كتبت : هدى المصرى دائماً ما يتمحور هاجس المعارضين لإية تعديلات طارئة يريدها الحاكم على الدستور حول مخاوف من الشرعية التي ستمنحها تلك التعديلات الجديدة لطموحات الرئيس ، فالقاعدة الشائعة ان يسعى رئيس الدولة إلى فرض تفسير جديد لدستور البلاد يسعى من خلاله لتعزيز إضافى لصلاحياته ، وتقوية نفوذه كرئيس ليصبح بذلك السيد المطلق فى البلاد و هذا من شأنه المساس بمبادئ الديمقراطية وفصل السلطات والتضييق على الحريات العامة . لكننا فى التجربة الكازاخية الأخيرة نرى و على عكس ما هو مألوف فى الكثير من دول العالم ، بأن يعلن نورسلطان نزاربايف رئيس جمهورية كازاخستان عن عدد من التعديلات الدستورية والقانونية المقترحة ، والتي يتم بمقتضاها التنازل ونقل العديد من الصلاحيات التي يخولها له الدستور ، إلي الحكومة والبرلمان ، وبما يفضى بان تتركز صلاحيات الرئيس فقط في اعتباره حكماً بين سلطات الدولة الثلاث ، وفي المهام الاستراتيجية ، وخاصة في مجالات السياسة الخارجية ، والأمن القومى والقدرات الدفاعية للبلاد . منذ اللحظات الأولى لتوليه الرئاسة وقف نور سلطان نزار بايف أمام مسؤوليات تاريخية ، فهو أول رئيس للجمهورية الأولى في التاريخ التي تحمل اسم جمهورية كازاخستان المستقلة، وتسلم الرئاسة في مرحلة مليئة بالتعقيدات الناجمة عن الانفصال عن المركز الاقتصادي والسياسي - الأتحاد السوفيتي - مما كان يستوجب أن يمسك بالعديد من الصلاحيات خلال السنوات الأولي من الاستقلال وقيادة البلاد خلال فترة التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي . و لأن المسألة لا تتعلق بالتمسك بالحكم إلى ما لا نهاية أو تكريس السلطات و أنما لضمان استقرار نظام سياسي واقتصادي لبلاده أعلن الرئيس نورسلطان نزاربايف - زعيم الأمة كما يلقب رسمياً – مؤخرا عن إجراء تعديلات دستورية جديدة تتضمن تخليه طواعية عن الكثير من الصلاحيات التي منحها له الدستور والقانون لصالح الحكومة والسلطة التشريعية " البرلمان " بما يوسع من دور البرلمان ، والنظام القضائي والنيابة العامة فى البلاد ومن ثم توفير الضمانات لاستقلال النظام الدستوري . فبموجب تلك التعديلات ستقدم الحكومة استقالتها وتتخلى عن صلاحياتها أمام المجلس المنتخب حديثاً " البرلمان " وليس أمام الرئيس كما كان فى السابق ، كما سيتم تبسيط إجراءات تعبير البرلمان عن عدم ثقته فى أعضاء الحكومة ، ومن ثم ستعزز السلطة التشريعية رقابتها على السلطة التنفيذية ، وستمنح الحكومة صلاحية اعتماد البرامج الحكومية ، باعتبارها مسئولة عن تلك البرامج بشكل كامل ، وسيكون من صلاحيات الحكومة تشكيل وإلغاء الهيئات التنفيذية المركزية التى لا تتبعها ، كما سيتنازل الرئيس عن الحق فى إلغاء أو تعليق العمل بقرارات الحكومة ورئيس الوزراء كما ستزيد التعديلات المقترحة فى زيادة مسئولية الهيئات الحكومية التنفيذية ورؤسائها من خلال إعطائهم الصلاحيات اللازمة ، كما سيفقد الرئيس صلاحيته في إصدار مراسم رئاسية لها قوة القانون ، حيث سيكون دور البرلمان هو المخول بذلك فيما يخص السلطات التنفيذية المحلية . وهذا فى رأيى يدل على أن الرئيس نور سلطان نزار بايف في كل خطواته كان ينطلق من إدراكه لحقيقة أنه يبني لأول مرة في التاريخ الحديث دولة للكازاخيين، فلم يستغل ما منحه اياه الدستور والقانون من صلاحيات و إنما كان توظيفه لتلك الصلاحيات كإدوات للحفاظ علي استقرار البلاد التى اجتازت طريقا طويلة دون الانسياق وراء شعارات الديموقراطية المعلبة المستوردة و لكى تصل كازاخستان الى بر الامان بخطوات مدروسة و محسوبة لنموذج ديموقراطى حقيقى جاء بعد الانتقال الي حالة من النضج و الاستقرار و إدراك مواطنيها جاهزيتهم لممارسة حقوقهم السياسية بكل حرية وديمقراطية و دون الإخلال بأوضاع كازاخستان الأمنية والاقتصادية .