انتشر الإرهاب فى الفترة الأخيرة بشكل واسع جدا على نطاق الدول العربية كلها، وأصبح كالسرطان ينخر فى عظام المجتمع العربى، فداعش تارة وأنصار بيت المقدس تارة أخرى، وغيرها من الجماعات التى اتخذت من العنف والقتل والذبح وسيلة لها, فكل هؤلاء أصبحوا يشكلون خطرا داهما على مصير الأمة العربيهة بأسرها الأمر الذى يستدعى معه تحالف كل الدول العربية معا للحد من خطورة الإرهاب.. من هنا نحاول فى السطور المقبلة معرفة آليات تشكيل منظمة أو كيان إقليمى عربى للقضاء على الإرهاب بالإضافة إلى سبل تعزيز التعاون والدعم بين الدول العربية والأسانيد القانونية لانشاء الكيان لشن الحرب على الارهاب. بدايةً، أكد الدكتور أبو العلا النمر أستاذ ورئيس قسم القانون الدولى بكلية الحقوق بجامعة عين شمس أن الإرهاب ليس ظاهرة محلية فقط بل إنه ظاهرة دولية وإقليمية أيضا الأمر الذى يجعله يمثل تهديدا مباشرا وواضحا لمصالح العالم اجمع وليس دولاً بعينها، مما جعل كل دولة من دول المجتمع الدولى تسعى سواء بمفردها أو فى شكل تحالف للخلاص من الإرهاب لحمايه مصالحها . وعن آليات تشكيل تحالف للقضاء على الإرهاب أوضح النمر أنه أيا ما كان الشكل الذى سيتخذه هذا التحالف فهو ليس له أهمية نظرا لأن العبرة بما يحدث على ارض الواقع من فعاليات وما يتم اتخاذه من إجراءات، مؤكدا أن اى منظمة دولية تنشأ لهدف ما، عادة ما تكون نتيجة لمعاهدة موقعة بين مجموعة من الدول لتحقيق ذلك الهدف ولذلك فنحن لدينا منظمات عديدة فى الكثير من المجالات مثل منظمة الصحة العالمية والبيئة وغيرهما، فالدول تسعى للتعاون مع بعضها البعض لتحقيق أكبر المكاسب الممكنة وبالتالى فلا يوجد مانع يمنع مصر والدول الأخرى أن يتحالفوا من أجل هدف واحد، أما عن الموقف القانونى للضربات العربية على الإرهاب فأكد النمر أن القانون الدولى سمح لكل دولة تتعرض للاعتداء على مصالحها أن تتخذ من الإجراءات ما يكفى لكى تدرء عن نفسها هذه المخاطر والاعتداءات والتى قد تصل لإعلان حالة الحرب وهذا حق كفله القانون الدولى فى إطار حق الدفاع عن النفس، وإذا كانت مصر قد تعرضت لمثل هذه الاعتداءات فمن حقها أيضا أن تتخذ من الإجراءات ما يكفى لحماية مصالحها هى الأخرى. من جانبه أوضح الأستاذ الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الإرهاب فتح خط المواجهة مع العالم بأسرة وليس فى مصر فحسب، فلو كانت هناك بعض الدول الآن بعيدة عن الإرهاب فإن الإرهاب سيطولها فى المستقبل القريب إذا لم يتحد العالم لمواجهة الإرهاب، ومن هنا تبرز الأهمية القصوى للتكتل ضد الإرهاب سواء فى تكتل إقليمى أو دولى. وأضاف إكرام أنه يوجد نص صريح فى ميثاق الأممالمتحدة يتيح للدول الأعضاء حق الدفاع الشرعى عن النفس سواء فرادى أو جماعات وهو النص الذى يمكن أن تستند إليه مصر فى حربها ضد الإرهاب والذى قد يمتد أمده. وعن التحالفات التى قد تنشأ فى القريب العاجل لمحاربة الإرهاب أوضح بدر الدين أن الدول التى قد تتحالف مع مصر يمكن تقسيمها لعدد من الدوائر فهناك الدائرة العربية سواء فى إطار الجامعة العربية أو خارجها، فهناك احتمال أن ينشأ تحالف عربى عربى يضم كلا من مصر والسعودية والإمارات والأردن بحيث يتم تقسيم المشاركات العسكرية فيه بالشكل الأمثل للقضاء على الإرهاب، وهناك الدائرة المتوسطية حيث إن وجود داعش فى ليبيا يهدد إيطاليا وأوروبا فالداعشيون يمكنهم التسلل مع المهاجرين الذين يهاجرون بطريقة غير شرعية إلى أوروبا الأمر الذى يجعل من داعش وسيلة تهديد كبيرة لأوروبا كلها كما أنه يمكن أن يتسلل إلى الولاياتالمتحدهالأمريكية فكل هذه تحالفات ومحاور يمكن الالتجاء إليها والعمل على قيامها فى حال الرغبة فى ذلك . وعن التحالفات الدولية الأقرب للظهور على أرض الواقع رجح الدكتور بدرالدين أن يكون هناك تحالف دولى على الأغلب لن تكون من بينه أمريكا، مشيرا إلى أن قطر قد تعمل على عرقلة التحالف داخل جامعة الدول العربية ولكن خارج الجامعة لن تستطيع عمل أى شيء، أما أمريكا فلن تستطيع معارضة قيام أى من هذه التحالفات فأمريكا لن تستطيع الإعلان بشكل رسمي أنها ضد الحرب على الإرهاب، كما توقع الدكتور بدر الدين أن يضم التحالف قوى دولية عظمى ومؤثرة مثل روسيا والصين. وعلى الجانب الآخر عارض عبدالعزيز الحسينى أمين تنظيم حزب الكرامة فكرة قيام تحالف دولى للحرب على الإرهاب، مشيرا إلى أنه لا يجب قيام تحالف دولى للحرب على الإرهاب حيث إن الإرهاب يجب أن يحاربه أهل المنطقة الموجود فيها الإرهاب من باب أولى، حيث إن الدول العظمى تستخدم من الحرب على الإرهاب مدخلا لاستنزاف ثروات الأمم مما يجعل الحرب تتحول لمصلحة الطرف الخارجى وليس البلد الموجود فيها الإرهاب، كما أن التجارب التاريخية التى مررنا بها تؤكد ذلك ففى الماضى القريب تدخل حلف الناتو فى ليبيا للقضاء على نظام القذافى ولكنه هو من تسبب فى الأزمة التى تعيشها ليبيا الآن كما أن سوء الحال الذى وصلنا إليه سورياوالعراق السبب فيه هو التدخل الدولى فى هذه البلاد لذا فإنه لا يجب أن يكون هناك تحالف دولى للحرب على الإرهاب. وأضاف الحسيني أن كل هذه التحالفات الدولية التى مزقت مصير أمم وبلاد لم تأخذ موافقة الأممالمتحدة حتى فى الحرب على العراق لم تأخذ أمريكا موافقة الأممالمتحدة أو مجلس الأمن كما أنه عندما قام حلف الناتو بضرب ليبيا لم يأخذ موافقة مجلس الأمن حيث كان قرار التدخل مأخوذا بشكل مباشر من الدول المشاركة فى حلف الناتو وهو ما يبعث الريبة فى أى تحرك دولى تجاه الدول العربية بشكل عام. ورجح الحسينى أن يكون هناك تحالف عربى عربى للحرب على الإرهاب مشددا على ضرورة أن نقضى على الإرهاب والطائفية معا حيث إننا يجب أن ندرك أن الطائفية هى من دفعت الكثيرين لأن يقوموا بالاتجاه والميل تجاه داعش وممارسة صنوف من الانتهاكات، فعلى الدول العربية أن تضبط مبدأ المواطنة فى سورياوالعراق وليبيا أولا لأن هذا سيضعف الإرهاب وتمدده وسيقلل من فرص المواجهة الدموية مع الإرهاب. وعلى الجانب الدولى شرح الدكتور اشرف عرفات استاذ القانون الدولى بكليه الحقوق جامعة القاهرة آليات قيام كيان دولى لمحاربة الإرهاب قائلا ان المسألة بسيطة جدا فنحن لدينا معاهدة الدفاع العربى المشترك والمبرمة بين الدول العربية والتى تعتبر منبثقة عن الإطار التنظيمى لجامعة الدول العربية، وحيث ان هذه المعاهدة تنص على ان اى اعتداء أو عدوان على اى دولة عربية يعتبر وكأنه اعتداء على جميع الدول الاخرى، وبالتالي فالأمر سهل، وغاية الامر أن معاهدة الدفاع العربى المشترك لم يتم تفعيلها من قبل وبالتالى فنحن لسنا فى حاجة إلى إنشاء كيان أو هيكل جديد فقط المطلوب تفعيل الاتفاقية الموجودة فعلا. وأضاف عرفات انه نظرا للظروف الموجودة فيها المنطقة والحرب على الإرهاب والذى اصبح يهدد كل الدول فإنه يجب تفعيل هذه الاتفاقية فنحن لسنا فى حاجة الى انشاء اتفاقية جديدة فالمعاهدة موجودة فقط المطلوب هو اصدر القرار . وعن آليات التعاون الاقليمى بين الدول العربية أوضح الدكتور عرفات ان المشكلة ليست فى الاتفاقية أو فى الوجود القانونى أو الفعلى المشكلة الحقيقية هى ان تصدق النوايا وتتحد الارادة فعلا لمجابهة الإرهاب، حيث ان الفترة التى تعيشها المنطقة الآن تختلف عن ذى قبل حيث ساد التفكك وبالتالى اصبحت المنطقة كلها مهددة بالخطر حيث أصبحت كل حدود الدول مجروحة ومتوترة الى حد كبير. أما عن تأثير معارضة بعض الدول لهذه التحالفات أوضح عرفات انه لا يوجد تأثير لاعتراض اى دولة على نشأة الكيان فالدولة المعترضة لا يمكنها فقط سوى الا تشترك فى التحالف فالمسألة مسألة اختيار بالنسبة للدول، فمجلس الأمن ليس لديه جيش ولكنه حينما يقررالتدخل فى دولة ما فإن الدول التى لديها رغبة فى الاشتراك هى التى تساهم فى القوات الدولية فعلى وجه التحديد لا يمكن لقطر ان تمنع قيام تحالف عربى لمواجهة الإرهاب، مضيفا أننا لو تأملنا الصورة جيدا نجد أن مصر باعتبارها قلب الأمة العربية النابض تسعى لإنشاء هذا الكيان على وجه السرعة فزيارة الملك الأردنى لمصر وزيارة الرئيس السيسى للسعودية يؤكدان الرغبة القوية فى التسريع نحو انشاء هذا التحالف حيث إن الخطر الحالى يفرض التعجيل بهذا القرار. من جانبه قال اللواء رضا يعقوب الخبير فى محاربة الإرهاب الدولى، إنه يجب ان تكون هناك اتفاقية لكى تكون مسوغا شرعيا لمحاربة الإرهاب الدولى لأن هناك تقاعسا دوليا عن مواجهة الإرهاب الموجود فى ليبيا فكل دولة انشغلت بنفسها، فدول جنوب شرق اسيا كونت تحالفا وأوروبا أدركت خطر الانقسام فاتحدت مع بعضها البعض وكونت اليورو ونحن أكثر دول العالم تجمع بيننا أسباب الوحدة والاتحاد، وبالتالى لابد من اتحاد الدول العربية مع بعضها البعض وتكوين سبيل قوى لردع الإرهاب. وعلى الجانب العسكرى أوضح يعقوب أن الاتحاد العسكرى بين الدول يكون له شكل وأبعاد وطرق يتم تحديدها فى الاتفاقيات التى تنشأ لهذا الغرض حيث إنه يتم تحديد اماكن وكيفية التدريب والتسليح بالإضافة إلى التمويل كما أنه يتم تحديد اشكال الاستدعاء لهذه القوات بحيث إذا قامت القوات الرسمية فى بلد ما بطلب استدعاء القوات العربية المشتركة لحل مشكلة أمنية أو مشاكل الإرهاب فيها فتستطيع هذه القوات ان تتحرك وتنتشر بالشكل المطلوب. وأضاف يعقوب أنه قبل نشأة الاتحاد الأوروبى كانت الدول الأوروبية تحارب بعضها البعض، لكنهم وصلوا الآن لصيغة تفاهم وأمن تضمن سلامة الجميع كما أن دول شرق آسيا متحدة مع بعضها فالصين كانت تحارب اليابان فى الماضى أما الآن فهما متحدتان إلى حد بعيد فالماضى به الكثير من الاسترشادات التى يمكن الاهتداء بها فى طريق المستقبل . وفى نفس السياق أبدى اللواء عماد أبو الفتوح مساعد وزير الداخلية الأسبق تعجبه من التناقض الدولى فى المواقف من الحرب على الإرهاب حيث ان امريكا تقوم بإنشاء تحالف دولى لمحاربة داعش فى سورياوالعراق لكنها تمتنع عن المشاركة فى الحرب على تنظيم داعش الموجود فى ليبيا وهذا أمر به تناقض غريب، الأمر الذى يستدعى وجود تنظيم اقليمى قوى لمواجهة هذا الإرهاب . وعن الوقت الذى سيستغرق للقضاء على الإرهاب فى المنطقة أوضح اللواء أبو الفتوح انه لا يوجد فى العلوم العسكرية ما يسمى بالقضاء بالشكل الكامل وبالتالى فالحرب على الإرهاب سيستمر لفترة فأمريكا نفسها صرحت بأن حربها على الإرهاب ستستمر لمدة ثلاث سنوات، مؤكدا أن الدول العربية وعلى رأسها مصر تخضع لحرب على أمنها القومى من خلال محور أمريكى تركى قطرى وبالتالى فالدول العربية تخضع لنوع من انواع الضغط لذلك لا بد من وجود كيان اقليمى قوى يحمى مصالح الدول العربية. وأكد أبو الفتوح أن التعاون بين الدول العربية لا يجب أن يشمل الدعم اللوجيستى أو العسكرى فقط بل يجب أن يمتد ليشمل المساعدة السياسية حتى لا نواجه أكثر من تحدٍ أمام العالم كما أن القضاء على التطرف والإرهاب لا يتم من خلال الجانب الأمنى فقط بل إن المواجهة يجب أن تمتد لتشمل الفكر الثقافى والدينى والفكرى والقانونى. وعلى الصعيد الداخلى أوضح حسين عبدالرازق عضو الهيئة العليا لحزب التجمع أن القوى الداخلية والخارجية تنقسم إلى مؤيد ومعارض لإنشاء هذه التحالفات حيث انه على الصعيد الدولى من المتوقع ان تقف الدول التى تتبنى الإرهاب حتى ولو من وراء ستار ضد إنشاء هذا التحالف أما الدول التى ترى ان الإرهاب لا وطن له وبالتالى يمكن ان تمتد يده الآثمة إليها فبالتأكيد ستعمل على محاربة الإرهاب بكل الوسائل الممكنة، أما على الصعيد الداخلى فرجح الأستاذ عبدالرازق أن كل القوى والأحزاب الوطنية الديمقراطية ستؤيد قيام مثل هذا التحالف. وأوضح عبدالرازق أن مصر تحارب الإرهاب على ارضها وبالتالى فإذا تكون تحالف يساعد مصر فى القضاء على الإرهاب فإن عموم الشعب سيكونون راضين عن هذا القرار لأن المصريين جميعا يريدون الخلاص من الإرهاب . ورد عبدالرازق على الآراء التى تنتقد قيام مصر بالاشتراك فى تحالف دولى للحرب على الإرهاب قائلا إن مواجهة الإرهاب أصبحت لا تتم عن طريق الجيوش النظامية. وفى الختام أوضح عبدالرازق أن الاشتراك فى أى تحالف يعتمد على عاملين أساسيين هما أن تصاعد العمليات الإرهابية سيكون عاملا مشجعا ومحفزا لمثل هذه العمليات الارهابية وثانيا قناعة الدول بالخطر الحقيقى والداهم للإرهاب حول العالم .