كتبت: نورهان عبداللهيعتبر الموسيقار الراحل محمد عبد الوهَّاب هو الرائد الأول للسينما الغنائية في مصر، والوطن العربي كمنتج وموسيقار ونجم غنائي في سبعة أفلام هي كل رصيده، وهي(الوردة البيضاء الذي عُرض عام 33، ودموع الحب عام 35، ويحيا الحب عام 38، ويوم سعيد في 15 يناير 40، وممنوع الحب في 23 مارس 42، ورصاصة في القلب 17 مارس 44، ثم آخر فيلم لست ملاكا في 28 أكتوبر 1946وكان أول فيلم غنائي هو أنشودة الثوار عام 32 الذي قامت ببطولته المطربة نادرة أمام رائد المسرح جورج أبيض، وعبد الرحمن رشدي، وزكريا أحمد ومن إخراج ماريو فولبي، وكان سابقا لمحاولات عبد الوهاب.ومحمد عبد الوهاب لم يظهر على شاشة السينما إلا بعد أن أصبح أسطورة في عالم الغناء عن طريق التسجيلات الصوتية، والتي ذاعت وانتشرت في كل مكان، وجعلت الجماهير التي عشقت صوته الجميل وأعجبت بموسيقاه تمنت أن تراه على شاشة السينما كمطرب وموسيقار وممثل ..المولد والنشأةولد الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب في عام ولد موسيقار الأجيال في 13 مارس 1903 في حي باب الشعرية بالقاهرة بجوار جامع الشعراني وتوفي عبد الوهاب في يوم 4 مايو 1991 عن عمر يناهز التسعين عاماً .حفظ القرآن الكريم وهو في سن السابعة، حيث كانت البداية عندما كان يرتل القرآن بصوته العذب فشغف آذان الناس حتى ذاع صيته وتأثر بقرّاء القرآن الكريم من أمثال الشيخ محمد رفعت، والشيخ علي محمود، والشيخ منصور بدرانوشجعه شقيقه الشيخ حسن والذي كان له تأثير كبير على حياته فيما بعد، فقد كان بالنسبة له الوالد والأخ والصديقولم تكن حياته الأولى سعيدة، بل كانت مليئة بالصراعات بين رغباته الدفينة في حبه للغناء والطرب، وما بين رغبات الأسرة التي كانت تريد إلحاقه بالأزهر الشريف مثل أخيه الأكبر الشيخ حسن، ولكنه تمرد على رغبة الأسرة، وسار في طريق الغناء والموسيقى .كان عبد الوهاب يغني للأطفال في الحارة، وفي ذات يوم استوقفه رجل بعد أن سمع صوته وأعجب به، وكان هذا الرجل هو محمد يوسف وهو من أشهر أعضاء الكورس في الفرق التي كانت تطوف البلاد والقرى والموالدوعرض عليه محمد يوسف أن يغني في السيرك ووافق محمد عبد الوهاب على الفور، واتفق معه على أن يصحبه إلى مدينة دمنهور، وذهب إلى قرية من قرى دمنهور ، وغنى في تلك الليلة أغنية للشيخ سلامة حجازي والمعروفة في ذلك الوقت عذبيني فمهجتي في يديك وأعجب به الجمهور، وكانت المفاجأة أن الشيخ سيد درويش كان بين الحضور، وفي هذا الحفل تقاضى عبد الوهاب أول أجر في حياته وهو خمسة قروش .وعلى خشبة المسرح الكلوب المصري بسيدنا الحسين قدم محمد يوسف عبدَ الوهاب إلى فؤاد الجزايرلي صاحب الفرقة، وغنى عبد الوهاب من كلمات الشيخ يوسف القاضي أغنية تقول: أنا عندي منجة وصوتي كمنجة ,أبيع وأدندن وآكل منجة .ونجح عبد الوهاب وظهرت له إعلانات في الشوارع وعلى الحوائط تقول: الطفل المعجزة أعجوبة الزمان الذي سيطربكم بين الفصول محمد البغدادي، وكان محمد عبد الوهاب يخشى أسرته؛ فاضطر إلى تغيير اسمه ووصل أجره 4 جنيهات ..ومن فرقة الجزايرلي انتقل عبد الوهاب إلى فرقه عبد الرحمن رشدي بمرتب قدره ستة جنيهات، وكان ذلك عام 1920ثم انضم عبد الوهاب إلى فرقة علي الكسار بمرتب شهري قدره عشرون جنيها، غير أن عبد الرحمن رشدي لم يلبث أن استرده إلى الفرقة، وزاد أجره خمسة جنيهات حتى أصبح راتبه 25 جنيها، وهو مرتب كبير لم يكن يتقاضاه كبار الممثلين في ذلك الوقت .وكان عبد الوهاب يغني في فرقة عبد الرحمن رشدي بين الفصول، وفي يوم علم أن أمير الشعراء أحمد شوقي بيك جاء خصيصا لمشاهدة مسرحية الشمس المشرقة، والتي كانت تقدمها الفرقة، وأراد عبد الوهاب أن يلفت نظر شوقي بك إليه فشدا في تلك الليلة، ولكن كانت المفاجأة أن شوقي بك في اليوم التالي بعث بشكوى إلى لان رسل باشا حكمدار القاهرة يطلب فيها منع عبد الوهاب من الغناء بسبب صغر سنه .وفي عام 1922 سافر عبد الوهاب في رحلة فنية إلى فلسطين وسوريا ولبنان مع فرقة نجيب الريحانيولما عاد من رحلته قرر دخول معهد الموسيقى العربية، لكن الالتحاق بالمعهد يحتاج إلى مصروفات، إذن لا بد من البحث عن عمل لدفع المصروفات، ووجد عبد الوهاب عملا، فأصبح مدرسا للأناشيد بمدرسة الخازندار، وخلال العطلة الصيفية للمدرسة اشترك عبد الوهاب في حفلة غنائية كان معهد الموسيقى قد أقامها في كازينو سان ستيفانو بالإسكندرية، وتعتبر هذه الحفلة هي أول حفلة غنائية حقيقية يشترك فيها بعدما كان يغني على المسارح بين الفصول فقط .تصميم حتى النهايةوعندما انتهى وجد زميلا له يصعد إلى غرفته ويخبره بأن أحمد شوقي بك يريد مقابلته، وبعد تردد ذهب عبد الوهاب إلى شوقي بك، فاستقبله مرحبا، أهلا أهلا بالكروان، أنا عارف أنك متضايق، لكن تأكد أني لم أمنعك من الغناء إلا من أجل مصلحتك، وتوطدت العلاقة بين شوقي بك أمير الشعراء وعبد الوهاب، وتنمو بين الاثنين صداقة متينة، لا يكتفي معها أمير الشعراء بصياغة الأغاني للمطرب الناشئ فحسب، لكنه أيضا يتبناه ويصحبه في كل مكان، ويقدمه إلى كل أصدقائه، ويساعده في تنمية معارفه الموسيقية والأدبية .أقام الشاعر الكبير أحمد شوقي حفلة في منزله كرمة ابن هانئ بمناسبة زفاف ابنه الأكبر عليّ وحضر الحفل الزعيم سعد زغلول، وكبار الأدباء والعلماء والساسة، وسمعوا عبد الوهاب وهو يغني، فوقفوا يتهامسون بأنه أمل الموسيقى الجديد.وبعد أن أكمل عبد الوهاب تلحين رواية كليوباترا التي اقتبسها للمسرح سليم نمله، ويونس القاضي لفرقة منيرة المهدية، أصبح عملاق النغم الجديد عبد الوهاب امتدادا للعملاق الأول سيد درويش .وفي عام 32 كان عبد الوهاب قد نضج واشتهر في كل أرجاء المعمورة والأقطار العربية، وذات ليلة عرض عليه توفيق المردلي صديقه الاشتغال بالسينما، وذهبا معا إلى المخرج محمد كريم مخرج جميع أفلامه .أعماله الغنائية :وكانت أغاني عبد الوهاب في تلك الفترة هي كلنا نحب القمر، ويا جارة الوادي، على غصن البان، وخايف أقول اللي في قلبي، واللي انكتب على الجبين، وتم اللقاء الذي أثمر أول فيلم غنائي للمطرب الأول في مصر، وتم إخراج الفيلم في باريس؛ لأن مصر لم يكن فيها استديو للأفلام الناطقة، وكان أجر عبد الوهاب في فيلم الوردة البيضاء 450 جنيها وقصة الفيلم قد اشترك فيها كل من سليمان بك نجيب، ومحمد كريم، وتوفيق البردنلس وشارك أيضا عبد الوهاب بأفكاره، وقام الشاعر أحمد رامي بتأليف أغاني الفيلم من ضمنها أغنية يا وردة الحب الصافي، ونجح الفيلم نجاحا كبيرا، وتوالت بعد ذلك الأفلام، ومن أشهر أغاني عبد الوهاب في أفلامه :النيل نجاشي إجري إجري، و ما أحلاها عيشة الفلاح، ويا وبور قولي، وأوبريت مجنون ليلى، المية تروي العطشان، ومشغول بغيري، وحكيم عيون، وحنانك بي يا ربي، وانسى الدنيا، وقصيدة الخطايا، ويا قلبي مالك محتار، كما غنى عبد الوهاب للملك فاروق، وأيضا بعض الأناشيد الدينية بصوته.وكان آخر أغانيه من غير ليه .الحياة والفنتزوج عبد الوهاب من نهلة القدسي، وأنجب منها أربع بنات، وولدا ,ولحن لمعظم المطربين وبعض المطربين العرب أكثر من 700 لحن، كما لحن لأم كلثوم والذي وصف لقاءاته بها بلقاء السحاب في أغنية انت عمري، وعلى باب مصر، وأنت الحب، وأمل حياتي .وكذلك لحن لعبد الحليم، وكارم محمود، ونجاة، وفايزة أحمد، وغيرهم من المطربين .حصل عبد الوهاب على جوائز وشهادات تقدير، وكرمه الملك فاروق والرئيس عبد الناصر والرئيس السادات الذي أعطاه الدكتوراة الفخرية والرئيس مبارك، وكُرم من خارج مصر، فكرمه الرئيس بورقيبة، والملك حسين، والملك الحسن الثاني، والملك فيصل، كما حصل على دكتوراة فخرية من إحدى جامعات أمريكا .وعلى ضوء هذا الاستعراض نقول: إن جهود عبد الوهاب كرائد للسينما الغنائية، وما قدمه من ألحان وموسيقى تصويرية وخواطر موسيقية بعد أن انتقل من التخت إلى الأوركسترا واتجاهه للمنهج العلمي بتقديم الموسيقى الموزعة توزيعا أوركتسراليا والإقدام على المزج بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية وبالأخص الموسيقى الراقصة سواء بالنقل أو التأثير أو الاقتباس فأحدث بذلك ثورة في الموسيقى العربية بصفة عامة وفي السينما الغنائية بصفة خاصة كل هذا يجعله يستحق لقب موسيقار الأجيال .كوكتيل من اغانى محمد عبدالوهاب