القبرصة ( من قبرص)، العرقنة ( من العراق ، الأفغنة ( من افغانستان)، اللبننة ( من لبنان )، البلقنة( من البلقان ) .... كلمات شاعت كثيرا ودخلت في صلب التعريف عن حالة من الحروب لكل منها خصائصها. فالقبرصة قسمت قبرص الى جزئين، والعرقنة تسعى لتقسيم العراق الى ثلاثة أجزاء ، والأفغنة يراد لها ان تقسم افغانستان ، واللبننة نوع من الحرب الاهلية التي يشار فيها دائما الى التقسيم الذي قد يقع ولا يقع لكنه مهدد دائما بالتقسيم ، اما البلفان التي نعيش بروز شغبها الجديد فيمكن ان تكون محطة لاندلاع حرب عالمية طالما انها كانت السبب في الحرب الكونية الاولى عندما اطلق شاب صربي النار على الارشيدوق فرديناند ولي عهد النمسا مما دفع اوروبا كلها الى تلك الحرب الهائلة التي انتهت يهزيمة المانيا وتوقيع اقسى معاهدة بحقها خلال التاريخ المعاصر والحديث. يستدل من التسميات تلك ان العالم يشهد في كل مرة بروفة من النوع الدموي الذي يؤدي الى محنة وأزمات تلاحقه. ويبدو ان تلك التسميات لاتزال قائمة الى الآن وربما الى أمد بعيد طالما ان نيرانها تتحرك عندما تخمد، واذا ماخمدت فإن آثارها تظل قائمة من بعيد وقريب. انها في لب الاشكالات العالمية التي تحمل انفاسا عرقية واثنية وطائفية ومذهبية .. وهي تنحدر دوما بالجنس البشري الى حالاته الاولى التي بدأت فيها افكاره بتحديد انتماءاته. ويبدو ان العالم الذي ينفث النار فيها لاتعنيه نوع الدماء التي تسيل وانما وصفاته الجاهزة للحفاظ على انماط مصالحه التي ماان تتهدد حتى يثار غبارها او هو يثيرها بلعبة جاهزة على الدوام . انها امكنة صالحة للتهديد بقدر ماهي جاهزة للاثارة ، وفيها من الخمائر الدائمة مايجعلها قابلة للتكرار رغم الآلام الهائلة التي تصحبها في كل مرة. اليوم تخرج كوسوفو من رحم صربيا التي لم يؤلمها في تاريخها سوى ذلك الخروج الذي يقع في القلب منها ان لم يكن خاصرتها الرخوة . لقد دفعت صربيا خلال السنوات الماضية دما كثيرا ودمارا من اجل ان تبتعد عن لعبة اثارة العصبيات ، وحين ارادت الممانعة سقط رئيسها ميلوسوفيتش في ميزان " العدالة " التي ليس فيها من العدالة سوى ان الاميركي يريد قلب اوروبا بعدما وضع عينه على انجاز اكبر قواعد له في البانيا . التحدي الذي تواجهه صربيا لن يدفعها الى اية مغامرة عسكرية كانت جربتها وخسرتها. اما الوسائل الدبلوماسية فلن تكون لصالحها بعد ان اعترفت الولاياتالمتحدة كأول دولة في العالم " بالمخلوق " الجديد كوسوفو ، على أمل ان يلحق بها عالم آخر تسعى للضغط عليه من خلال نقاط ضعفه. وفي كل الاحوال فان كوسوفو خرجت الى النور وستنعم بالاستقلال كما ترغب وكما اهتدى اليه قادتها وكما هو المشروع الاميركي بحق تلك القارة التي تبدو بالفعل عجوزا لايمكنها الدفاع عن مستقبلها الموحد ولا عن بلادها الصغيرة والكبيرة . انه عالم الامر الواقع كما يحلو للسابحين في ارواء غليل مصالحهم وفي الاساس منها ذلك الاميركي الذي يستطيع كثيرا ان يفعل فعله في اي مكان وان يقترب دائما من حدود احلام مصالحه التي تكبر في ظل انكفاء اية قوة مقابلة. وستظل تلك العناوين المشار اليها اعلاه من الملامح الثابتة في السياسات السائدة والتي تبدو من المقدسات بعدما ادت اغراضها وصارت رموزا يستفاد منها عبر دمها او بدونه. اذا قدمت دماءها فهي كي تخسره، او تقدمت بدون دماء فلسوف يأتي من يضخ فيها دمه كي تلعب به في كل اوقاتها الضائعة!.