بقلم : جمال محمود الهاشمىإن العلاقات بين الدول فى العصر الحديث تقوم على التشارك وليس التكامل ، التكامل يعنى ذوبان الدول بعضها فى بعض وهذا أمر مستحيل فى العصر الحديث لأن لكل دولة خصوصيتها وتفردها إلا إذا وجدت معجزة تحقق هذا الأمر .لذلك فإن التشارك بصوره المختلفة هو الصورة المناسبة للعلاقات بين الدول فهناك تشارك سياسى وهناك تشارك اقتصادى وهناك تشارك تاريخى وهناك تشارك دينى وهناك تشارك لغوى وهناك تشارك عسكرى .. إلخ .والدول عندما تقيم علاقاتها على أساس التشارك الذى يحفظ لكل دولة خصوصيتها فإنها تقيمها على أساس التشارك فى مجال أو أكثر من مجالات التشارك السابقة ، وكلما زادت مجالات التشارك بين دولتين أو أكثر قلنا إن العلاقات قوية والعكس صحيح .وهذا ما نراه فى علاقات دول الاتحاد الأوروبى فالعلاقات بين هذه الدول تقوم على التشارك فى أوضح صوره مع احتفاظ كل دولة بخصوصيتها .والدول العربية والإسلامية بالرغم من وجود العديد من مجالات التشارك بينها إلا أن كثير من القوى المتربصة تحول دون تحقيق هذا التشارك .من خلال هذا المنظور إذا نظرنا إلى العلاقات المصرية الإيرانية فإننا سنجدها تتجاذب وتقوى فى بعض المجالات وتتنافر وتضعف فى مجالات أخرى ، فمصر وإيران يشتركان فى أنهما دولتان لهما حضارتان عظيمتان وهذا تشارك تاريخى حضارى ، ومصر وإيران دولتان إسلاميتان بالرغم من الاختلاف المذهبى وهذا تشارك دينى ، ومصر وإيران بموقعيهما الجغرافيين لهما بعد استراتيجى مهم جدا لكل من الدولتين وهذا تشارك استراتيجى .أما بالنسبة للسياسة فهى أساس التنافر ، لأن التوجه السياسى لنظام الرئيس المخلوع كان التعاون والتقارب الشديد من أمريكا وإسرائيل وكانت السياسة المصرية مبنية على هذا التقارب رغماً عن الإرادة الشعبية التى تعتبر إسرائيل هى العدو الأول بالرغم من وجود معاهدة السلام لأن النظرة الشعبية كانت تعتبر أن التقارب ناحية إسرائيل هو خيانة للإسلام وللعروبة وللوطنية وللقضية الفلسطينية .أما التوجه السياسى لإيران فإنه يقوم على التصادم مع إسرائيل وأمريكا والوقوف بجانب القضية الفلسطينية وعلى تبنى المواجهة المباشرة مع إسرئيل من خلال دعم حزب الله ودعم المقاومة الإسلامية ، ومن هنا كان التنافر فى المجال السياسى بين مصر وإيران .وبعد قيام الثورة المصرية المجيدة بدأت تظهر الصيحات الشعبية والثورية المنادية بأن إسرائيل هى العدو الأول لمصر نتيجة لانكشاف العديد من الحقائق التى كانت غائبة وتم التعتيم عليها من قبل نظام الرئيس المخلوع وذلك لصالح إسرائيل .وبدأ الأمر يتضح تماما وظهر أن غالبية الشعب المصرى كان مغلوباً على أمرها فى مسألة العلاقات المصرية الإسرائيلية وبدأ يتضح الأمر جلياً أن هذه العلاقات يجب إعادة النظر فيها لأنها أظهرت مصر فى موقف الضعيف الخائف مع أنها كانت المنتصر القوى .وبالتالى فبعد الثورة بدأ التقارب السياسى على استحياء بين مصر وإيران وتم الالتقاء فى التوافق على الوقوف بجانب القضية الفلسطينية .إذاً .. أصبحت مجالات التشارك بين مصر وإيران عديدة ومتنوعة خاصة أن هناك مجالاً عظيماً ومهماً تاه وضاع فى وسط التنافر السياسى ألا وهو المجال الاقتصادى الذى أعتبره أهم مجالات التشارك بين مصر وإيران ، فمصر وإيران قوتان اقتصاديتان عظيمتان يجب التقارب بينهما فى المجال الإقتصادى سريعاً وفوراً .إن حجم العلاقات الاقتصادية والتبادل التجارى بين إيران والإمارات قد وصل إلى 12 مليار دولار بالرغم من وجود مشاكل كبيرة بينهما أكبر بكثير من التى بين مصر وإيران إن كان هناك مشاكل أساساً بين مصر وإيران .إذا فالسؤال هو : لماذا التأخر فى عودة العلاقات بين دولتين تشتركان بقوة فى العديد من مجالات التشارك تؤهلهما لتكوين تشارك حضارى استراتيجى اقتصادى سياسى قوى ؟!! كيف لا يكون هناك علاقات وتشارك فى جميع المجالات بين أكبر قوتين إقليميتين فى المنطقة ؟!! كيف تقيم مصر علاقات فى شتى المجالات مع إسرائيل ولا تقيم هذه العلاقات مع دولة إسلامية كبيرة مثل إيران ؟!! .إن مصر وإيران دولتان كبيرتان ويجب عودة العلاقات بينهما بعيدا عن التعصب المذهبى وفى إطار التشارك فى كافة المجالات لأن ذلك إثراء للدولتين ، خاصة أن مصر يجب أن ترجع لدورها القيادى على المستوى العربى والإسلامى بعد أن فقدنا هذا الدور فى ظل النظام البائد .