ارتبطت عبارة المعارضة السياسية خلال العقود الماضية بعدة شخصيات سياسية لمعت فى عهد مبارك، والتي كانت أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير عام 2011، حتى حين ظهرت مصالحات جديدة لخلق توصيف للمعارضة خلال هذه الفترة مثل: المعارضة «الكرتونية أو الوهمية»، حيث تولى مهمة المعارضة السياسية عدد من الشخصيات المسئولة بشكل رئيسى عن تحديد السياسيات فى عهد مبارك، ما أدى إلى وجود حالة من السخرية من تصريحات هؤلاء المسئولين. أما عقب تولى جماعة «الإخوان» المسلمين الحكم فبدأت التوقعات تشير إلى أهمية المعارضة الحقيقية، إلا أن الجماعة كانت أكثر إصرارا من الحزب الوطنى ذاته على عدم وجود معارضة أو رأى مخالف لها داخل برلمان عام 2012، ليظل معنى المعارضة الحقيقى غائبا عن المشهد السياسى، ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية القادمة تتزايد التساؤلات حول هوية المعارضة السياسية، ولعل مقولة زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، بأن «الفساد وصل للركب فى المحليات» عام 2008 خير دليل على وجود المعارضة الكرتونية أو الوهمية خلال فترة حكم مبارك. بدورها حاولت جريدة «النهار» الكشف عن هوية المعارضة السياسية فى البرلمان القادم... فى البداية أكدت البرلمانية السابقة، مارجريت عازر، عضو قائمة فى حب مصر، أن البرلمان القادم يشهد وجود معارضة سياسية سواء كانت تهدف للبناء ومساندة الدولة أو معارضة تسعى لتنفيذ أجندة خاصة بها، أو معارضة من أجل المعارضة فقط لا تسعى لتحقيق أهداف وإنما محاولة لإظهار وجود بعض النواب أثناء مناقشة القرارات والتشريعات، وبالنظر إلى الماضى القريب نجد هذه النماذج، فالمعارضة فى عهد مبارك كانت ديكورية لا تستطيع الاعتراض على ما يتم طرحه من مشروعات لقوانين، أو مواجهة الحكومة بأخطائها، حيث تمثل الحكومة الحزب الحاكم «الحزب الوطنى» الذى كانت له الأغلبية فى مجلس الشعب، ويستطيع من خلالها قمع أى معارضة حقيقية تشكل تهديدا لحكومته أمام الرأى العام. وتوقعت عازر وجود معارضة سياسية حقيقية داخل البرلمان القادم، وذلك من خلال وجود تحالفات وطنية تسعى لدفع عجلة الوطن إلى الأمام وهذا أمر مشروع، وتابعت: «سنجد أيضًا بعض النواب يسعون للمعارضة فقط دون جدوى من ذلك، وهو أمر طبيعى موجود فى كل برلمانات العالم»، كما حذرت من وجود نجاح بعض الشخصيات التى تنتمى لجماعة «الإخوان»، ما يهدد مسيرة التقدم واستكمال بعض المشروعات، حيث تسعى الجماعة منذ ثورة 30 يونيو إلى عرقلة الدولة بكافة الطرق والوسائل، ومنها زرع عناصر داخل مجلس الشعب لعرقلة القوانين والتشريعات. وأشارت عازر إلى أن مجلس الشعب القادم سوف يحصل على ثقة الشعب الذى قام فى السابق بانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكدة أن الشعب المصرى لن يسمح بمرور مخططات خارجية إلى البرلمان القادم، مشيرة إلى قدرة المواطنين على رفض كل ما يعرقل مسيرة التقدم واستكمال باقى مؤسسات الدولة، إذ يقع على عاتق البرلمان القادم العديد من المسئوليات والمهام التى لا تقبل التهاون أو التأجيل. فيما أكد المستشار يحيى قدرى، نائب رئيس «الحركة الوطنية» سابقًا، أن ملامح المعارضة السياسية داخل البرلمان القادم لم تتضح بعد، مشيرًا إلى أهمية وجود معارضة سياسية داخل البرلمان المقبل، خاصة أن الدولة لا تستطيع أن تستكمل أركانها الحقيقية بدون معارضة قوية وفاعلة، ورفض فكرة قيام المعارضة السياسية على أساس وجود خلاف بين المعارضة ورئيس الجمهورية، وقال: «الدور الحقيقى للمعارضة هو التأكيد على صحة بعض القرارات والموضوعات الهامة التى تؤثر فى حياة المواطنين أو الاعتراض على وجود بعض الأخطاء فى القرارات، ومن هنا تبدأ المعارضة السياسية فى تصويب هذه الأخطاء وإعادة طرح أفكار جديدة لهذه الموضوعات أو القرارات، وهذا ما تحتاج إليه الدولة فى هذه المرحلة، لكى تكون معارضة قوية وتهدف للبناء والتطوير إلى جانب الرئيس والحكومة، وحتى لا تصبح معارضة من أجل المعارضة فقط». وأضاف قدرى: «عدم وجود كتلة برلمانية قادرة على تمثل المعارضة السياسية قد يضعف وجود المعارضة داخل البرلمان المقبل، فيجب وجود تيار قوى يحقق المعنى الحقيقى للمعارضة فى البرلمان، ففى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك لم يكن هناك معارضة سياسية، كانت معارضة شكلية ولم تقم بالدور المطلوب منها على مدار ثلاثة عقود متتالية، ولم يختلف الحال كثيرًا حينما صعدت جماعة الإخوان إلى السلطة، حيث اختفت المعارضة السياسية داخل البرلمان فى عهد الجماعة، ما أدى إلى تصاعد حالة الغضب الشعبى الذى أدى خلال عام واحد من توليهم الحكم إلى قيام ثورة 30 يونيو، كدليل واضح على غياب الديمقراطية ومحاولة الانفراد بالسلطة لتنفيذ أجندات خارجية». وأوضح نائب رئيس «الحركة الوطنية» سابقًا أن غياب المعارضة السياسية التى تمثل صوت المواطن تحت قبة البرلمان- يؤدى إلى نتائج سلبية لدى المواطنين، بالإضافة إلى خلق حالة من عدم الرضا تجاه السلطة؛ وهذا ما يجب تجنبه خلال المرحلة القادمة. من جانبه، قال رئيس حزب الجيل، ناجى الشهابى، عضو المجلس الرئاسى لائتلاف الجبهة المصرية، إن المعارضة السياسية فى الماضى كانت تؤدى دورها فى ضوء المعطيات المتاحة خلال هذه الفترة، مشيرًا إلى أن المعارضة داخل مجلس الشعب والشورى فى عهد مبارك كانت تقوم بتطبيق الأجندة المتفق عليها والمحددة مسبقًا، وعلى خطوات «الوطنى» بدأت الجماعة هى الأخرى فى تفعيل هذه المعارضة. وأشار ناجى إلى أن المعارضة السياسية فى عهد السيسى سيكون لها شكل آخر، على عكس المعارضة داخل برلمان مبارك والإخوان، فالمعارضة السياسية داخل البرلمان القادم ستكون حاضرة للدولة المدنية الحديثة، ومساندة للدولة ضد المخططات الخارجية التى تسعى لإضعاف الدولة، فضلاً عن دور المعارضة فى إرشاد الحكومة لما يطالب به المواطنون لكى يتم ترجمة ذلك عبر تشريعات وقرارات تحقق ما يطلبه المواطن، إلا أنه يخشى من عدم وجود كتلة برلمانية قوية تستطيع تمثيل المعارضة السياسية التى تعبر عن المواطن، مؤكدًا عدم وجود تكتل حزبى أو سياسى قادر على التعبير عن المعارضة، الأمر الذى قد يؤدى إلى وجود نقاط ضعف داخل صفوف المعارضة، متوقعًا صعود المعارضة الحزبية فى البرلمان المقبل. وفى السياق ذاته، يرى الدكتور وحيد عبدالمجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن البرلمان القادم لن يشهد وجود معارضة قوية تمثل مطالب المواطنين أمام الحكومة، مؤكدًا أن دور المعارضة سيكون شكليا وأشبه بالمعارضة السياسية فى عهد مبارك، ويرجع ذلك إلى اهتمام النواب بالشئون المحلية الخاصة بدائرتهم الانتخابية فقط دون النظر إلى القضايا الأخرى المرتبطة بجموع المواطنين، ما يؤدى إلى معارضة ضعيفة وسط غياب لكتلة برلمانية أو حزبية أو حتى شخصيات عامة تستطيع أن تؤثر فى صنع القرار.