أزمة جديدة فجرها مقتل الدارس الإيطالي ريجيني في مصر ووضعت الإدارة المصرية في موقف المتهم أمام المجتمع الدولي، كما عكست حالة من عدم القدرة على إدارة الملفات الحساسة والتعامل السلبي الذي يؤدي إلى تضخيم الأزمات وإتاحة الفرصة للجهات المعادية لإستغلال الحدث لخلق البروباجندا الخلاقة وهي إحدى إستراتيجيات التواصل الإعلامي التي برعت فيها وسائل الإعلام مؤخراً. أصبحت قضية ريجيني قضية رأي عام في إيطاليا تحمل اتهاما مباشراً للأمن المصري مدعم بأدلة وتؤكد عناوين الصحف الإيطالية وكذلك اللافتات التي علقتها بعض البيوت والمؤسسات العلمية الإيطالية أنها لن تقبل سوى الحقيقة بعد أن تعددت روايات الإدارة المصرية التي لم يتقبلها المجتمع الدولي وتناولها بشكل نقدي هزلي. وفي إنجلترا تم تبني طرف في الأزمة حيث حملت الصحف الإنجليزية عناوين تربط الحادث بإنجلترا مثل الدايلي ميل "مقتل طالب كامبريدج ريجيني بواسطة الجهات الأمنية المصرية بعد تعذيبه بشكل غير إنساني حيواني"، كما تناولتها وسائل الإعلام الدولية الأخرى من منطلق حقوق الإنسان. مقالة خطيرة كتبتها جين لاتشبيل الباحثة في مبادرة شئون الشرق الأوسط نشرتها مجلة الواشنطن بوست بررت العديد من ملابسات حادثة ريجيني ومن وجهة نظري حملت تفسيرا للحادث فوفقا لها ريجيني كان باحثا لحركات العمال في مصر ووصفته بأنه الحالة الأولى لتعذيب باحث علمي في مصر!!! إذن ريجيني لم يكن باحثا علميا عاديا في مصر. أكدت أنه قابل العديد من النشطاء في الاتحادات العمالية وأجرى لقاءات مع النشطاء المعارضين للنظام العسكري الحاكم بما يشمل جماعات الأخوان المسلمين.مؤكدة أنها كباحثة أثبتت خطورة هذا الأمر نظرا للتداخل الشديد بين التحركات السياسية و الاقتصادية التي تستخدم لتفجير حالة عدم الاستقرار في مصر وكذلك خطورة تناول باحث أجنبي لها نظرا لارتباط ثورة يناير بجهات محركة أجنبية مثل حماس. وأوضحت أن ريجيني كان يجيد اللغة العربية وأقام علاقات وثيقة مع النشطاء العماليين والممثلين للتحركات السياسية المصرية بما قد يثير الشبهات حوله. وبالرجوع إلى المقال الذي نشره ريجيني في صحيفة المانيفستو Il manifesto الإيطالية نجد أنه حمل عبارات التحريض الصريح والدعوة لثورة ضد نظام الرئيس السيسي بعكس طبيعة الباحثين العلمية التي تتناول الموضوع بحيادية وموضوعية تحليلية، ومن بين هذه العبارات: حكومة السيسي تسعى للسيطرة وفرض توجهاتها وتهميش الإتحاد العمالي الوحيد، تم توقيع مذكرة معارضة من جانب الهيئات التي حضرت الإجتماع، لا يزال الخوف من نظام السيسي القمعي يمنع الاتحادات من الرد، من الضروري توحيد وتجميع الجهود والتعاون للخروج والرد على سلب العمال حقوقهم، الدعوة لتحركات للعمال بغض النظر عن الإنتماءات، يتطلب الأمر وضع خطة قومية لتحرير العمال والإتحادات العمالية: وأقترح فكرة تجميع المحتجين في ميدان التحرير لمواجهة القانون رقم 8 لسنة 2015. وبينما قد يرى البعض هذه العبارات من منطلق حرية التعبير فإنني أراها اختراقا للشئون الداخلية بشكل تحريضي بعيدا عن الأهداف البحثية. إذن نحن أمام قضية أمن قومي لن تجدي معها المفاوضات مع الجهات الأمنية الإيطالية ولعل فشل المفاوضات المصرية الإيطالية دليلا على ذلك. ربما صعد الأزمة الروايات الواهية والدلائل المتعددة التي طرحتها الإدارة المصرية لمقتل ريجيني التي حملت سياسة الاستذكاء والتي لن تجدي في إطار مجتمع المعلومات الدولي المفتوح الحديث، كما أساءت لصورة ومصداقية الإدارة المصرية عالميا. إن العلاقات الاقتصادية المصرية الإيطالية علاقات وثيقة وهامة باعتبارها الشريك التجاري الأوروبي الأول لمصر ومن أكبر جهات الاستثمار في مصر ومصدر هام للتدفقات السياحية لمصر والتي لم تتوقف حتى في خلال فترة عدم الاستقرار السياسي، كما أن العلاقات الثقافية بين الشعبين المصري والإيطالي علاقات تاريخية وثيقة. وأرى مناداة البعض بعدم أهمية تصعيد المشكلة للبرلمان الأوروبي هو أيضا عدم إدراك لأهمية إدارة الأزمات وضرورة الحفاظ على الشركاء الاقتصاديين الأساسيين لمصر في المرحلة الحرجة الحالية. إن الأمر يتطلب ضرورة تدخل الدبلوماسية المصرية بين البلدين لأعلى مستوياتها لاحتواء تداعيات الأزمة بقدر الإمكان و تجنب أي إساءة أو تشويه لصورة مصر عالميا.