أكدت تصريحات رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، في الآونة الأخيرة، التسريبات التي تحدثت عن حراك في هرم السلطة الجزائرية من أجل الخروج من حالة الانسداد السياسي بعد الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة في انتخابات أبريل 2014، وجاءت كشهادة من حزب مقرّب من السلطة على عجز الرئيس عن أداء مهامه الدستورية بسبب متاعبه الصحية، بالإضافة إلى الدور المثير للجدل لمستشاره وشقيقه الأصغر سعيد بوتفليقة في إدارة شؤون البلاد. وأعادت رئيسة حزب العمال لوزيرة حنون بتصريحاتها الأخيرة، الجدل مجددا حول دور سعيد بوتفليقة مستشار رئاسة الجمهورية وشقيق الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، بدعوته إلى تحمل مسؤوليته التاريخية لوقف ما أسمته ب”الانحراف المستشري في دواليب الدولة”، والتمست منه توظيف منصبه وعلاقته العائلية بالرئيس للوقوف في وجه من اتهمتهم ب”بقايا الحزب الواحد ولوبيات المال السياسي” من التغلغل أكثر في مفاصل الدولة.
ولمّحت تصريحات حنون وفقًا للعرب اللندنية، إلى تجاذب في هرم السلطة حول الحلول المناسبة لحالة الانسداد السياسي، فرئيسة حزب العمال التي ظلت إلى غاية الأسابيع الأخيرة تلعب دور “ذراع السلطة في معسكر المعارضة”، والمدافع الشرس عن العديد من خيارات الحكومة، تطلق الآن نيرانها على جهات أخرى في السلطة.
ويقول مراقبون إن دعوة حنون ل”رجل الظل” سعيد بوتفليقة لأداء دوره في التطورات الأخيرة، جاء للدفع به إلى الواجهة لأداء دور معيّن في المرحلة الجديدة، إما تحسبا لخلافة شقيقه أو توظيف نفوذه لإسكات خصومها في السلطة، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) عمار سعداني، ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات الاقتصادية، رجل المال القوي علي حداد.
ورغم الجدل المثار حول شخصيته ودوره في إدارة شؤون البلاد، لا سيما بعد الوعكة الصحية التي ألمّت برئيس الجمهورية، فإن سعيد بوتفليقة المستشار المعين في الرئاسة دون أي مرسوم، يعدّ من الشخصيات التي تهوى الابتعاد عن الأضواء ووسائل الإعلام، ولا يسجل حضوره إلا في الكواليس وبعض الصور العائلية الرسمية، كالاقتراع في الانتخابات وبعض الاستقبالات النادرة.
وقالت لويزة حنون في تصريحها الأخير “الواقع أن رئيس الجمهورية لا يستطيع التنقل بسبب حالته الصحية وشقيقه مسؤول عن وقف الانحرافات، لأنه يعرف باسم من يتحرك البعض وكل شيء واضح أمامه”، وأضافت أن “الدولة أصبحت تعاني هشاشة غير مسبوقة بسب نهب الأموال العمومية وتهريب العملة الصعبة للخارج تحت غطاء الاستثمار”.
واعتبر خبراء تصريحات حنون اعترافا صريحا من أحد المقربين للسلطة بعجز الرئيس عن أداء مهامه الدستورية رغم محاولات أحزاب الموالاة التستر عن المسألة، ونفيها في كل مرة أحاديث المعارضة السياسية عن ضرورة تفعيل البند 88 من الدستور لإعلان شغور منصب الرئيس بسبب العجز الصحي، كما شكل اعترافا صريحا أيضا بالدور المثير للجدل لشقيق الرئيس في تسيير الملفات الكبرى للبلاد، وهو ما تعتبره المعارضة تنافيا مع الدستور وتمهيدا لخلافة شقيقه في قصر المرادية.
في المقابل، اعتبر محمد بن حمو، رئيس حزب الكرامة في الجزائر، أن ما جاء على لسان حنون “استغباء للشعب الجزائري”.
وقال في تصريحات ل”الشروق” الجزائرية، إن حنون تريد أن تستغبي الشعب الجزائري، مضيفا أنه “لا يعقل أبدا أن نبكي مرة مع الجزائريين ومرة أخرى نريد ضربهم في عمقهم، بحسب ما تذهب له رئيسة حزب العمال”.
وتابع بن حمو “ليس هناك أي مجال لإقحام عائلة الرئيس في المجال السياسي”، معتبرا أن تصريحات حنون عن أخ الرئيس سعيد بوتفليقة في هذه المرحلة بالذات، لم تكن مجانية بل لها خلفيات.
واتهمت حنون رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الاقتصادية رجل الأعمال علي حداد، بممارسة دبلوماسية موازية لتلك التي يقوم بها وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، الذي نجح في بعث الحوار في مالي وليبيا، مشيرة إلى أن الرجل يقوم باستقبال وفود أجنبية وكأنه صاحب منصب رسمي في الدولة.
ويقول مراقبون في الجزائر إن تصريحات حنون، هي مرآة عاكسة لحالة من التجاذب بين جماعات الضغط في السلطة، تسير لصالح بسط نفوذ البعض منهم في مفاصل السلطة، دون الأخذ بجماعات الولاء الأخرى، مما أخرج المرأة عن صمتها ودفعها إلى نشر الغسيل على مشاجب وسائل الإعلام، للضغط على خصومها في عالمي المال والسياسة. كما لم يستبعدوا أن تكون محاولة جر “رجل الظل” سعيد بوتفليقة إلى الواجهة، مسعى لترتيب أوراق نزلاء بيت الطاعة قبل تقديم السلطة بخارطة طريق للخروج من الانسداد، قد تُوظف خلاله وجوها وآليات جديدة تنهي مسار الوجوه المستهلكة.