"لا يمكن أبدا تغيير الأشياء بمجرد إنكار ومحاربة الحقائق المثبتة، أن التغيير يحتاج لبناء نموذج جديد يجعل من النموذج الحالي نموذجا عفا عليه الزمن" مقولة فولر الشهيرة التي أثبتت مصداقيتها في حالة مبادرة وزارة السياحة في سيناء. القصة بدأت حينما أعلنت وزارة السياحة عن مبادرتها لتشجيع السياحة الداخلية كبديل للسياحة الخارجية لإنعاش المناطق السياحية وأعلننا وقتها أن نمط السياحة الداخلية لا يناسب العديد من المناطق السياحية في مصر وخصوصا التي تتميز بالحساسية البيئية المفرطة بل وأعلنا بقوة أن هذا النمط سوف تفوق التكاليف الناجمة عنه المنافع التي سوف يحققها على المدى القصير ولا حياة لمن تنادي فقد أعلنت الوزارة استمرار دعمها للمبادرة. فمن ناحية لا يمكن أن تحارب الحقائق العلمية التي تشير إلى استحالة تواجد السياحة الداخلية بفئاتها المتباينة مع السياحة الأجنبية في بعض المنتجعات والمقاصد لعدة اعتبارات أهمها اختلاف الثقافة والتقاليد والسلوكيات والأنشطة التي يمارسها كل نمط فضلا عن اختلاف التسهيلات اللازمة لكل نمط وطبيعة ومستوى هذه التسهيلات، وفي شرم الشيخ أثبتت هذه الحقائق مصداقيتها وبدون الخوض في التفاصيل فيما يتعلق بسلوك المصريين على الشواطئ واستخدامهم لمرافقها والأنشطة الترفيهية التي يمارسونها وانعزال القلة المحدودة من السائحين الأجانب عنها، وكذلك سلوكياتهم في المطاعم وكافة تسهيلات ومرافق المنتجعات وفي شوارع شرم الشيخ ومناطقها الترفيهية ويكفي فقط مظهر السائح الأجنبي وهو يلتقط مخلفات المصريين، فضلا عما يتم تداوله حاليا على صفحات الفيس بوك من تحذيرات بزيارة منتجعات بعينها لتدهور مستويات التسهيلات بها والتي كانت من قبل من أرقى منتجعات شرم الشيخ وتصنف من فئة الخمسة نجوم وما ترتب عليه من قرار بعض أصحاب المنتجعات بالإغلاق نتيجة لما شهدوه من تدهور تسهيلاتها. وأخيرا أن شكوى التجار وسكان المناطق السياحية من تدهور استمرار تدهور أوضاعهم حيث لم يحققوا مكاسب ملموسة من نمط السياحة المجموعات الرخيصة الشاملة all Inclusive. إن نمط السياحة الأقوى والأكبر سيطرد نمط السياحة الأضعف لا محالة والسائح الأجنبي في ظل تنافسية المقاصد السياحية لن يقبل المنتجعات التي تعاني من انخفاض مستوى مرافقها نتيجة سوء الاستخدام ،والفنادق والمنتجعات ليس لديها موارد للإحلال والتجديد، إن أخطر أنواع التسويق حاليا هو التسويق من خلال الرأي والخبرة السابقة Word of mouth ولقد تم التضحية بمستقبل أقوى مقاصد السياحة الخارجية في مصر بقرار خاطئ. ومن ناحية ثانية فإن السياحة الجماهيرية أو سياحة المجموعات الكبيرة ليست نمطا سياحيا مستداما وبالتالي لا يجب ضخها في الأماكن ذات الحساسية البيئية والمحميات ووفقا لآراء العلماء فإن هذا النمط يدمر الموارد الطبيعية والمعالم السياحية والثقافية في الأماكن التي يتواجد بها. حقيقة أيضا لا يمكن إنكارها. إن الذي حقق الاستفادة من هذه المبادرة هي العديد من شركات تنظيم الرحلات والنقل السياحي الضعيفة وكذلك المحليين من الفئات المختلفة الذين تمتعوا بأجازات أقل من تكلفتها ولعل بتكرار هذه الرحلات يدرك الأفراد المحليين أن النمط من الرحلات الرخيصة حقا لهم وقد يؤدون لاستمرار انخفاض الأسعار في هذه المناطق كما قد يؤدي لسلوك عدائي تجاه السائحين الأجانب الذين ينافسون تواجدهم في هذه الأماكن ويحدوه في حالة رجوعهم لمعدلاتهم السابقة. خلاصة القول شرم الشيخ نموذجا لقرار خاطئ واستمرار إنكار الحقائق العلمية لتبرير جدوى القرار الذي هدد مستقبلها ولا أبالغ حينما أقول أنها كانت من المميزات التنافسية الأساسية للمنتج السياحي المصري عالميا إن كثافة السياحة الداخلية أثر عليها تأثيرا سلبيا واضحا بدا في شوارعها ومنتجعاتها وأدى لتلوث الشواطئ وظهور بقع الزيت بها والتي تهدد ثروتها السمكية الرائعة كما أدى لتزايد أعداد أسماك القرش في الشواطئ ولا حياة لمن تنادي، إن تقرير تنافسية العالمية يضع مصر في أدنى المستويات لإنخفاض مستوى مرافقها والنظافة بها!!!!! لن أطيل فما يمكن أن أكتبه لن يعبر عما أشعر به من ألم سأترككم مع الصور لتشعروا بحجم الجرم الذي تم أرتكابه في أجمل بقاع مصر السياحية والعالم.