(1) حيثما سطا قُطاع الطريق على الحكم فى دولةٍ، تحوّلت إلى غابة بلا قانون.. إلا قانون الغاب.. الغلبة فيه للأقوى.. وفى الدولة الغابة يتقلّص الوطن، وتضيق مساحته، حتى تنحصر فى وُجْدان الإنسان وعقله.. فإذا تسلَّل قطَّاعُ الطريق بأجهزتهم الإعلامية إلى هذا الجزء الباقى، فاعلم أن الوطن يحتضر.. وهنا جاز البكاء؛ فالوجدان والعقل هما آخر حصن للقيم الإنسانية، وإذا سقط هذا الحصن سقطت القِيَمُ وضاع الوطن.. يعكس هذا المعنى ويؤكده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. فإن لم يستطع فبلسانه.. فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
إذا أخذت مصر نموذجا لهذا الواقع فسترى أن كثرة من الناس كانوا قد أسقطوا حصنهم بأيديهم فأفسحوا الطريق للانقلاب العسكري ليأخذ مجراه.. نسبة كبيرة منهم ندمت ولكن بعد فوات الأوان.. ويدفع الجميع الآن ثمن هذه الغفلة والتفريط: يدفعونه من دمائهم وحرياتهم و كرامتهم وأعراضهم وانتهاك ثورتهم ومقدّساتهم.. وإذا كنت تشك فى أن ما يحدث فى مصر الآن هو عمل عصابة من قُطّاع الطريق تستخدم قوتها بلا رادع ولا وازع من ضمير أو قانون فليس عليك إلا أن تفتح عينيك فقط لترى ما يحدث أمامك منذ الثالث من يولية 2013 حتى الآن..
ذلك إذا كنت من عُشَّاق الحقيقة ولست ممن غاب وعيهم وانطمست بصيرتهم، لأسباب يعلمها ربّ العباد على وجه اليقين، ونجتهد نحن فى فهمها واستيعابها؛ لعلنا ننجح فى تخليص هذا الوطن من العصابة التى سطتْ عليه؛ بتخليص العقل أولا من تلبيسهم وتزييفهم.. أعمال هذه العصابة وتصريحاتها تدل على أصحابها.. وتشى بطبيعة مهمتهم فى تركيع الشعب المصري وكسر إرادته وإعادته إلى حظيرة الخوف والتبعية والمذلّة.. وكل ذلك يصب فى مصلحة أعدائه فى الداخل والخارج.. وقد ثبت بالدليل أنها مصلحة واحدة؛ فالاستبداد الرأسمالي العسكري فى زمن مبارك والذى يمثله الآن النظام الحاكم فى مصر تتطابق مصالحه مع مصالح وأهداف الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة وعلى مصر بصفة خاصة..
لست بحاجة إلى أن أسوق فى هذا كثيرا من الأدلة.. ولكنى أكتفى بمثالين بسيطين: (1) ما يقوم به الجيش فى سيناء من بطش وتدمير لا مبرر له .. ولا يستفيد منه سوى إسرائيل .. والتعلّل بالحرب على الإرهاب هو مجرّد صناعة إعلامية.. ولو كان هناك بؤر إجرامية أو إرهابية فليس علاجها؛ بالإفراط فى القتل والتدمير.. حيث لا يصلح سوى العلاج السياسي والإصلاح لاجتماعي.. ومشروعات التنمية الجادة.. كالتى بدأها محمد مرسى فى مشروع القناة وتعمير سيناء.. ثُم جاء الانقلاب ليحطِّم الأمل وينسف المشروع..
(2) أسمع ما لم أكن أتصور أن يفخر به إنسان مصري ناهيك أن يكون وزيرا سابقًا.. معبِّرًا عن سعادته بأن محطة كهرباء غزة توقفت منذ ثلاثة أيام.. وأن هذا قد" تم بفضل نجاح الجيش المصري في وقف عمليات تهريب السولار والبنزين إلى قطاع غزة عبر الأنفاق وإحكام الحصار عليها .."
كنت أتصوّر أن تقوم مصر بمدِّ إخواننا المحاصرين فى غزة بالوقود اللازم لتشغيل محطة كهربائهم وأن تعفيهم من تكاليفه الباهظة عبر التهريب.. وهم يشترون الوقود ولا يطلبون إعفاءهم من الدفع..! أليس هذا أوْلى من توصيل البترول والغاز لإسرائيل بتراب الفلوس بل وبالخسارة الفادحة على مصر، التى تبلغ عشرات المليارات من الدولارت كل عام.. ؟!
أم أن أهداف الانقلابيين قد تطابقت مع أهداف إسرائيل فى تجويع غزة وحصارها والعمل على تركيعها للعدو الإسرائيلي..؟! هل أصبح قتل الفلسطينيين فى غزة بالجوع والحصار والحرب هدفًا للجيش المصري..؟! وهل بلغت الحماقة عندنا أن نعمل على هدم الجدار الأخير للأمن الوطني المصرى [الذى تمثّله المقاومة الفلسطينية الباسلة] وأن نتعاون مع إسرائيل فى إسقاطه لتحقيق الأهداف الصهيونية: فى تقسيم مصر وتحقيق الحلم الصهيوني فى بناء إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل..؟!
(2)
أتعرف من هو المرتزق.. ؟ إنه جندى مستأجر بالمال لا يحارب دفاعًا عن وطن ولا قضية ولا مبدأ.. ولكن لكي يعيش؛ فالقتل والقتال مهنته التى يكسب بها عيشه.. ولكنه يعرف فى الوقت نفسه أنه يخاطر بحياته؛ فقد يُقتل فى أي لحظة .. وهذا هو الفرق بين مرتزقة الحروب ومرتزقة الفكر؛ فهؤلاء يعلمون أن حياتهم مُصانة.. وهناك سمّاعون لهم وفضائيات تدعوهم وتدفع لهم .. قد يخسرون السُّمعة.. ولكن ما قيمة السمعة لمن باع ضميره وخسر دينه..؟ لا شيء..! إنهم كالكلاب المسعورة لا تكفّ عن النباح؛ فالنباح وظيفة الكلاب.. وعلامة استمرارهم فى الوجود واستحقاقهم للأجر والمأوى .. ينظر المرتزق إلى سيده وهو يهزّ ذيله استعطافًا ؛ للاستحسان والأجر الموصول.. إنه عندما يستميت للظهور الدائم فى الفضائيات.. ومواصلة النُّباح.. يبعث برسالة كلبية واضحة [أنا هنا ياسيدى رهن إشارتك..]!
من بين هؤلاء المرتزقة فئة من الأكاديميين وأدعياء الفكر والثقافة لا يزالون يروّجون لفكرة أن الانقلاب العسكري ثورة ولا يرون فى مجازره وحرائقه وانتهاكاته للحريات العامة إلا أنها من أعمال العنف والإرهاب التى ينسبونها لضحايا الانقلاب؛ فكيف يستسيغ عقل هذا البنى آدم أن يجعل الضحية مجرما والمجرم ضحية..؟! لا إجابة ولا منطق؛ إنه نموذج لشخصية كائن متعصب إذا عصرته أفرز لك خلاصة التعصب الأعمى.. ثقافته الإسلامية صفر .. وكراهيته للإخوان والتيارات الإسلامية تعميه عن رِؤية الواقع.. يتهم الإخوان بكل ما حدث وما سيحدث فى مصر من جرائم.. ولا يقدّم دليلا واحدًا على اتهاماته.. ويرفض أن يستمع إلى الدليل المناقض.. تراه دائما فى الفضائيات عاليَ الصوت متحمسًا للأكاذيب الإعلامية؛ يرددها بهوسٍ ويدافع عنها بشراسة ويقين ولا يقدّم عليها دليلًا واحدا.. مثلا: يتهم الإخوان بأنهم حرقوا بيت محمد حسنين هيكل فإذا ووجه بالدليل على أن النيابة أمرت بالقبض على لص وقدمته للتحقيق هو الذى حرق البيت بعد أن سرق ما فيه.. انقضّ كالثور الهائج على خصمه بسيل جديدٍ من الاتهامات المفبركة بلا دليل ولا خجل.. كأنه ماكينة كلام أو بلدوزر أفلتت عجلة قيادته من سائقه.. يهرب من الإجابة على الأسئلة المنطقية المحرجة بالصوت العالى وتغيير دفة الموضوع.. لا تراه إلا مكشٍّرًا عن أنيابه.. نظرات عينيه تشف عن حقد هائل وكراهية لكل ما هو مسلم أوإسلامي..
بعض هؤلاء يضع قبل إسمه لقبًا أكاديميًّا مما يزيد فى عجبى: كيف حصل هذا على الماجستير ثم الدكتوراة: وهو لا يلتزم بالمنهج العلمي فى التفكير.. ولا يحترم المنطق.. ولا يلتزم بالحقائق الموضوعية.. ولا يحسن عرض أفكاره ولا يجيد النقاش مع من يختلف معه فى الرأي.. بل يعمد إلا الصياح وتكرار عبارات استفزازية للتشويش على خصمه حتى لا يتمكن من التعبير عن رأيه.. وحتى لا تصل فكرته إلى المشاهدين.. وتلك هى قمة الغوغائية..
تسألنى من يكون هذا الكائن البلدوزر ..؟! و أقول لك إنها صفات وخصائص تتوزّع على كثرة من الناس.. وتتمثل فى شخصيات عديدة بدرجات متفاوتة .. و لكنى لم أشهد فى متابعتى لهم من هو أحق يهذا اللقب أكثر من المدعو: الدكتور "عمرو هاشم ربيع".. مزيج عجيب من التعصب الأعمى والجهالة.. والاستخفاف بالعقول..! إنه يذكّرنى بخبرتى الشخصية -منذ حوالي عشر سنوات- مع نموذج طبق الأصل واجهته -على غير توُّقع- فى برنامج كان يسمى "الكتاب الممنوع" على قناة مصر الثقافية .. كنت أظن أننى الوحيد المسئول عن الموضوع؛ فقد سبق أن كتبت عنه مقالا مستفيضا فى مجلة الهلال أحدث ضجة فى ذلك الوقت؛ عنوان الكتاب "لماذا يكره العالم أمريكا".. حدث هذا فى الوقت الذى فردت أمريكا عضلاتها فى العالم وهي تخوض معارك ضارية ضد ما أسماه "بوش" بالحرب على الإرهاب ..
ولكن يبدو أن لجنة السياسات بالحزب الوطنى فرضت على البرنامج أحد أعضائها ليفسد عليّ الحلقة، لم يقرأ الكتاب ولم يقرأ مقالى عنه، وقد انحصرت مهمته فى الصياح والتشويش حتى يمنع وصول فكرتى إلى المشاهدين؛ لدرجة أن بعضهم وصفه بأنه بلدوزر منفلت ضلّ طريقه فدخل التليفزيون.. أتدري من هذا البلدوزر؟ - لقد قيل لى أن إسمه "الدكتور جهاد عودة" وأنه أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة قناة السويس..!! صورة طبق الأصل من الفتوّة الذى أشرت إلى إسمه سابقًا.. وكانت هذه آخر تجربة لى مع التلفزيون المصري قرّرت بعدها ألا أستجيب لدعوته مهما كانت الأسباب..! [email protected]