خبر هام وعاجل : المرصد العالمي للغات رصد تداول تعبيرات جديدة في اللغة العربية تم ترجمتها للإنجليزية مؤخراً من أمثلة : الربيع العربي / شرقي النكهة / عربي الميول .. وذلك في وصف الميول والاتجاهات لبعض الساسة الغربيين ، شعرت بإطراء شديد .. كوني عربية وتشارك ثقافتي ومفرداتها في إثراء ذلك المرصد العالمي .. فعلاً حاجة تشرَّف ، بيد أنني تذكرت أن منجز ثقافتي لا يزال رهين الحناجر والكلمات حتى لو تم نحتها حديثاً لتصير الظاهرة الصوتية للعرب هي مجال فرادتهم وريادتهم الوحيد .. لم أستسغ الفكرة ، بحثت عن أصداء الربيع في ميدان التحرير فوجدت الجموع والحشود ومن حولها كيانات ووظائف جديدة أُستحدثت خصيصاً لخدمة الميدان ورواده ومريديه أيضاً .. ففي الميدان ستجد راسمي العلم على الوجوه يخضبون الخدود والجباه بألوان الحرية دون أن تفكر في الحكة التي ستصاحب جلدك بعد نهاية اليوم ، ستجد أيضاً منسق الحركة الشبابية والائتلاف الجديد الذي انبثق في الميدان بحركته الدائبة بين القنوات الفضائية والتي تفوق نشاطه في الميدان ، لن ننس بائع الشاي والقهوة الذي يذرع التحرير جيئة وذهاباً والذي ستحتاج كوباً منه بعد يوم طويل في قيظ الميدان ، وربما ستصطدم بممثل مكتب الدعاية والاعلان الذي يحمل بانرات ولافتات المطالب التي ترفعها حناجر الميدان بعد أن صاغها أحد المدونين وهي مهنة أخرى جديدة يجوز للمرصد العالمي للغات أن يضيفها لمعاجمه ، وستجد الشريط الأحمر الساتاني يلتف حول رقبتك بعد أن وضعه عنوةً بائع كارت الثورة الذي باغتك بفعلته تلك وربما ستقبل الشراء منه بعد تبسُّمه لك بوجهه الطيب قائلاً لك وهبته 2 جنيه بس ..أما أكثر المهن عدداً والتي ربما سينبثق عنها نقابة جديدة بعد الحرية التي شهدناها مؤخراً لتشمل أعضائها برعايتها فهي مهنة الناشط الحقوقي التي ازدحمت شاشات التليفزيون بأبنائها ليصيروا الضيوف الأكثر حضوراً على برامج التوك شو بشكل ينافس الضيوف التقليدين وأصحاب المهن المعروفة مثل مهنة الإعلاميين الذين استحدثت لهم برامج تعني بما يكتبونه وتستضيفهم لتجد الملاسنة بين صحافيتين في برنامج الصحف الشهير حيث تتهم الأولى زميلتها بالعمل الأمني فتقول لها : مبروك عليكي الرتبة ، فترد عليها الأستاذة : يشرفني ومبروك عليكي فلوس قطر .أو ممن عدلوا وظائفهم أو زادوا عليها ليتحول خطيب الأوقاف إلى مذيع الفترات المفتوحة بقناة ما بعد الثورة ، ولك أن تبتلع دهشتك بعد مشاهدته في الأستوديو في نيو لووك بدون جبة وقفطان وكولة وبزي عادي لا يشي بوظيفته السابقة / الحالية ، حتى يفاجئك مراسل القناة في التحرير يجيب على سؤاله في الأستوديو : فعلاً يا شيخ فلان !!! ، وتتوالى المهن والوظائف في الميدان : بائع السميط والبيض ، النشطاء الحقوقيين الممولين والساسة المغرضين الذين يزايدون على من يملأ الميدان ويحتكرون التحدث باسمهم ، بائعي الفول والطعمية ، صحفيو الأمن أو التمويل الخارجي ، بائعي الفشار ومرشحي الرئاسة المحتملين .. الذين ينادون على بضاعتهم بكل لون وعلى كل شكل فلا تعرف فترة صلاحية بضائعهم التي يروجون لها ويدعونك لتأكل وتشرب منها وربنا يسترها عليك ببركة الميدان .. والمشترك الوحيد بينهم جميعاً هو الصراخ العالي وطق الحنك.. تحاول في خضم هذا كله أن تبحث بينهم عن صوت حقيقي وحين تعجز عن تمييزه تقرر أن تلجأ لصاحب مهنة قديمة ليساعدك على أن تجد ذاتك وتفهم ، بعد أن اضطربت وطحنتك الدهشة وأعياك التفكير في كل ما يحدث ... وأنا أدفع فيزيتا الطبيب النفسي أكتشف أنها تكاد تلتهم ثلث راتبي فأقول لنفسي : كلهم أكلو بالهنا من عيش الثورة ، فتقفز صورة جدتي متربعة على كنبتها بركنها الأثير في حجرتها تنظر من الشباك على المارة وبعد مصمصة شفتاها تقول : أرزاء .. بالهمزة جمع رزية لكل المهن التي لاتأكل لقمتها بشرف وتستحل أكل الوطن .. وأرزاق لحب العرق والجهد الشريف والنوايا الصادقة المبذولة لكل المهن في الميدان ، صدقت جدتي ، أرزاق .. وموزعها الخلاَّق .