أسئلة كثيرة تضرب أدمغة عدد كبير من المصريين: كيف انحرفت الثورة عن مسارها واتسعت دوائر الفوضي والتشرذم والانقسامات في المجتمع؟ كيف أنجزنا معجزة في 81 يوما ثم عادت ريما إلي عادتها الرذيلة القديمة وكأنك يا ابو زعيم ما غزيت؟ هل تخلصنا من فاشية مبارك وبطانته لنسقط في فاشية أكثر شراسة ملتحقة بالدين ونازلة تكفير فينا؟.. عارضنا مبارك وكتبنا ضده وضد التوريث ونظام حكمه ولم يخرج علينا أي واحد من النظام ليكفرنا، قالوا ما قالوا في معارضيهم، طاردوهم وتعقبوهم وأدخلوا بعضهم السجون والمعتقلات لكن لم يخرجوهم من الملة كما صنع الشيخ فوزي سعيد خطيب مسجد التوحيد في رمسيس، فالرجل الطيب وصف المعارضين السياسيين بأنهم الدعار والمفسدين في الأرض ، كما لو أن المعارضة فعل قبيح من أفعال الرذيلة والفساد، وعلي كل الناس أن تصطف في الطابور تطأطئ رأسها وتسمع وتطيع ولا تقول لا للحاكم طالما أن الحاكم يلبس ثيابا دينية ويصلي الفجر حاضرا ويقف علي المنبر يعظ في الناس وينتمي إلي جماعة اسمها الإخوان المسلمون . هل خرجنا من حفرة لنقع في دحديرة أصعب من جب سحيق بلا قرار؟ - يقول الشيخ فوزي سعيد إن المعارضة الحقيقية في كافة دول العالم تبحث عن الصالح العام، إلا أن تلك المعارضة ترغب في القضاء علي المشروع الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية، ولم يحاول الشيخ أن يتوقف قليلا ويتأمل ما قاله للناس في خطبة الجمعة وهو واقف علي منبر المسجد، وأتصور أنه لو فعل ذلك لتغيرت كلماته وحث الحاضرين علي مكارم الأخلاق والتسامح وسعة الصدر وقبول الاختلاف الذي هو من سنن الكون، وأصل من أصول التقدم الإنساني والسمو الحضاري، فصراع الأفكار والرؤي هو الذي يفرز من العقل البشري أفضل ما فيه من إبداع وابتكار وإمكانات تدفع حركة المجتمعات إلي الأمام، بينما جمود العقل عند أفكار بعينها هو أقصر طريق إلي الانهيار الحضاري والتخلف، كما حدث في الحقب الأخيرة من الدولة العباسية، فكانت صيدا سهلا أمام سنابك خيول التتار، فتداعت وتهاوت ودخل العالم الإسلامي كله إلي عصور مظلمة أو قرون وسطي خاصة به لم يخرج منها حتي الآن، ومازال عاجزا عن الفكاك من آسرها، لأن العقل المسلم لم يتحرر بعد من قيود فرضها عليه رجال دين باسم الدين وهي ليست من الدين في شئ! باختصار أن ما يحدث لنا الآن هو نتيجة ما صنعه الرئيس السابق حسني مبارك فينا، فالجريمة الأخطر التي ارتكبها كانت في إفساد المصريين، والتجريف الذي أحدثه في عقولهم، فسلمهم إلي العشوائيات والتخلف، وكانت أدواته أولا: نظام تعليم مهترئ علم المصريين النقل والحفظ ولم يحاول قط أن يدرب عقولهم علي التفكير المنظم والنقد والتحليل، وثانيا: نظام إعلام كان يبث فيهم قيما فاسدة ويسطح الأشياء والأفكار، كان مبارك ونظامه يتصور أن العقول المعتمة أكثر سلاسة في القيادة والطاعة وغير قادرة علي التمرد والثورة.. ترك مبارك الناس تعيش في عشوائيات محرومة من أبسط حقوقها في حياة كريمة تعلي من قيمة إنسان وعقله! وحين أسقطت الأجيال المستنيرة التي تربت علي التفكير وأدوات الاتصال الحديثة واتصلت بالعالم الخارجي اتصالا صحيحا، وفهمت علي نحو صحيح ما يحدث في بلادها، جاءت النسور الجارحة واختطفت الوطن قبل أن يحقق حلمه في دولة عصرية علي النحو الذي عرفته الدول المتقدمة والتي قال فيها الإمام محمد عبده رأيت إسلاما دون مسلمين وفي بلادنا مسلمون دون إسلام ، لأن الإسلام دين رقي وتقدم وحضارة وحرية، حرية فكر وعقيدة ورأي وتفكير، وكلها أدوات تحرض علي الاختلاف وليس التشابه، فالاختلاف يصنع سوقا حرة للأفكار والمعلومات والاجتهادات، بينما التشابه يصنع تماثلا يجعل البشر كائنات آلية تتحرك بالريموت كنترول، ويتحكم فيها من يحوز هذا الريموت! وهذه هي مصيبتنا حاليا والمسئول الأول عنها هو حسني مبارك، فما زالت تأثيراته تتحكم في مصيرنا ولن نخرج منها بسهولة، لكن مع وجود الأجيال الجديدة لن تستسلم مصر وسوف تقاوم العودة إلي الديكتاتورية باسم الدين، لكن الثمن سيكون باهظا!