تعال بسرعة؛ لدي قنبلة وفضيحة كبيرة)؛ هكذا بادرني عندما رددت على اتصاله؛ توجهت له للتو؛ وكنت وقتها رئيسا لقسم الحوادث في صحيفة الشروق؛ فبادرني قائلا: مصر استوردت دبابات ومدافع فاسدة؛ وهذا يشكل خطورة على الجيش المصري؛ إذا استلمها؛ وهي لا تزال في المخازن؛ والمدعي العام الفنلندي حبس 4 مسؤولين في شركة باتريا المملوكة لوزارة الدفاع الفنلندية؛ لاتهامهم بغش الجانب المصري ودفع رشاوي لمسؤولين مصريين في وزارة الإنتاج الحربي قيمتها 10 بالمائة من قيمة الصفقة البلغ قيمتها 280 مليون يورو؛ وطلب المدعي العام الفنلندي من الحكومة المصرية إمداده بأسماء المرتشين المصريين في وزارة الإنتاج الحربي. مد يده في درج مكتبه؛ وسلمني صورة من ملف؛ قائلا اقرأه؛ وطبعا لا يمكن السكوت؛ لأن هذا يعرض الجيش المصري والبلاد للخطر إذا لم يعرف الرأي العام الحقيقة. قرأت الملف؛ وجدت فيه قصاصات من صحيفة هلسنكي سونامات الفنلندية؛ دخلت موقع الصحيفة على الانترنت؛ وبحثت على موقعها بكلمات مفتاحية مثل : patrai ; egypt استعنت بصديق لي يتقن الإنجليزية؛ لنترجم؛ واكتشفنا القصة كاملة؛ التي تعرفها إسرائيل والدول الأجنبية؛ ويجهلها الشعب المصري: بدأ اكتشاف الفضيحة؛ ببيان في برلمان سلوفينيا ( إحدى دول يوغسلافيا السابقة) من حزب معارض يقول فيه إن شركة أسلحة أمدته بمعلومات تفيد أن رئيس الوزراء السلوفيني تلقى رشاوى من شركة باتريا الفنلندية مقابل شراء الأسلحة منها؛ وبعد ضغط الرأي العام السلوفيني؛ أبلغ البرلمان السلوفينين المدعي العام الفنلندي للتحقيق واستجلاء الحقيقة؛ فبادر على الفور بتفتيش مقر شركة باتريا. أسفر التفتيش؛ عن مفاجآت مذهلة؛ تبين من ملفات الشركة أنها دفعت رشاوي لرئيس وزراء سلوفينيا ونائبي رئيس كرواتيا؛ ومسؤولين في وزارة الإنتاج الحربي في مصر. اضطر رئيس وزراء سلوفينيا للاستقالة؛ وانتهى به الأمر للسجن. أثناء التحقيقات شهد مهندس بشركة باتريا بأن الدبابات التي استوردتها مصر به مشاكل في أنظمة التشغيل الالكتروني؛ وأن المدافع بها مشاكل أخرى ( لم أستوعبها لقلة خبرتي) وأضاف المهندس في التحقيقات أنه أبلغ المسؤولين المصريين بذلك لكنهم تجاهلوا تحذيراته؛ واستلموا الصفقة؛ ووضعوها في المخازن؛ وهذا ما اتضح له عند زيارته لمصر. طلبت شركة باتريا من المدعي العام الفنلندي حظر النشر في القضية؛ لكنه رفض. طلب المدعي العام الفنلندي من الحكومة المصرية إمداده والتعاون معه بشأن المتورطين المصريين؛ لكنه لم يتلق ردا. فكرت مع آخرين في كيفية نشر القصة في صحيفة الشروق التي كنت أعمل بها آنذاك؛ وبالفعل نشرناها وعرفت باسم قضية الرشوة الفنلندية؛ وساعدني الصحفي محمد بصل فيما نشرته؛ وتوصل لمعلومات جديدة. لم نشر إلى الدبابات والمدافع؛ واكتفينا بوصفها بالمعدات الثقيلة. ونشر مرات عديدة؛ ولم يرد نظام مبارك بكلمة واحدة ولا إجراء. لم أكن أتخيل أن خسة مبارك تصل إلى حد تعريض الجيش ضباطا وجنودا بأسلحة فاسدة. ابتهلت إلى الله أن يعجل بنهاية حكم مبارك؛ فبحكم عملي كمتخصص في متابعة مكتب النائب العام؛ ومتابعة قضايا الفساد؛ رأيت تغلغل الفساد لحد مريع في جميع مؤسسات الدولة؛ بشكل مذهل؛ ويصعب تصوره أو تصديقه؛ لكن لم أتخيل أبدا أن تصل الخسة إلى هذا الحد. كنت أدعو الله ألا تنشب أي حرب في ظل هذه الظروف؛ وإلا سنجد أنفسنا أمام نكسة جديدة كتلك التي أوقع فيها عبد الناصر الجيش المصري؛ وراح ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء الوطن بسبب قيادات فاسدة. الحمد لله؛ لم تمر شهور قليلة؛ حتى قامت الثورة؛ وتخلصنا من نظام وصل تآمره على الجيش المصري والشعب أيضا.