أكثر إحصائية معبرة في تقرير التنافسية العالمية الأخير الذي أعده المنتدى الاقتصادي العالمي هو أنه لا توجد دولة عربية واحدة يأتي ترتيبها في الخمسة والعشرين الكبار. إن ذلك تنويه صارخ آخر على أن العالم العربي - برغم كل ملياراته من الدولارات المكتسبة من النفط واحتياطياته الضخمة - مازال مستوردا صرفا للتقنية الأجنبية والخدمات الأجنبية وحتى دولة الكويت القديرة الثرية - تصنف في الترتيب الثلاثين، وتتخلف عن دول صغيرة مثل أستونيا . ومسألة أننا نجد أنفسنا الآن في مثل ذلك الوضع غير التنافسي يمكن أن توضع على باب الحكومات العربية التي وقفت متفرجة في الوقت الذي انخفض فيه نصيبنا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية من 1.2% في أعوام 1985-1995 إلى 0.4% في عام 2000 وهذا المستوى المنخفض من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، المقرون باستثمار محلي وإقليمي خاص محدود ، أعلن عن نفسه في النمو المنخفض والنسبة العالية من الباحثين عن عمل والتنمية الاقتصادية الهزيلة وميز بداية عشرين عاما من الركود الاقتصادي العربي ومدى انخفاض أسهمنا كان جليا في " تقرير التنافسية العالمية العربية " الأول وهذا سبَب موجات صادمة داخل مجتمع التجارة والأعمال العربي وعجل في عام 2003 بإنشاء " مجلس التجارة العربي " والذي له هدف واحد بسيط : وهو العمل مع الحكومات ورجال التجارة والأعمال البارزين للتركيز على كيف يمكن أن تزيد التجارة والأعمال العربية تنافسيتها في نطاق الاقتصاد العالمي. ونجح المجلس في جمع رجال المال والأعمال البارزين القياديين معا من 16 دولة عربية - وهو عمل ليس بسيطا في حد ذاته - للمبادرة بإصلاحات تجارية ولزيادة التنافسية والشفافية وقد أسس " مجالس التنافسية الوطنية "، وهي لجنة خاصة للاستثمار لتحسين ممارسات سوق الأسهم الوطني كما دشن مبادرات تجارية وتعليمية وإعلامية مختلفة ولكن قوة الدفع والزخم السياسي العربي الأكبر ضروري وجوهري إذا أردنا مرة أخرى أن يُنظر إلينا بجدية على أننا قوة اقتصادية عالمية لم يعد يستطيع سياسيونا أن يقفوا كسالى متفرجين بينما يستمر مجتمع الاستثمار الدولي ، المُتطلع إليه دائما في تحقيق الشئ الكبير القادم ، في سكب وصب مليارات الدولارات في تمويلات في البرازيل وروسيا والهند والصين بينما يفشل العالم العربي حتى في تسجيل نفسه في رادار الأسواق الناشئة . إن عدم الاستقرار السياسي في منطقتنا هو عقبة كبيرة ولكن ليس شاملة أو حصرية أمام إعادة الانطلاق الاقتصادي فالعالم العربي بعيد عن منطقة التخلف الاقتصادي، كما تؤكد ذلك آلاف المؤسسات العالمية التي تقوم بالفعل بأعمال في المنطقة ونحن لدينا الكثير لنقدمه : قطاع خدمات مالية مطور للغاية واتصالات من طراز عالمي وبنية أساسية متطورة في مجال النقل. ولكن هذه الأشياء في حد ذاتها ليست كافية وللانطلاق في إنهاض الثروات الاجتماعية والاقتصادية للعالم العربي - نهضتنا الثانية ، أو بلغة اليوم ، انطلاقتنا الجديدة - نحتاج إلى تذكير أنفسنا بأن منطقتنا لها إرث ثقافي وعلمي خصب نحن نحتاج إلى تدعيم ثقافة تحتفي بالشراكة والمقاولات والأبحاث والإبداع والتقنية - وجميعها ضرورية ولازمة لاستدامة النمو والتنمية في العالم العربي وتوسيع قطاعات التصدير الأكثر تنافسية، بخلاف تلك القطاعات القائمة على الموارد الطبيعية ، لم يعد ترفا أو رفاهية ، ولكنه أمر حتمي واجب. إن تحسينا مهما وكبيرا فقط في جودة ونوعية وفعالية وكفاءة الاستثمار وتجارة غير نفطية ذات صلة ستسهل مستوى النمو الضروري واللازم الآن لاستيعاب ومعالجة الانفجار السكاني في العقدين الماضيين والتغييرات الشاملة في الاتجاه السياسي للعالم العربي هي المفتاح لهذا يتعين على القادة العرب ببساطة أن يطوروا سياسات مراعية أكثر للتجارة والأعمال والمبادرة بإصلاحات هيكلية بوتيرة أسرع والاستثمار الأكبر في الأبحاث المحلية والتنمية وتمكين المرأة في سوق العمل وخطط إيجاد وظائف للعمال المهرة والخريجين ستكون بداية طيبة في نزع فتيل القنبلة الديموغرافية الموقوتة التي تنتظر دولا مثل مصر والمملكة العربية السعودية . تحتاج التجارة العربية أيضا إلى هويتها الخاصة وروحها الخاصة ففي مرات كثيرة جدا نؤكد ونثبت الصورة النمطية للعربي الثري ونلعب في أيدي المعلقين التجاريين والاقتصاديين المتشككين الساخرين ولقد نجحت أوروبا في تبني عملة موحدة ، بالرغم من التباعد الديموجرافي الضخم والاختلافات الثقافية ، بدون الذهاب إلى حرب وبينما مفهوم الوحدة الاقتصادية العربية قائم ومنتشر لأكثر من 55 عاما ، فأين منطقتنا التجارية الواحدة ؟ لم لا تحسن عملة عربية واحدة موقفنا ووضعنا التنافسي وتؤشر إلى نيتنا بنفس الطريقة التي تمكن فيها الأوروبيون من الإنجاز ؟ المال، بالطبع، ليس هو المسألة فبعد 11 سبتمبر، أعاد كثير من العرب بعضا من التريليون دولار التي كان يعتقد آنذاك أنها تُستثمر خارج المنطقة وهذه السيولة المالية المفاجئة، المقرونة بأسعار نفطية قياسية، تعني أن مبالغ رأس مال أكبر متوافرة الآن للاستثمار. إن الحفاظ على الوضع الراهن يجعل كثيرا من الاقتصاديات العربية تخاطر بمزيد من السقوط في محاولاتها التكامل والاندماج في الاقتصاد العالمي المعقد على نحو متزايد. على أن الوضع ليس كله قاتما وكئيبا, فبعض الاقتصاديات العربية تتنوع بنجاح وتبدأ في فتح السبل لمعالجة مسألة البحث عن عمل والمسائل الجيوسياسية الأوسع في المنطقة ولكن إذا أردنا أن نصبح متحكمين في مصيرنا وفي صياغة مستقبل اقتصادي لا يكون قائما فقط على إمداد متناه للموارد الوطنية ، فإننا نحتاج إلى شحذ الإرادة السياسية لتدعيم إصلاحاتنا الآن.
*رئيس مجلس التجارة العربي في المنتدى الاقتصادي العالمي. عن الوطن