يعيش الشعب المصري في حالة من الترقب غير العادي..وهذا أمر طبيعي وبديهي..فبعد أيام قليلة سوف يذهب الملايين من أبناء مصرإلي صناديق الاقتراع لكي يدلي بصوته في اختيار الشخص الذي يراه من وجهة نظره الأفضل والأقدر علي رئاسة البلاد، خاصة في هذه المرحلة الحرجة والفارقة من تاريخ مصر..إن الناس لا ينتخبون كل شهر أو كل سنة رئيسا..ثم إن الرئيس المنتخب القادم سيكون أول رئيس للبلاد بعد الثورة، بل بعد فترة من الارتباك والارباك، فضلا عن الكوارث والمآسي التي عشناها ولازلنا نعيش آثارها وتداعياتها.من المؤكد أن الجماهير في لهفة وشوق وتطلع لرئيس يختلف جذريا عن الرئيس المخلوع الذي عانت منه طويلا، وذاقت علي يديه المر أشكالا وألوانا علي مدي ثلاثين عاما..الجماهير حريصة علي ألا تقع في شرك شخصية تعيد إليها سنوات الهوان..فقد ذاقت طعم الحرية ولن تقبل بحال رئيسا مستبدا متسلطا، فاسدا مفسدا يحيل حياتها إلي جحيم لا يطاق.يتحرك المرشحون للرئاسة في طول البلاد وعرضها..يعقدون المؤتمرات الجماهيرية هنا وهناك..يحاول كل واحد منهم أن يحظي بتأييد أكبر قطاع ممكن، من خلال تسويق برنامجه في كل مجالات الحياة، وأن هذا البرنامج هو الوحيد القادر علي انتشال الشعب المصري من وهدته وكبوته والخروج به إلي بر الأمان..بطبيعة الحال لابأس من الوعود البراقة والفضفاضة، ولابأس أيضا من دغدغة المشاعر وهدهدة العواطف، ولابأس كذلك من مخاطبة العقول المتلهفة والراغبة في حياة حرة عزيزة كريمة..وتتفاوت حملات الدعاية كما وكيفا بين مرشح وآخر..لكن من الواضح أن هناك عشرات من الملايين من الجنيهات قد انفقت، وسوف ينفق غيرها خلال الأيام القليلة القادمة، خاصة حين تقترب ساعة الصفر..المناظرات التي جرت والتي ستجري بين المرشحين في الفضائيات سوف يكون لها بعض الأثر..بالقطع هي تجربة تخطو خطواتها الأولي، لكنها علي أية حال تجربة مفيدة، نرجو لها التوفيق.نحن لدينا ثلاثة عشر مرشحا، ليسوا جميعا بطبيعة الحال علي قدم المساواة من حيث الدعاية، الحركة، والجماهيرية..صحيح أن استطلاعات الرأي متغيرة بين كل فترة وأخري، فضلا عن أنها ليست دقيقة بالقدر الذي يمكننا من الاعتماد عليها، وقد يفاجئنا الشعب المصري بما ليس في التصور ولا في الحسبان..رغم ذلك نستطيع القول حتي الآن أن هناك أربعة من الشخصيات علي رأس المرشحين، يعتقد أنهم أوفر حظا من غيرهم..هؤلاء هم د. عبد المنعم أبوالفتوح، عمرو موسي، د. محمد مرسي، وحمدين صباحي..يأتي بعد ذلك الفريق أحمد شفيق وخالد علي..من المحتمل جدا ألا يتم حسم المعركة الانتخابية من الجولة الأولي، والإعادة هي الأقرب إلي التوقع..لكن دعونا ننظر إلي الخريطة الانتخابية، من حيث الكتل التصويتية..لدينا هذا الجمهور العريض من المصريين، وهو متدين بطبيعته وفطرته..إخواننا المسيحيين سوف تذهب أصواتهم في المقام الأول لعمرو موسي وجزء يحصل عليه أحمد شفيق..وقد ينال أبوالفتوح جزءا منها، وإن كان يسيرا..جمهور المسلمين العاديين سوف يتم اقتسامه بين عمرو موسي وأبوالفتوح، وربما أحمد شفيق ومحمد مرسي وحمدين صباحي..المسلمون من أصحاب المزاج السلفي سينقسمون بين أبوالفتوح ومحمد مرسي..الجماعة الإسلامية ومن يدور في فلكها سوف يقفون خلف أبوالفتوح..أما الإخوان والدوائر المحيطة بهم والمتعاطفة معهم فسوف يصوتون لمحمد مرسي..وقد يحصل أبوالفتوح منهم علي نسبة، ربما في حدود من 5 إلي 10%، وقد يزيد..الله أعلم.البعض يتوقع أن تكون هناك إعادة بين أبوالفتوح وعمرو موسي..والبعض الآخر يتصور أنها سوف تكون بين عمرو موسي ومحمد مرسي..لكن لابد أن نضع في حسباننا أن حركة المرشحين خلال الأيام الأخيرة، خاصة بين الجماهير المترددة والتي لم تحسم رأيها بعد، ربما تقلب الموازين رأسا علي عقب..تري من هو صاحب النصيب، أو بمعني أدق، صاحب الابتلاء الذي سيحمل التركة الخربة التي خلفها وراءه الرئيس المخلوع؟! دعونا ننتظر ثم نري.