يبدو أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بشأن مفاوضات محتملة مع الرئيس بشار الأسد تضاف إلى زلات اللسان التى ذكرها خلال مشاركته فى مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى "مصر المستقبل" خلال اليومين الماضيين ، لكنها - كما يرى مراقبون - تكشف النقاب عن نوع من التبدل فى السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري. وكان وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أعلن أن الولاياتالمتحدة على استعداد للتفاوض مع الرئيس السورى بشار الأسد فى إطار اتفاقية جنيف لإنهاء الأزمة السورية، مشيرا إلى أن واشنطن كانت تصر منذ بداية الأحداث فى سوريا على مبدأ التفاوض والانتقال السلمى السياسي، مضيفا أن ظهور عدو مشترك، فى إشارة إلى تنظيم "داعش " الإرهابى ، قد يكون خفف من موقف الغرب تجاه الأسد. فيما جاء رد الفعل من قبل الخارجية البريطانية والأمريكية ليثبت حرجا سببته تصريحات كيرى لبلاده خاصة فى ظل انقسام المعارضة السورية . وقال بيان الخارجية البريطانية - تعقيبا على ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري: إن لندن ترفض أى دور للرئيس بشار الأسد فى مستقبل سوريا، وأكد البيان أن "العقوبات على سوريا ستستمر حتى يغير الأسد منهجه ويوقف العنف ضد أبناء شعبه وبدء التفاوض مع المعارضة المعتدلة". كما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا أوضحت فيه ثبات سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية، مؤكدة أنه لم يحصل أى تغيير فى السياسة الأمريكية بهذا الشأن، مشيرة إلى أنها لا تؤيد التفاوض مباشرة مع بشار الأسد. من جانبه أوضح نائب رئيس الائتلاف السورى المعارض، هشام مروة أن تصريحات كيرى حول مفاوضات محتملة مع الأسد لا تقلقه إذا كانت ستفضى إلى رحيل الرئيس السورى وتطبيق ما جاء فى بيان مؤتمر جنيف الأول. ويرى مراقبون أن تصريحات كيرى تدل على تبدل الأجندة لدى الغرب تجاه الأزمة السورية باعتبار الأولوية وقف خطر تنظيم "داعش". من جانبها علقت المحللة السياسية حدة حزام على ما ذكره كيرى بقولها: لا أدرى إن كانت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيرى على هامش مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، بشأن سوريا، زلة لسان، مثل تلك التى جاءت فى مداخلته عند افتتاح المؤتمر، عندما قال إنه يجب أن نسعى جميعا من أجل مصلحة إسرائيل، وكان يقصد مصر، لكن عقله الباطن وإملاءات اللوبى الصهيونى خلطت على الرجل أوراقه، وما كان لينتبه لولا قهقهات العرب الحاضرين والفرحين بخطأ الوزير الأمريكي، وكأنه كان يعدد مكارمهم!؟ وقال كيرى إن أمريكا مضطرة للتفاوض مع الأسد لإيجاد حل سياسى للحرب السورية التى تدخل اليوم عامها الخامس، ولم يشترط كيرى كعادة الزعماء الأمريكيين ذهاب الأسد، قبل أى تفاوض من أجل إيجاد الحل لهذه الأزمة التى طالت، ولم يقل إنه فاقد لكل شرعية. كيرى قال - كاذبا - إن واشنطن عملت بكل قوة من أجل التوصل إلى حل سياسى للأزمة، وما زالت متمسكة ب"جنيف1." وتشعبت المسئوليات، ودخلت داعش على الخط لتعقد من الوضع وتصعد من التطرف. بعد كل هذا الدمار والخراب، يأتى كيرى ويقول إنه لا حل إلا بإشراك الأسد فى المفاوضات، وبعدما كانت أمريكا وفرنسا تهددان بتدخل عسكرى فى سوريا، ويردد أوباما أن الأسد يجب أن يرحل وأنه فقد كل شرعية. فها هى سياسة الخراب التى قادتها فى الشرق الأوسط تصل إلى طريق مسدود، لتعود بنا أمريكا إلى نقطة الصفر. وتتساءل حدة حزام: هل هو الخوف من داعش، العدو المشترك؟ أم هى خطة جديدة لربح الوقت ومحاولة الوصول إلى الأسد بالطرق الملتوية بعدما تعذر إسقاطه عن طريق السلاح، وبعدما فشل الجيش الحر الذى دربته المخابرات الأمريكية وسلحته قطر والسعودية فى الأردن، فى تحقيق نتائج على الأرض غير استهداف مواطنين أبرياء، وبعدما قاتل الجيش السورى ببساطة عن بلاده؟! وترى حزام أنه كان على أمريكا والغرب المتآمر على سوريا، أن يفهم منذ البداية أن الأسد أخف الأضرار، وأن غول الإرهاب وجبهة النصرة وداعش هى خطر على الإنسانية، وليست خطرا على سوريا وحدها أو العراق وحدها. وتعتبر أن اقتراح كيرى جاء متأخرا بعشرات المعارك وليس مجرد بأربع سنوات، مشيرة إلى أن أمريكا ربما تكون قد فهمت استحالة الإطاحة بالأسد الذى استمد شرعية غير مسبوقة من مقاومته لعدوان متعدد الجنسيات، ولأن الشعب السورى فى الداخل التف حول رئيسه ليس لأنه الأفضل، بل لأنه صار رمزا للمقاومة ولوحدة التراب السورى ورمزا لوطن يراد تدميره، وصار بإمكان السوريين المقارنة بحياة الأمن والرخاء أيام الديكتاتورية والدمار والقتل على الهوية على يد جيش الديمقراطية والحرية؟! فهل سيغير أردوغان الذى يقول إن الأسد وداعش وجهان لعملة واحدة رأيه، وماذا عن أمراء الخليج من هذا التغير فى الموقف الأمريكي؟! وفى غضون ذلك نفى مصدر مسئول ما تردد حول وجود أجندة معدة سلفاً لمؤتمر القاهرة الموسع للقوى الوطنية السورية المقرر عقده خلال الأسابيع القليلة المقبلة، كما نفى أن يكون قد تم التطرق فى القاهرة لتصور يتعلق بمستقبل أو مصير النظام السوري، مؤكداً أن مصر منذ بداية جهودها لا تسعى سوى إلى توحيد صفوف القوى السورية وهى حريصة على أن تتأسس تلك الجهود على الاسترشاد برأى السوريين الوطنيين أنفسهم دون تدخل من جانبها أو السماح لأطراف خارجية بالتدخل. وذكر المصدر أن بعض الشخصيات والقوى التى لها مصلحة فى استمرار انقسام المعارضة السورية سعت منذ بدء الحديث عن اجتماع القاهرة لإفشال مسيرة التوحيد من خلال إطلاق الشائعات والمزايدة على الدور المصرى أو على القوى الوطنية والثورية التى تنشط تحت رعاية مصرية للتوصل لرؤية مشتركة للحل فى سوريا. وفى سياق متصل قام حسن عبد العظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية بزيارة إلى القاهرة حيث التقى مع مسئولى وزارة الخارجية المصرية لتناول تطورات الأوضاع فى سوريا. وتطرقت اللقاءات لعملية الإعداد الجارية لمؤتمر القوى الوطنية السورية الموسع المقرر عقده فى القاهرة فى الربيع من هذا العام، والذى يستهدف توحيد رؤى ومواقف القوى الوطنية السورية المعارضة فى سبيل التوصل إلى تسوية سياسية تحقن دماء الشعب السوري. وأشاد عبد العظيم فى هذا الصدد بالدور الإيجابى والضرورى الذى تقوم به مصر لتوحيد المعارضة السورية مؤكداً أن القاهرة ستظل قلب العالم العربى والراعى لمسيرة التغيير والاستقرار فيه.