هالة شيحة حذر الامين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط من تداعيات حالة الانقسام، والتشرذم والتفتيت التي باتت تسيطر على المشهد الراهن في الدول العربية فضلا عن تشريد الملايين في البلدان العربية والغربية ، الامر الذي برزت معه اطماع اقليمية واجندات قوى دولية للهيمنة على مقدرات دول المنطقة وشدد ابو الغيط على ضرورة تفعيل العمل العربي المُشترك، والتنسيق والتحرك الجماعي، لمواجهة التحديات الخطيرة الراهنة وإعادة الحيوية للجسد العربي المنهك، في ظل تصاعد الازمات في سوريا والعراق وليبيا واليمن . واكد ابو الغيط في محاضرة له بمقر الجمعية المصرية للقانون الدولي ادارها الدكتور مفيد شهاب رئيس الجمعية بحضور عدد من السياسيين والخبراء القانونيين، على ان حاجة ماسة لتجديد مفهوم الدولة الوطنية في العالم العربي. على ان تقرن هذه الدولة بكل معاني الحُكم الرشيد والعدالة، و أن تكون "دولة كل مواطنيها" بحق، فلا تقوم على مذهب أو تستند إلى عرق، و لا تنفرد بها فئةٌ أو جماعة وجسد ابو الغيط واقع الدول العربية لافتا الى ان الدولة العربية في أزمة، وهذا هو جوهر ما يجري، فمعالم الازمة العميقة والخطيرة التي ألمت بالدول العربية في السنوات الأخيرة لا تخفى وثمة دول تكاد تختفي من على الخريطة، وهناك دول أخرى يُناضل أبناؤها من أجل الحفاظ علي كيانها. واكد ابو الغيط ان القاسم المُشترك بين أزمات الدول العربية هو العجز عن صهر الولاءات الأولية، للقبائل والعشائر والمذاهب والمناطق، في بوتقة وطنية جامعة، و هذا العجز صاحب الدولة العربية منذ نشأتها. وحمل النخب العربية المسئولية عن استمراره بهذه الصورة القبيحة والمُفزعة. وقال ابو الغيط ان الانفجار الذي نشهده اليوم، في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ليس سوى نتيجة طبيعية لتنازع الهويات، وضعف الولاء للدولة الوطنية باعتبارها عنوان الانتماء، في غياب الولاء لعلم الدولة، يُطل الانتماء للقبيلة، وفي غياب الانصهار في الجيش الوطني، تظهر الميلشيات والعصابات. وعندما تُكسَر وحدة السلاح، تتعدد البنادق، وتتكاثر الولاءات، وتغرق الأوطان في الفوضى. ونبه ابو الغيط الى خطورة من نصبوا انفسهم مبشرين بالانتماء للخلافة الإسلامية، وينسبون أنفسهم –زوراً- لها، لافتا الى انهم يقصمون ظهر الدولة الوطنية، و يضربونها في مقتل لأنهم يُبشرون بكيان أكبر منها لا وجود له سوى في خيالاتهم. مستشهدا على انتهاكاتهم في الرقة والموصل وسرت وما جرى من اعدامات بالجملة و استعباد للنساء وترويع للعباد وخراب للبلاد. واوضح ابو الغيط ان الدولة العربية، تواجه تهديداً من أعلى ومن أسفل. من داخلها ومن خارجها. في وقتٍ يمر فيه العالم كله بحالة من السيولة والفوران. فيما لا يوجد نظامٌ دولي مُستقر يساعدنا في التنبؤ بسلوك اللاعبين الآخرين. مذكرا في هذا الصدد بلحظة سقوط حائط برلين التي كانت لحظة مُرتبكة تشهد ميلاداً جديداً لا يُمكن استيضاح معالمه أو تبين محدداته. ولفت الى انه وبسبب هذا الارتباك تبدو الأزمات العربية أكثر تعقيداً، محذرا في الوقت ذاته من طموحات قوى إقليمية تُريد الانقضاض على ما تراه غنائم لها، ومكاسب يتعين عليها تحصيلها. وبعض هذه القوى لا يرغب سوى في الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ على البلدان العربية، كما حذر ابو الغيط من أجندات جديدة لقوى دولية صاعدة تطمح لإزاحة القوة العظمى المُهيمنة وتُريد أن تلعب دوراً، وأن تكسب أرضاً. وهذه القوى وتلك تستشعر الفراغ الذي نتج عن تآكل الدول وتفتيتها. و تريد أن تتمدد في هذا الفراغ لتملأه تبعاً لمصالحها وتحقيقاً لأهدافها. واكد ابو الغيط إن الدولة الوطنية ليست كياناً يُدافع عنه بالسلاح فحسب، ولكنها المناط الأخير للانتماء والولاء، موضحا ان هذا الانتماء لا يولد من رحم الخوف والرعب من دولة قاهرة، وإنما بدافع الإيمان الحقيقي والاقتناع الأصيل ، وبالتالي ثمة حاجة ماسة لتجديد مفهوم الدولة الوطنية في العالم العربي. وعلينا أن نعمل لكي تصير هذه الدولة مقرونة بكل معاني الحُكم الرشيد والعدالة. أن تكون "دولة كل مواطنيها" بحق، فلا تقوم على مذهب أو تستند إلى عرق. لا تنفرد بها فئةٌ أو جماعة. وقال انه لا سبيل لخروج للعالم العربي من هذه الأزمة الكبرى إلا بالتلاحم والتعاضد بين مكوناته الأساسية، فهناك عصبٌ للنظام العربي، ما زال سليماً، و بإمكانه بقليل من الفكر الجسور وروح المبادرة- أن يعمل بكفاءة، و أن يصير "نواة" تستعيد للعالم العربي تماسكه، وللدولة الوطنية منعتها ووحدتها.