انفردت الولاياتالمتحدةالأمريكية- لسنوات- بزعامة العالم, وتحكمت سياساتها في الكثير من الأحداث العالمية, حتى نشأ في أعماقها أن تلك الزعامة أصبحت حقا مكتسابا لها لا يستطيع أحد مزاحمتها عليه, ولكن هاهو الدب الروسي يستفيق من بياته الشتوي ليعلن عودته إلى الساحة مجددا مشهرا أنيابه أمام العم سام, ولكن في صراع القوى الكبرى وحرب السلطة والزعامة كل شيء مباح. فقد فرضت الولاياتالمتحدة وأوروبا وكندا واليابان سلسلة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، بعد ضمها لشبه جزيرة القرم ومساندتها للانفصاليين في شرقي أوكرانيا. وطالت العقوبات التي طبقتها دول أخرى قطاع الطاقة والبنوك وتعليق القروض. ولكن هل ستجدي تلك العقوبات على دولة ترعرعت في ظل النظام الشيوعي؟ هذا ما سيجيب عليه خبراء القانون الدولي ومحللو الشئون السياسية فى السطور التالية.. الدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أكدت أن الصراع أكبر بكثير من تدخل روسيا في أوكرانيا أو الشرق الأوسط, أو أن الصراع هو صراع على الزعامة العالمية أو قيادة العالم, حيث قالت ز 2008 وكان هناك توافق عام بينها وبين القوى الكبري بحيث لم يكن توجد معارضة, حتى وإن كان هناك أي معارضة من جانب روسيا أو الصين تجاه السياسة الأمريكية لم يكن هناك أي مجاهرة بذلك الرفض أو العداء, أما الآن فالأمر مختلف, فتلك الدول بدأت تجاهر برفضها وخلافتها وليس هذا فقط بل بدأت تقف بقوة في وجه الولاياتالمتحدة. وأكدت أيضا أن الولاياتالمتحدة لا تريد التنازل عن مكانتها كدولة كبري وقطب أوحد, ولكن دولا كروسياوالصين كبرت وقويت لدرجة أنها لن تقبل أن تكون تابعا أو تقبل سياسات في غير مصالحها, كما أنهم يريدون تغير هذا النظام الدولي إلى نظام متعدد القوى يكون فيه احترام متبادل بين القوى الكبرى. أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي فقالت ليس له سياسات مستقلة, السياسات الأوروبية امتداد للسياسات الأمريكية, هناك فاعلون أوروبيون أساسيون مثل بريطانيا وفرنسا سياساتهما تتفق مائة بالمائة مع سياسات أمريكا, كما أن أوروبا مرتبطة بأمريكا بحلف الشمال الأطلسي وحلف الناتو, وهذا رباط عضوي أساسي ما بينها. وأشارت إلى أن الروابط الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية ما بين الطرفين كبيرة جدا لدرجة تجعل من أوروبا حليفا إستراتيجيا بالكامل للولايات المتحدة لا يخرج أبدا عن سياق سياساته حيث قالت هذا شاهدناه في العقوبات على روسيا, حزم العقوبات تفرض دائما بدفع من الولاياتالمتحدة, حزم يوليو وسبتمبر الاتحاد الأوروبي تردد كثيرا في فرضها, ورغم ذلك ضغطت أمريكا عليهم وليس هم فقط بل أيضا كندا واليابان وشركاء آخرون لواشنطن. وحول تأثر أوروبا أيضا بالعقوبات التي فرضت على روسيا أكدت الشيخ أن هناك العديد من الدول الأوروبية التي تأثرت بالعقوبات المضادة التي فرضتها روسيا والخاصة بالسلع الزراعية, وأشارت إلى أن هذا القطاع مهم جدا لتلك الدول الأوروبية فالقطاع كان يعاني مشكلات قبل العقوبات الروسية, ولكن زادت العقوبات الروسية من مشكلاته ومعاناته, حجم الخسائر الأوروبية نتيجة العقوبات الروسية قدر بنحو 12 مليار دولار وهذا مبلغ ضخم جدا وتحمله القطاع الزراعي في هذه البلاد. كما أكدت أيضا أن وقف مشروع السيل الجنوبي وإعلان روسيا إسقاطه من مخططها أثر بالسلب على الدول الأوروبية التي كانت ستستفيد منه ليس فقط في مدها بالغاز ولكن أيضا التي سيمر هذا الأنبوب عبرها والتي كانت ستكسب كثيرا من رسوم مرور هذا المشروع على أراضيها, وأن جميع الخطوات التي اتخذتها روسيا ردا على العقوبات الأمريكية والأوروبية زادت من معاناة أوروبا في وقت يعاني الاقتصاد الأوروبي فيه بشدة, مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا, بريطانيا التي تفكر في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها ليست من ضمن منطقة اليورو, كما أوضحت أيضا أن العقوبات الأوروبية والأمريكية ستؤثر في روسيا ولكن ليس بالقدر الكافي الذي سيجبرها على تغيير سياستها, حيث قالت الذي يقوي روسيا ويدعمها ليس فقط أن مصالحها حيوية ولكن شراكتها مع الدول الآسيوية مثل الصين والهند وغيرها من دول آسيا في إطار منظمة شنغاهاي ستعوض روسيا عن أي عقوبات أو أي تأثيرات سلبية للعقوبات, روسيا وقعت اتفاقيات هامة جدا مع الصين على مدى العام الماضي, وبوتين التقى مع الرئيس الصيني نحو 5 مرات خلال 2014, تم توقيع اتفاق في غاية الأهمية وهو بدا بالفعل وهو خط قوة سيبريا الذي سيزود مناطق الصينالشرقية الصناعية بالغاز الروسي بقيمة 400مليار دولار على مدى 30 عاما، معتبرة أن الدعم الآسيوي سواء كان سياسيا أو إستراتيجيا والأهم اقتصاديا من خلال الشركات المشتركة واستيعاب الآفاق الآسيوية للطاقة الروسية سيعوض موسكو عن بعض المعدات التي تم وقفها من جانب الاتحاد الأوروبي وأمريكا. مصر شريك أساسى أما فيما يتعلق بدور مصر في هذا الصراع بصفتها شريكا أساسيا لروسيا كما قال نائب الرئيس الروسي خلال زيارته للقاهرة فقالت مصر يجب أن تسعى إلى مصالحها, هذا خلاف بين القوى الكبرى لا ناقة لنا فيه ولا بعير, لكن هناك مصالح كبرى مع روسيا يجب أن نسعى إلى تحقيقها والحفاظ عليها, لدينا شركات مع الصين وآفاق مع آسيا يجب أن نسعى إلى تحقيقها وأيضا لدينا مصالح واستثمارات مع أوروبا حريصون عليها, وبالتالي مصر يجب أن تنأى بنفسها ولا تقحم نفسها في هذا الصراع ونحن لدينا مصالح مع الجميع وخصوصا روسا والصين, ودعم روسيا لنا بعد 30 يوليو كان له قيمة كبيرة لكن أيضا لا يجب أن نقحم أنفسنا في صراع ليس لنا علاقة به. وشددت الشيخ على أن العالم اختلف ونظام الحرب الباردة انتهى وعلى الرغم من أن مصر شريك أساسي لروسيا, وروسيا حريصة جدا على استمرار تلك الشراكة والعمل على دعمها وتقويتها إلا أن سياسة تقوية علاقة مع دولة على حساب قطع علاقة مع أخرى انتهى، فالحرب الباردة بأيديولوجيتها السابقة لن تعود, ويجب علينا فهم ذلك وإقامة علاقات مع الجميع بدرجات متفاوتة, علاقتنا مع الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تعود كما كانت لقد حصل شرخ كبير فى هذه العلاقة وخاصة بعد دعمها للإخوان, لذلك شراكتنا أكبر وأعمق وأكثر صلابة مع روسيا ولكن هذا لا يعني العداء مع الولاياتالمتحدة. وأكدت على ضرورة تدخل مصر لدعم روسيا بشكل عملي وحقيقي وليس عبر التصريحات السياسية لأن هذا في صالحنا روسيا تحتاج إلى الكثير من المواد الغذاية والزراعية وكثير من هذه المواد مصر تصدرها فيجب أن نتدخل من هذا الجانب ولو بدافع اقتصادي, وهذا يعود بالفائدة على المستثمرين ورجال الأعمال والاقتصاد المصري، منوهة إلى أن هذا التدخل يجب أن يكون بشكل غير مباشر وألا يحدث استفزاز للأطراف الأخرى خاصة وأن البلاد تمر بمرحلة نقاهة واستعادة لنفسها ولقدرتها ولدورها بعد كبوة حكم الإخوان. وعندما تطرق الموضوع إلى إمكانية انهيار نظام بوتين بعد أزمة الروبل قالت إن انخفاض سعر النفط دون المستويات المعقولة بالنسبة لروسيا أثر بشكل كبير على اقتصادها وهذا يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز, وأن هذه الصادرات تمد الميزانية الروسية ب 55% من إيراداتها وبالتالي انخفاض أي سنت سيؤثر على الموازنة الروسية. ولكن في الوقت ذاته أكدت أيضا أن روسيا بالفعل اتخذت العديد من الإجراءات, ومنها ضخ العملات الصعبة والذهب لتعويض الانخفاض في سعر الروبل لتنشيط الاقتصاد, حيث قالت روسيا لديها ثالث أكبر احتياطي في العالم في الذهب والعملات الصعبة, وبالتالي لديها رصيد يمكنها من السحب منه بأمان للحفاظ على استقرار اقتصادها، أما فيما يتعلق بدور السعودية في أزمة النفط فقالت أعتقد أن السعودية وإن فعلت هذا لن تستطيع أن تستمر فيه لأنه سيعرضها للخسارة أيضا هى يمكن أن تنفذه لبعض الوقت ولكن لن تستطيع الاستمرار فيه لمدة أكبر, هى تحاول ضرب روسيا وإيران ولكن من سيعوضها هى عن خسائرها فهذا إن استمر ستقتل السعودية نفسها قبل أن تقتل به أحدا وأضافت الجميع سيعاني من تلك العقوبات الاقتصادية, فالأداء الاقتصادي العالمي يعاني بالفعل, وفي قمة العشرين وفي قمة آسيا والمحيط الهادي أكدوا أن تلك العقوبات مربكة لحركة الاقتصاد العالمي. وتابعت نورهان أن هناك تغييرات كبيرة ستحدث في العالم خاصة في الولاياتالمتحدة التي لديها الآن غليان بسبب الأوضاع الاقتصادية والبطالة وكل هذا لن يستمر طويلا, 2015 ستشهد الكثير وسنشهد فيها عدولا عن السياسات الأمريكية، مستشهدة بموقف أمريكا من 30 يونيو, الذي كان معارضا ثم أصبح الآن متفهما ومتقبلا لها, فالغرب عموما سيرضخ في النهاية وسيعي أن هناك حدودا للضغط على روسيا وسيبدأ ظهور تفاهمات وتنازلات هنا وهناك وأعتقد أن هذا سيحدث خلال أشهر, فالغرب لا يفهم إلا لغة الأمر الواقع والضغط والقوة. من جانبه أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام أن العقوبات والجزاءات الدولية هي حق أصيل لمجلس الأمن وذلك لإجبار دولة أو مجموعة دول للانصياع إلى مبادئ الأممالمتحدة والقانون الدولي، أما عن فرض دولة أو مجموعة دول انفراديًا ودون اللجوء إلى الأممالمتحدة لعقوبات على دولة أخرى فإن ذلك يكون بسبب عدم إذعان هذه الدولة المفروض عليها العقوبات لإملاءات الدول الكبرى، مشيرًا إلى أن المثال الصارخ على ذلك هو فرض أمريكا عقوبات على كوبا منذ ما يقرب من ستة عقود ومنذ نجاح فيدل كاسترو في انتخابات الرئاسة عام 1956 وتبنيه نظامًا شيوعيًا اعتبرته أمريكا خطرًا عليها. وأشار إلى أن العقوبات الاقتصادية تعد وسيلة حاسمة فى حالات كثيرة للتأثير على الشئون الداخلية للدول الأخرى، والتأثير على إرادة الدولة محل العقوبات الاقتصادية، وتنصرف العقوبات الاقتصادية إلى مجموعة الإجراءات التى لا تشمل الاستخدام المباشر للقوة المسلحة فى عمليات قتالية. وأضاف القراءة المتفحصة للسابقات غير القليلة التى قامت فيها منظمة الأممالمتحدة بفرض عقوبات اقتصادية ضد دولة عضو بالمنظمة، منذ أن لجأت المنظمة لهذه الوسائل الإكراهية، ضد دولة جنوب إفريقيا فى الستينيات من القرن المنصرم وحتى الآن تشير إلى أن من بين الأهداف التى تتبناها هذه العقوبات: تغيير سياسة البلد المستهدف والتى لم تجد معه الوسائل الدبلوماسية السلمية، وجعل حكومة هذا البلد غير مستقرة، وإضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وانصياع البلد المستهدف للقرارات التى سبق أن رفض تنفيذها هذا البلد. أما فيما يتعلق بإمكانية أن تتضرر دول معينة من فرض العقوبات الاقتصادية ضد البلد المستهدف، فقال نجد أن ميثاق منظمة الأممالمتحدة تنبه إلى ذلك الضرر الفادح الذى قد يصيب إحدى الدول من أعضاء المنظمة بأضرار فادحة، إذا ما كان اقتصادها يعتمد أساسا على الاتجار مع الدولة الموقع عليها العقوبات، كما قد تؤدى أيضا إلى أضرار اقتصادية بدولة أخرى غير عضو بالمنظمة الدولية، تعتمد هى الأخرى أساسا على التبادل التجارى مع الدولة المعتدية وفي النهاية أكد سلامة أن هذه العقوبات كان لها دور جوهرى فى احترام الالتزامات الدولية، وإضفاء طابع التنظيم على سير العلاقات بين الدول، الأمر الذى أدى إلى تعظيم دور تلك العقوبات فى توجيه اهتمام مشروعية القانون الدولى إليه ومراعاة وضع نصوص قانونية لتنظيمها فى المعاهدات والاتفاقيات الدولية كوسيلة ناجعة لردع الدول وتسوية المنازعات الدولية.