَوْن شيئا أو أحدا ولا يراعون أى مبدأ خلقى فى حكمهم ولا فى الطريقة التى يصلون بها إلى دَسْت السلطة. التناقض إذن هو الحل ولا هى ديمقراطية ولا يحزنون