تمر مصر بمرحلة دقيقة وحرجة فى تاريخها بعد سنوات طوال من الفساد والظلام، إذ تواجه حربا شرسة من إرهاب خسيس يهدف إلى هدم الدولة.. ولاشك أننا بحاجة إلى تكاتف الجميع وتكتل كافة القوى من أجل أن تتعافى وتنتصر على تحديات لا حدود لها فى الداخل والخارج .. ولقراءة المشهد المصرى "النهار " التقت الدكتور رفعت السعيد القيادى البارز ورئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع للتعرف على وجهة نظهره فى الوضع السياسى بعد 30 يونية.. ** فى البداية كيف ترى المشهد المصرى حاليا بعد 30 يونية ؟ 30 يونية لم تكن مجرد حشد جماهيرى فقط، ولكنها إرادة شعبية ترفض حكم جماعة الإخوان، فلقد أثبتت الجماهير وقتها أنها أكثر فطنة مما كنا نعتقد، والدليل على ذلك أنه عندما خرجت الجماهير ضد السادات فى 1977 هتفت ضده وأحيانا ضد زوجته، وعندما خرجت على مبارك فى 25 يناير هتفت ضده وضد التوريث ولكن عندما خرجت ضد الإخوان لم تهتف ضد مرسى، بل كانت تهتف "يسقط حكم المرشد" أى أن الجماهير رفضت النظام بالكامل وأسلوب حكمه كله. بل أذكر أنه أيام مرسى كانت الاحتجاجات تأخذ أشكالا لم تحدث من قبل ولم تخطر على بال المصريين، فمثلا أنا أسكن فى المقطم على بعد أمتار من مقر مكتب الإرشاد وحزب الوسط.. كان يتجمع من 50 إلى 100شابا بسياراتهم حول مقر الإخوان ويكتفون بتشغيل كاسيتات السيارات بأعلى صوت على موسيقى "الصالصا " ويرقصون دون أن يحتكوا بأحد وتحرص البنات على ارتداء ملابس قصيرة وعارية وعندما سألت إحداهن عن سبب هذه الملابس الغريبة قالت لى "طيب نغيظ الإخوان إزاى ؟"، فالشعب استخدم كل الوسائل الممكنة المعقولة وغير المعقولة فى الاحتجاج ضد الإخوان.. ** وكيف ترى 25 يناير ومن يقولون إنها مؤامرة وليست ثورة ؟ 30 يونية ثورة لم تأت من فراغ لأنه بعد 25 يناير تشكلت مجموعات ثورية وأنا ضد الزعم بأن يناير مؤامرة لكن كان كل عيبها أنها استخدمت الفيس بوك واستقطبت جماهير غفيرة حتى إن من دعو إليها عبر الفيس بوك لم يتوقعوا أن الأمر سيصل إلى هذا الحد، كما تخيل كل شاب أنه صاحب الفضل فى هذا الحشد واستدرجتهم الفضائيات التى لم يكن كثير منها بريء فى ذلك الوقت وصنعت من هؤلاء الشباب نجوما وقادة للثورة حتى تصوروا أنهم صناع مصر القادمة وبدأ كل واحد يتكلم عن نفسه أنه صانع الثورة وأطلقوا اللحى الجيفارية ووقع الصدام بين الأطراف وانتهى الأمر بتكوين 164 منظمة وائتلافا وحركة وفجأة انحسرت الأضواء وبدلا من ذوى اللحى الجيفارية ظهر أصحاب اللحى السلفية وهنا حدث نوع من الارتباك الشديد. **وماذا عن القول بأنها مؤامرة ؟ إذا كان فى الميدان 100 ألف من الثوريين الحقيقيين فكان هناك أيضا مثلهم مدفوعين حقا، دربتهم المخابرات الأمريكية فى صربيا وفجأة يحاولون تصدر المشهد ويتحولون إلى وحوش فى الميدان لأن كلما ازداد توحشهم كلما ازداد تدفق الأموال عليهم وللأسف وقعت أشياء لا يمكن تخيلها، على سبيل المثال أحدهم يحرق المتحف العلمى لماذا؟ أنا ضد العنف وضد حرق أى مبنى حتى ولو كان كوم قمامة، فلماذا مثلا لم يحرقوا الجامعة الأمريكية ؟! . ** فى مظاهرات يناير1977 نزل الجيش وفى يناير 2011 نزل أيضا فهل هناك فرق ؟ يناير 77 خرجنا فى الشارع وكان عددنا أضعاف من خرجوا فى 25 يناير .. فى كل قرية فى مصر خرج الناس يمارسون هجوما عنيفا ضد السادات وصحب ذلك أعمال عنف وسلب كثيرة، لكن الفرق أن الجيش كان مع السادات وبالتالى السادات ترك الناس تتظاهر وأقام فى أسوان، وتم اتهامى وقتها أننى من دبر هذه المظاهرات وقبضوا عليَّ، ولكننى لا أجرؤ أن أقول إننى من فعلتها وحدى، فالشعب المصرى خرج وأعضاء حزب التجمع كانت لديهم تعليمات من القيادة بالالتحام مع حركة الجماهير الشعبية دون تخريب، وكانت النتيجة إعلان السادات وقف رفع الأسعار ونزل الجيش إلى الشارع وعندما وجدنا الدبابات فى الشارع قررنا مغادرته لأنه الجيش المصرى محقق الانتصارات العسكرية فى العصر الحديث فى 73 وبالعقل اكتشفنا وقتها أن المؤسسة العسكرية ستتقاضى الثمن من السادات وستصبح هى السلطة الأساسية فى المجتمع، ومن العجيب أن الإخوان كانوا يؤيدون السادات فى هذا الوقت. أما فى 25 يناير فكان هناك دبابة تسير مكتوب عليها يسقط مبارك وعندما سألت أحد أعضاء المجلس العسكرى فور توليهم للسلطة أنتم جيش منضبط فكيف ينفلت أحد الضباط ويكتب على الدبابة يسقط مبارك وكان وقتها مبارك لم يتنحَ بعد وموجود فى شرم الشيخ، فقال لى لو أخذت بالك من الدبابات التى احتشدت أمام منزل مبارك أثناء احتشاد المتظاهرين كانت مدافعها ليست موجهة للجماهير بل لمنزل مبارك. ** وما موقف حزب التجمع من 25 يناير؟ التجمع لم يكن مع توقيت 25 يناير وأصدرنا بيانا بذلك لأنه عيد الشرطة ويمثل ذكرى وطنية عظيمة لجنود الشرطة الذين واجهوا دبابات الاحتلال البريطانى وصمدوا صمودا بطوليا وقتها، فكيف نجعل من هذا اليوم الاحتفالى بالشرطة يوما احتجاجيا عليها، ووقتها اقترحنا أن تكون المظاهرات فى ذكرى 17 و18 يناير ولكن الاقتراح قوبل بالرفض، لكن الحزب أصدر بيانا بتكليف شباب الحزب وأعضائه بالمشاركة على أى حال يوم 25 يناير بكل قوة، واستشهد 7 من شباب الحزب. ** كيف ترى فترة حكم المجلس العسكرى ؟ للأسف المجلس كان لديه نفس التصور الذى كان لدى عبد الناصر والسادات ومبارك فى التعامل مع الإخوان، فكان يرى أنهم منظمة قوية وذات نظام حديدى وبعد جماهيرى واسع ولذلك يتعين التعامل معها بشكل مختلف عن أى قوى حزبية أخرى. ولأننى أدرس جماعة الإخوان منذ أكثر من 35 عاما وأعرف تاريخهم كنت على ثقة أنهم سينقلبون على المجلس العسكرى، وعندما طلب المجلس العسكرى مقابلتى لم أخف عنهم هذا الرأى، مؤكدا أننى لا أرغب فى منصب ولا أخشى فى الحق لومة لائم، وعقدة الأمر كانت فى أن حسن البنا وضع مبدأ للتعامل مع الآخر يقول "على الإخوان فى كل حين أن يلعبوا لعبة المصالح المشتركة مع الطاغوت " والطاغوت فى القاموس يعنى الشيطان وفى القرآن الكريم تقريبا نفس المعنى أو يطلق على العصاة والمتجبرين، فهم دائما يبحثون عن المصلحة المشتركة وعندما يستشعرون القوة ينقلبون على الفور، وهو ما حدث بالفعل. ** ألم تكن هناك بدائل أخرى أمامهم ؟ كقوى مدنية قدمنا اقتراحًا بإجراء الانتخابات أولا لنستفيد من قوة الدفع الثورى الموجودة والبرلمان يقوم بكتابة الدستور، لكن هذا لم يكن رأى الإخوان، وكان هناك حالة من التقارب بين المجلس العسكرى وموقف الإخوان وأكثر الأشخاص ميلا للإخوان فى المجلس العسكرى - و هذا إحساسى الشخصى الفريق سامى عنان فكان رأيه دائما أن نترك الحكم للإخوان ونرى ماذا سيفعلون . ** وماذا عن موقف القوى السياسية المدنية فى ذلك الوقت ؟ وصل الإخوان إلى السلطة ليس فقط لأن المجلس العسكرى فتح المجال أمامهم ولكن لأن كثيرا من القوى التى تقول إنها مدنية كانت تحاول قدر الإمكان العيش فى كنف الإخوان، من ذهبوا إلى فندق فيرمونت ومن ذهبوا إلى مكتب الإرشاد لأخذ صور مع المرشد كل هؤلاء مسئولون فضلا عن عاصرى الليمون كل هؤلاء ساهموا فى وصولهم للسلطة، البعض قال اتركوهم يحكمون حتى ينكشف أمرهم وهذه وجهة نظر خاطئة. وهنا أذكر أنه بعد تشكيل جبهة الإنقاذ عقب إصدار تعديلات مرسى غير الدستورية حيث تكشفت وقتها العديد من المواقف الممالئة والمهادنة فقد كان هناك بعض الأحزاب التى لا تميل إلى إسقاط النظام .. وحتى عندما اقترح البعض إصدار بيان يدعو لإسقاط مرسى كان أول المعترضين الدكتور محمد البرادعى وهدد وقتها بالانسحاب من الجبهة ولأن هذا لم يكن فى صالح وحدة الصف وقتها اقترحت على السيد سامح عاشور وهو من كتب البيان وقتها أن نجرى تعديلا بدلا من أن نقول"يسقط النظام المستبد" اقترحت "يسقط استبداد النظام" كنوع من المهادنة مع البرادعى وللأسف حتى فى اللحظات الأخيرة لحكم الإخوان كان البعض يساوم معهم. ** وماذا عن موقف التجمع ؟ التجمع لم يكن يملك تأييد الإخوان فمنذ 35 عاما نؤكد أننا فى مواجهة التأسلم السياسى وخضنا ضدهم معارك فى الثمانينيات والتسعينيات، وفى هذا الوقت أصدرنا بيانا يقول إننا نرفض أى تحالف أو تهادن مع الإخوان فالجماعة تضع قدمها على عتبة السلطة، وأنا على المستوى الشخصى كنت أعلم أن مرسى "ماشى ماشى" وأن الشعب المصرى لن يسكت. ** كيف ترى البرلمان القادم فى ظل ضعف القوى السياسية وفشل التحالفات الانتخابية؟ لا أحد فى الأحزاب يتمنى أن يكون ضعيفا أو مطية لحزب آخر لكن الجميع فى نفس الوقت يريد الوصول لمقاعد البرلمان أيا كان الثمن، فالبعض تحالف مع الإخوان فى المجلس الماضى وهم أنفسهم تقريبا الذين يسعون للتقارب مع حزب النور حاليا فى الانتخابات وإن كان الأمر يتم فى سرية تامة. المشكلة الأساسية تكمن فى خطأ لجنة الخمسين وتصورها أن المعركة انتهت مع الإخوان ومع أعداء البلاد فسيطرت عليهم أوهام الليبرالية التى لا تعنى حرية المواطن وحقه فى الخبز والحياة الكريمة والصحة والتعبير وإنما ليبرالية تقليل سلطات رئيس الجمهورية ومنح كل السلطة لمجلس النواب وطبعا سيطرت عليهم صورة عبد الناصر المستأثر بالسلطة وصورة السادات ومبارك أيضا حيث كانوا يستحوذون على السلطة ويتركون للبرلمان الفتات، حتى إن دستور78 نص على أن رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية ويمارسها ... ولكن القضية الأساسية الآن أننا ملزمون بإنجاز خارطة الطريق ولا يستطيع رئيس الجمهورية الآن أن يعدل فى الدستور ويضع لنفسه سلطات أوسع . والحل هو أن نلقى جانبا طموحاتنا الشخصية ومطامعنا ونسعى وبسرعة خلال أيام إلى تشكيل قوائم موحدة من القوى الوطنية والديمقراطية الليبرالية لكى لا نسمح للتأسلم السياسى السيطرة على البرلمان. **وماذا عن المال السياسى فى هذا البرلمان؟ مصر لها خصوم كثيرون من الأمريكان والأتراك والإيرانيين والقطريين، وهؤلاء يعرفون جيدا أن الانتخابات تلعب فيها الأموال دورا كبيرا ويعرفون أن الشعب المصرى "غلبان" وأن 45% من السكان تحت خط الفقر، ولا شك أن هؤلاء الأعداء سيرفعون سعر الصوت الانتخابى فى البرلمان القادم إلى 10 آلاف جنيه. ولكى نمنع الإخوان والمتأسلمين من الدخول للبرلمان بنسبة كبيرة يجب أن يعرف الناس الحقيقة.. أين الشفافية فى هذة الأمور، أنا على علم بأن الإدارة المصرية تعلم الممولين للمال السياسى بمصر، لماذا لا توقف هذه المهزلة؟ وشاهدت بعينى فى عيد الفطر الماضى قيادى بأحد الأحزاب يشترى فى دائرة واحدة 10 أطنان كحك ووزعها فى دائرته، ونفس الأمر فى عيد الأضحى الذبائح كانت توزع بلا حصر وهذا كله و"الماتش مبدأش لسه". وسبق وحذرت من الأموال الإيرانية التى وصلت بالفعل إلى مصر، وفى اليوم التالى أصدر القائم بالأعمال الإيرانى بيانا يؤكد فيه أن إيران لا تتدخل فى الشأن المصرى واستدعته الخارجية المصرية ونبهت عليه، إذا أنا أعرف والأجهزة الأمنية تعرف فلماذا لا نصارح الشعب بذلك لكى يستشعر الخطر. ** وما هو مستقبل الإسلام السياسى من وجهة نظرك؟ مفيش حاجة اسمها الإسلام السياسى الإسلام إذا أصبح سياسيا لم يعد إسلاما أصبح تأسلما أو محاولة لاستخدام الدين فى السياسة ، وإذا توحدنا وخرجنا ببرلمان قوى أعتقد لن يظهر فى الصورة من يطلق عليهم إسلام سياسى قبل 50 عاما. ** وماذا عن حزب النور ؟ هو شريك للإخوان فى الفعل والقول، فهم حلفاؤهم فى اجتماعات المجلس العسكرى، وفى انتخابات النواب، ومجلس الشورى، وشركاؤهم فى اعتصام رابعة العدوية، والنيابة فى مرافعتها فى قضية الاتحادية قالت إن قوى الإسلام السياسى حرضت على المتظاهرين ووقع على البيان حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين وحزب النور.. أليس التحريض على قتل الناس جناية. ** كيف ترى سياسة النظام حاليا ؟ *لا يوجد نظام فى الدنيا كامل الأوصاف ومن الواضح أن الخط العام الحالى صحيح وقد يكون هناك أخطاء أو حتى سذاجة فى التعامل مع بعض الأمور، وأحب أن أنوه هنا إلى أن الهوجة القائمة على مادة أو اثنين فى قانون التظاهر مثل المادة الخاصة بمكان الاعتصام ومواعيد الاعتصام وبعض الإجراءات، غير منطقية، فأنا مع ضرورة وحتمية وجود قانون لتنظيم حق التظاهر ولا يوجد بلد فى العالم ليس به قانون تظاهر ولكن المشكلة فى التفاصيل الصغيرة فى القانون.